منذ ليلة أمس وبعد لقاء الأخ أبو فادي مع عمرو أديب ونحن نتلقّى التعليقات السخيفة واللامسؤولة والتي لا تنمّ عن أي التزام بطبيعة مشكلتنا الوطنية وأزماتنا وكوننا من ضمن مربعات الأمن القومي العربي الذي أصابه ما أصابه من مؤامرات وتحديات من بعد الحرب العالمية الأولى. أفراد وجماعات تقودهم نظرة حزبية ضيقة تتجاوز حدود الوطن وتتجاوز حدود خريطة المفهوم القومي للأمة العربية والأمن القومي للأمة العربية وهذا الشيء المحير كونهم يعيشون بخلاياتهم وأجسادهم ضمن خريطة فلسطين المحتلة وضمن خريطة الوطن العربي المستهدف من عدّة جهات وأركان من الشرق والجنوب والغرب والشمال.
كان تعليقي الأولي على هذا اللقاء يأتي في خضم المفهوم العام والنظرة العميقة للطبيعة التكوينية لفكر ومبادئ محمد دحلان، دحلان في حديثه ليلة امس انطلق من زاوية الامن القومي العربي في كل وقائعه التي ذكرها وتحليله وفقط من لم يعجبهم هذا الحديث هم من قواعد الشرذمة الحزبية التي ترفض بل لا تعترف بامة عربية لها موقع جغرافي وجغرافية سياسية وربما ولائها للسلطان اهم بكثير من ولائها لجغرافيتها ولغتها.
هؤلاء الذين استشاطوا غضبًا من هذا اللقاء ومن الحاضنة الشعبية التي تفهمت هذا اللقاء وما جاء به، حيث كانت الأصابع على الجرح بالمنظور القومي والوطني، تناسى هؤلاء أي قواعد أساسية للأخلاق من اتهامات أكل عليها الدهر وشرب تطال دائمًا محمد دحلان وتطال المؤيدين لنهجه ولنظريته في الإصلاح وتدعم سلوكهم الشائن ملبيات حزبية وبناء حزبي وثقافي يتجاوز حدود الوطن، ويتجاوز الأرض والمركّب الإجتماعي للبنية الوطنية الفلسطينية واللغة التي لطالما درسناها منذ طفولتنا في مدارسنا بأننا فلسطينيي الوجه عربيو العمق عالميين الإمتداد في نضالاتنا وما يمسنا، فكل شيء من حولنا يؤثر فينا ونؤثر فيه، وهؤلاء الذين تخلّوا عن كونهم من ضمن خلايا الجسد الوطني الفلسطيني ليلتحق بجسد حزبي يهدّد السلم الأهلي ووحدة البرنامج ووحدة الهدف وهذا ما نحن واقعون به نتيجة هذه الثقافات.
تركيا والسلطان وكل أنظمتها السياسية منذ الحرب العالمية الأولى هي مسؤولة عن ضياع فلسطين، قانونيًا وأدبيًا وتاريخيًا، إذًا فليس خافيًا على أحد أن تركيا هي ثاني دولة اعترفت بإسرائيل وهي من أول الدول التي زارت القدس في وجود الإحتلال وبرفقة قاتل لأطفال الفلسطينيين والعرب شارون، أي انجاز يتحدث عنه تبعة السلّطان في الوضع السابق والحالي واللاحق؟ غير مفهوم حزبي مقيت لا يفيد إلا قراءة بعض التاريخ عن تلك الدولة التي انهارت بفسادها وسلاطينها.
محمد دحلان بالبعد القومي قرأ خريطة الواقع المرتبطة بالماضي وقرأ أيضًا الخريطة الوطنية، فالوطن العربي مهدد فعلًا بقوتين تعملان ليلًا نهارًا لتقاسمه، إيران وتركيا. دحلان تحدّث بواقعية كان حريصأ فيها على أن لا يخدش أي نظام عربي حتّى لو قطر، وتمنى لها العودة للصف العربي، هكذا هي عقلية دحلان ومبادئه وأفكاره، الحريص على أن يلملم الجروح لا على أن ينبشها عربيًا، أما إذا تعلق الأمر بقوى غاشمة تنتهك حرمة الأرض العربية ويعتبرها مرتعًا لغزواته ونزواته فهو من أشد المقاتلين في وجه أحلام السلاطين وأحلام الدولة الفارسية و"الشّليتة" وأبناء "الشّليتة" وأحفاد "الشّليتة" هل تفهمون معنى الشليتة، هم هؤلاء الذين استعبدوا فلاحينا في عهد السلطات العثمانية ولسنا على استعداد لاعادة التاريخ على أرضنا مهما كان الثمن، ولن يكون طريقًا معبدًا ليعيدوا التاريخ على أرضنا العربية.
لا نريد أن ننبش الماضي وما فعلته تركيا في ليبيا وفي سوريا وفي شمال العراق وهي المناطق الاستراتيجية التي تلعب فيها تركيا من شمال الوطن العربي إلى شرقه، لا نريد أن نتحدث هنا عن ما ذكره الأخ محمد دحلان وهو معروف لدينا، كيف دخل الارهابيون إلى شمال سوريا وكيف دخلوا إلى وسط ليبيا في مصراتة وكيف دخلوا إلى غربها وكيف يغذون الخلايا النائمة في تونس والجزائر واليمن في حضرموت وما يحيط بها، ولا نريد هنا أن نتحدث عن الخطر الآخر إيران والتي تعمل بجد ونشاط في العراق وسوريا ولبنان لاكتمال هلالها الشيعي، يجب أن نترفع كفلسطينيون ومواطنون عرب عن نظرتنا الحزبية في واقع أمننا العربي وهو أمن قومي بكل تأكيد ولن يكون هناك موقفًا مبررًا لوجود فساد هنا أو هناك فالشعوب باقية على أرضها وثرواتها أيضًا.
أما عن الأزمات الفلسطينية فقد يكون رأي محمد دحلان هو نفس رأي كثير من الكوادر والمفكّرين بأننا ضد الانتخابات في هذا الواقع من الأزمات التي يجب أن تحل أولًا، مشكلة فتح الداخلية، مشكلة البرنامج، مشكلة الأجهزة السيادية في الضفة وغزة، هكذا يمكن أن تكون الانتخابات ظاهرة صحيّة، أما أن تكون الانتخابات هي القفز عن الأزمات للتعمق في أزمات أكثر خطرًا وشدة فهذا هو الجرم بعينه، علمًا بأن قناعتي الشخصية واندفاع الرئيس محمود عباس للانتخابات يدعو للحيرة والشك بعد 13 عامًا بدون شرعيات، وأذكر هنا ما حدث في الانتخابات في عام 2006 ومقدماتها حيث كانت اعترافات من الرئيس عباس بأنها بضغط أمريكية وضغوط اسرائيلية، إذا رأيي الشخصي كما قلت أن الاندفاع نحو الانتخابات في هذا التوقيت رغم الأزمات التي لا يمكن حلها حتى بفوز أحد الفريقين لن تحل، هي املاءات خارجية للحلقة الثانية من انهاء البرنامج الوطني والقوى الوطنية وقضية أن نحافظ على ما تبقى من الأرض الفلسطينية بوحدة جغرافية وسياسية وان كان الهدف المعلن هو المصلحة الوطنية والعمق الوطني والحاجة الوطنية، هي نفس الأقاويل التي قيلت في كل المنعطفات والأزمات التي أوصلت الفلسطينيين إلى ما هم فيه.
برغم كل المعوقات والمعيبات وإذا كان الواقع يتحدث على أن الانتخابات ستكون واقعًا وكما تفضل الأخ محمد دحلان أنه يسعى لوحدة فتح بقائمة واحدة فاذا لم يحدث ذلك فالتيار الاصلاحي سينزل بقائمة منفردة، أما أن يرشح محمد دحلان نفسه في الانتخابات القادمة فأعتقد أن دحلان كان فائق الذكاء في الاجابة على تساؤلات عمرو أديب، فالموضوع يرجع إلى قواعد التيار وكوادره في اختيار مرشحيه، وبالرغم من قناعة محمد دحلان ولست أتحدث باسمه هنا، بأن لا جدوى من الانتخابات في هذا الواقع وهو ليس طامحًا وليس حاسدًا لأن يكون قائدًا في وطن مهلل تقوده حالة الغثيان السياسي والثقافي وتقوده صراعات لا تبتعد كثيرا عن مخططات الاحتلال.
إذًا الذين انتقدوا دحلان وهاجموني وسبوني، بماذا أخطأ دحلان في هذا اللقاء؟ سامحكم الله واخرجوا من عباءتكم الحزبية وانتموا للوطن.