تساؤلات حول الإنتخابات وما يُحاك وراء الكواليس والأبواب المغلقة

حجم الخط

بقلم: المحامي زياد أبو زياد

 

العملية الانتخابية هي في جوهرها متلازمة مع القانون تسير على وقعه وتنضبط بإيقاعه ولا يمكن أن تكون نزيهة في معزل عنه ، ولكنها في نفس الوقت هي العملية التي يتمخض عنها الجسم الموكل إليه تشريع القوانين وتعديل ما كان منها بحاجة الى تعديل ، ومراقبة أداء السلطة التنفيذية وضبط إيقاع خطواتها على هدي القانون. فالحكم بمجمله هو عملية قانونية متداخلة ولكنها ليست متصارعة ولا متناقضة تُسمى سيادة حكم القانون.

أقول هذا وأنا أتابع الجدل الدائر حول الانتخابات الفلسطينية بعد أن أعلن الرئيس عباس من على المنابر الدولية عن نيته إصدار مرسوم بإجراء انتخابات وكان للبعض عتب عليه لأنه لم يُعلن ذلك لشعبه من منبر الداخل واختار المحافل والمنابر الدولية وكأنه يستجيب لمطالب وضغوط دولية وليس لحاجة وطنية ملحة استحقت منذ وقع الإنقسام المشؤوم في حزيران 2007.

تُجرى الانتخابات وفقا ً لقانون الانتخابات الذي يقسمها الى مراحل ومدد زمنية متعاقبة ويضع الضوابط القانونية لكل مرحلة ويوفر في كل مرحلة آلية للطعن ومرجعية قانونية يتم اللجوء إليها للبت في الطعن ، كل ذلك من أجل ضمان شفافية ونزاهة كل مرحلة من مراحل العملية الانتخابية بدءا بإعداد جداول الناخبين وإعلانها وإفساح المجال للطعن والاعتراض عليها لتصويب أي خلل أو خطأ ، وانتهاء بإعلان النتائج النهائية للانتخابات.

ويبقى السؤال الذي يفرض نفسه وهو : ما هو الوضع القانوني السائد عندنا وهل هو ناضج لضمان إجراء انتخابات حرة ونزيهة تُحظى باحترام وثقة أبناء الوطن على اختلاف مذاهبهم ومشاربهم السياسية والفكرية والاجتماعية والدينية.

وأنا إذ اطرح هذا التساؤل فإنه ليس بمعزل عن الوضع القانوني الذي أفرزه الإنقسام وبلوره ومضى به في عملية انفصال بين القوانين والمرجعيات القانونية والقضائية في شطري الوطن تخضع لعوامل سياسية ليست لها أية صلة بحكم القانون أو سيادته.

فلو افترضنا جدلا ً أن القيادتين السياسيتين المتصارعتين في الضفة والقطاع وافقتا على إجراء الإنتخابات فكيف يمكن أن يتم ذلك في ظل مرجعيتين قضائيتين وتحت حراسة جهازين مختلفين من حراس القانون والنظام وأقصد الشرطة في الضفة والأمن الداخلي في غزة.

هل سيتم حل المجلس القضائي في غزة والغاء منصب النائب العام وتوحيد الجهاز القضائي والنيابة العامة في شطري الوطن ليتوحدا من جديد تحت مظلة واحدة هي مظلة شرعية الأمر الواقع في رام الله ؟ وهل ستقوم حماس بحل جهاز الأمن الداخلي أو تسريح أفراده وكذلك سحب كل المظاهر المسلحة من الشوارع لخلق الأجواء المدنية المطلوبة لإجراء الانتخابات والسماح بعودة الشرطة الفلسطينية المؤتمرة بأوامر قيادتها في رام الله .

وثمة سؤال آخر يجول بخاطري وهو: هل سيلجأ الرئيس محمود عباس الى إصدار قرار بقانون يضع فيه شروطا ً على كل حركة أو حزب أو فرد يرغب بالترشح كأن يطلب منه توقيع وثيقة يعترف فيها بكافة الاتفاقيات الموقعة بين م ت ف وإسرائيل لتفادي حصول ما حصل عام 2007 ؟ وهل ستقبل حماس والقوى والفصائل الأخرى بذلك أم ترى فيه ذريعة للهروب من استحقاق إجراء الإنتخابات؟ علما ً بأن عملية إصدار قرارات له صفة القانون وفقا ً للمادة 43 من القانون الأساس المعدل لعام 2003 هي عملية مطعون فيها من أساسها ومن الممكن إصدار قرار ببطلانها من المحكمة الدستورية مما سيبطل أية انتخابات قامت على أساسها عملا ً بالمبدأ القائل بأن ما بُني على باطل فهو باطل.

وثمة تساؤل على صعيد آخر : كيف ستُجرى الانتخابات بالقدس. هل سنقوم بالبحث عن بدائل ووسائل رمزية دون أن تكون القدس في جوهر العملية الانتخابية ؟ وهل سيتم البحث عن ذرائع لإلغاء أو تأجيل الانتخابات بحجة أن إسرائيل منعت إجراء انتخابات بالقدس وأن لا انتخابات بدون القدس ، أم أننا سنخوض معركة دولية وحشد ضغط عالمي فاعل لإرغام إسرائيل على عدم إعاقة العملية الانتخابية – وهذا أمر مطلوب وممكن - والإصرار على إجراء الانتخابات بالقدس لتثبيت حقنا السياسي والوطني في القدس عاصمة دولتنا المستقبلية ؟

وما دام هذا المقال هو أسئلة وتساؤلات فإنني أتساءل أيضا عما طرحه البعض في وقت سابق عن إمكانية أن تُجرى انتخابات نسبية بنسبة 100% وأن تتم المشاركة في الإنتخابات بقائمة وحدة وطنية تضم فتح وحماس وبعض الفصائل الأخرى – بطريقة المحاصصة - تفوز بالتزكية ، وأتساءل ؟ هل تريدون إجراء انتخابات وهمية تدعون فيها أن قائمة الوحدة الوطنية فازت بالتزكية لأن أحدا ً لم يترشح ضدها وبهذا الإدعاء تُصادرون حق الشعب في انتخابات حرة ونزيهة على أساس التنافس الشريف بين برامج انتخابية وقوى سياسية واجتماعية وليس من خلال مصادرة حقه وفرض الهيمنة عليه.

نحن نعرف بأن وضع حماس في غزة صعب للغاية وأنه إذا أجريت انتخابات في هذه المرحلة فإن أغلبية الناس ستصوت ضد حماس عقابا ً لها على حُكمها الفاسد الذي بلورته خلال سنوات الانقسام وعانى الناس منه الويلين ورأوا بأم أعينهم الفساد الذي أفرز مئات وربما آلاف أصحاب الملايين المنتفعين من حكم حماس ومئات آلاف المواطنين إن لم يكن الملايين الذين يفتقرون للقمة العيش وللأمل في مستقبل وحياة أفضل. وكذلك نفس الوضع في الضفة حيث يشكو الناس من فساد الحكم ومن ظهور أصحاب الملايين المحسوبين على السلطة والذين حققوا الثراء الفاحش على حساب جيوب المواطنين مما سيجعل التصويت هنا أيضا عقابا لفتح التي حُمّلت أوزار السلطة .

ولعل إدراك حماس بأنها ستخسر في غزة وإدراك فتح بأن فوزها في الضفة ليس مضمونا ً سيدفع الطرفين الى قائمة الوحدة المحاصصة الوطنية التي ستفوز بالتزكية كما أسلفت والتي ستكون آخر مسمار في نعش الحلم الفلسطيني في الخلاص والتحرر.

هذه التساؤلات وهناك تساؤلات أخرى أحجمت عن الخوض فيها تجعلني لا أشعر بالتفاؤل من أن الانتخابات ستُجرى قريبا ، وأنها إذا جرت قريبا ً فإنها ستلبي تطلعاتنا الوطنية المشروعة.

نحن بحاجة أولا ً وقبل كل شيء الى هدم كل ما تمخض عن الانقسام المشؤوم أو نما في ظل دفيئته وبعد ذلك يمكن أن نفكر في الانتخابات. وقد لا يكون لدينا الوقت لمثل ذلك فلا يتفاجأ أحد إذا حدث مكروه للرئيس لا سمح الله ووجدنا أنفسنا نعود الى خانة الصفر من جديد لنبدأ المحاولة من جديد لأننا لا نملك ترف الاستسلام لواقع الاحتلال.