تجربة تمثيل المرأة في الانتخابات بين الماضي والمستقبل

حجم الخط

بقلم د. حكمت المصري

 

 لا أعلم إن كان حقا هناك انتخابات أم أن الآمر لا يتعدى الزوبعة في الفنجان؟ ولكن لنفترض أن الأمر صحيح لذلك لابد من التعلم والاستفادة من المرحلة السابقة بكل ما فيها من صعوبات عصفت بالقضية الفلسطينية في شتي مجالات الحياة.
ونحن على أعتاب عام ٢٠٢٠م، تمثل المرأة نسبة ٤٩% من المجتمع الفلسطيني أي ما يقارب نصف المجتمع الفلسطيني.
رغم ذلك مازالت المرأة تعيش تحت عباءة الرجل خصوصا فيما يتعلق بالتمثيل السياسي للأحزاب والتنظيميات الفلسطينية، فلا يوجد حزب سياسي تقوده امرأة ولم تحظى المرأة بمناصب قيادية في الصف الأول للأحزاب أو التنظيمات بشكل جدى . بل أصبح التنظيم أو الحزب له الدور الأساسي في إيصال المرأة إلى صناعة القرار من خلال فرضها على أعضاءه، وهذا الأمر يخضع لشروط تناسب الحزب والتنظيم بعيداً في كثير من الأحيان إلي الخضوع لمعايير جيدة للاختيار ، ما جعل هذا الأمر صعب التنفيذ في واقعنا الحالي نظراً لحدوث تغيرات عديدة لدي النساء اللواتي اصبحن اكثر واعياً وقدرة علي المطالبة بحقوقهن ، هذا ما يحدث كواقع فلسطيني للمرأة التي كان وما زال لها دور مهم وفاعل في كافة المجالات من خلال ما تمارسه من نضال في مجالات متعددة اجتماعية، تعليمية، صحية، اقتصادية، سياسية.
بدأ العمل السياسي للمرأة الفلسطينية يزدهر وينمو ويتجدد منذ بداية الاحتلال البريطاني للأراضي الفلسطينية والذي لم يوجد إلا للتمهيد من أجل إقامة الكيان الصهيوني على أراضينا الفلسطينية ، ما جعل المرأة تدرك ذلك جيدا منذ البداية لتحول نشاطها الاجتماعي الذي كانت تقوم به من خلال الجمعيات والمؤسسات إلى عمل نضالي و سياسي وأكثر ما دل على ذلك مشاركة المرأة في ثورة ١٩٢٩م ومشاركتها أيضا في إيصال رسالة رفض للقنصل البريطاني بالقدس ردا على قرار وعد بلفور ومشاركتها في المظاهرات والاحتجاجات ودورها الاجتماعي والتعليمي والخدماتي من خلال الجمعيات والمؤسسات النسوية وعلى رأسها جمعية زهرة الأقحوان التي انطلقت منها أول شرارة للنضال من قبل الأختين خورشيد .
تم تأتي مشاركة المرأة بالثورة الكبرى عام ١٩٣٦وما تلي ذلك من مشاركات نضالية امتدت عبر المراحل التاريخية المختلفة التي عصفت بالقضية الفلسطينية منذ النكبة ١٩٤٨م مرورا بالنكسة والانتفاضة الأولى وانتفاضة الأقصى وحرب 2008 و2012 و2014 م. بجانب مشاركتها النضالية البطولية من خلال انضمامها للتنظيمات والأحزاب فكانت بداية انطلاقتها الحقيقية بانطلاق حركة فتح من خلال عملية عيلبون التي قادتها رئيسة الجمهورية الشهيدة دلال المغربي مرورا بمعاناة المرأة من الأسر والاعتقال والتشتت بمخيمات اللجوء في شتي بقاع الأرض .
ورغم مشاركة المرأة بكل المراحل النضالية إلا أنها لم تحظى بالحد الأدنى من المشاركة في صناعة القرار الفلسطيني بل أكتفي وجودها في الأحزاب والتنظيمات السياسية ك عضو فقط .
ومنذ قيام السلطة في عام ١٩٩٤م، ومع أول انتخابات أجريت حظيت المرأة بحقها في الانتخاب والترشح حسب قانون الانتخابات التشريعية لعام ١٩٩٦م المعدل.
هذه المشاركة لم تتناسب مع دور المرأة ونسبتها في المجتمع ولم تتناسب أيضا مع قرار مؤتمر بكين الصادر عام ١٩٩٥ م والذي أقر بتمثيل المرأة بنسبة لا تقل عن ٣٠% كنوع من التمييز الإيجابي لصالحها.
أما على نطاق مشاركة المرأة في منظمة التحرير الفلسطينية التي أنشئت عام ١٩٦٤م، فإنها أيضا لم تنصف ولم تحصل على التمثيل الملائم سواء في المجلس الوطني أو اللجنة التنفيذية وهذا ينطبق أيضا على مشاركتها الغير منصفه في ملف المفاوضات.
أما إذا استعرضنا مشاركة المرأة في تشكيل أول حكومة فلسطينية عام ١٩٩٤م فإنها أيضا لم تحظى إلا بوزارة واحدة من أصل ١٨ وزيرا هي وزارة الشئون الاجتماعية ممثلة بالسيدة انتصار الوزير. وهكذا حتى الحكومة الحادية عشر الأخيرة أي ما قبل الانقسام عام ٢٠٠٧م التي تضمنت ثلاث وزيرات فقط.
المجتمع فرض على المرأة أن الوصول للنجاح في الانتخابات مرتبط بانتمائها لحزب أو تنظيم لأنها بحاجه إلى دعم ومساندة من أعضاء الحزب بشكل الزامى لهم جميعا، وبالرغم من ذلك فقد فازت المرشحة المرحومة رواية الشوا في الانتخابات التشريعية بالرغم من نزولها كمستقلة.
ترجع ظاهرة تراجع المشاركة السياسية للمرأة على مستوى العمل التنظيمي والحزبي إلى الهيمنة السلطوية للرجل ورفضة لوجود المرأة في دائرة صنع القرار التنظيمي أو الحزبي رغم ازدياد نسبة الوعي السياسي والتنظيمي للمرأة وقدرتها على تحمل المسئولية واتخاذ القرار، إضافة إلى التباين الفكري والثقافي بين الناشطات النسويات، والموروث الثقافي وغير ذلك من الأسباب.
وبالحديث عن مرحلة ما بعد الانقسام ٢٠٠٧ م حتى وقتنا هذا فإن هذه الفترة العصيبة التي مر بها الشعب الفلسطيني الذي عانى ومازال يعانى من آثار الانقسام وتداعياته الصعبة على المجتمع بكافة أطيافه، رغم ذلك استطاعت المرأة بصعوبة وتحدي توسعة دائرة نشاطاتها في مجالات متعددة خصوصا المجال التعليمي وبالنظر إلى قطاع غزة تجد أن هناك نقلة نوعية لحياة المرأة التي انخرطت في المجتمع بشكل كبير رغم ظروفه السياسية الصعبة ، واستطاعت تغيير الصورة النمطية لها لتفرض مكانتها في كل الميادين من خلال مشاركتها في المؤتمرات والندوات والمبادرات والمسابقات والورشات المحلية والعربية والدولية، وإصرارها على تحسين دخلها من خلال عمل المشاريع الصغيرة والمتوسطة والانخراط في العمل المجتمعي والتوعوي والاعتصامات وأيضا انتشر تفعيل دور المرأة عبر مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة سواء كان ذلك بطريقة فردية أو جماعية ، لتناقش همومها ومشاكلها والمطالبة بحقوقها وتسليط الضوء علي القضايا التي تهم المرأة واهتماماتها واحتياجاتها بمساندة مؤسسات المجتمع المدني الخاصة بالمرأة .
الأن مع بزوغ أخبار جديدة تتعلق بإمكانية عقد انتخابات تشريعية فإنني أطالب المرأة أولا من خلال استخدام منصات التواصل الإعلامي بأشكاله المختلفة بالمطالبة بتطبيق حقها في الحصول على نسبة لا تقل عن ٣٠% عند الترشح في أي حزب أو تنظيم. وان يتم العمل من خلال مؤسسات المجتمع المدني التي تعنى بقضايا المرأة على الحصول على هذا الحق المشروع، إضافة إلى وضعها من ضمن أوائل الأسماء في القوائم خصوصا بعدما أثبتت جدارتها وقدرتها علي تحمل المسئولية وإدارة الوزارات والبلديات.
بإسمي وباسم كل النساء الفلسطينيات أقول لن نترك المجال للعابثين بالعبث أكثر في مقدرات الوطن، صندوق الانتخابات التشريعية والرئاسية هو الحل الأمثل والوحيد للخروج من الأزمة التي يعيشها الوطن وسنعمل نحن النساء بالضغط والمطالبة بإختيار قوائم مرشحين قادرين على إدارة الأزمة ، قوائم تضم شخصيات لها القدرة علي إنقاذ الوحدة الوطنية وإصلاح منظمة التحرير الفلسطينية والذهاب ببرنامج وميثاق مواطنة تحرري توافقي فالمسئولية كبيرة وتحتاج من الأحزاب الجهد الكبير لاختيار أشخاص يستطيعون الدفع بعجلة تقدم وازدار الوطن إلي الأمام، لقد سئمنا الانقسام البغيض ، سئمنا من الفقر والبطالة والحصار والهجرة للشباب وان الأوان لتفعيل المشاركة السياسية للمرأة في كافة مناحي الحياة من أجل مشاركة مجتمعية شاملة.