قـرار بـقـانـون سـن الـزواج ومستقبل عملية المواءمة

ريما كتانة نزال.jpg
حجم الخط

ريما كتانة نزال

أسقط، القرار بقانون المُنَسَّب من قبل مجلس الوزراء القاضي بتحديد سن الزواج بثمانية عشرة سنة لكلا الجنسين مع استثناء يُجيز زواج من أتمت السادسة عشرة عاماً بقرار من المحكمة الشرعية المختصة، وأوقف الرهان على أصحاب القرار باتجاه مقاربة مواءمة القوانين، مبدأ المساواة، جوهر وموضوع اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، بما يُؤكد صحة الاستخلاص العام للحركة النسائية الذي يُرجع السبب ويُعيده إلى نقص الإرادة السياسية لدى صُنّاع القرار، وعدم ضمانهم مواءمة مراعية لحقوق المواطنة المتساوية، وتنقية القوانين والتشريعات من التمييز دون تجزئة أو استثناءات.
لم توقف المصادقة على قرار تحديد سن الزواج باستثناءات الرهان فقط، بل رفعت من توقعات وافتراضات تحوُّل عملية مواءمة القوانين إلى عملية «ماراتونية»، معقدة وطويلة ومصحوبة بالتجاذبات والاحتقان وخيبات الأمل، بسبب عدم وجود إطار زمني لتطبيق الاتفاقية، وعدم الخروج من إطار القوالب النمطية المعروفة للتطبيق، بسبب تفسير المحكمة الدستورية العليا لعام 2017 القاضي بأن المعاهدات تعلو فقط على القانون المحلي بقدر اتساقها مع الهوية الوطنية، وتصريحات كبار المسؤولين عن عدم تجاوز الثقافة النمطية السائدة ذات العلاقة بالموروث الثقافي.
تأتي المصادقة على تنسيب مجلس الوزراء تجاوباً مع اللحظة، حيث تأتى المصادقة على القرار عشية زيارة لجنة اتفاقية «سيداو» للمناطق المحتلة في أعقاب مرور سنة ونصف تقريباً على نقاش التقرير الوطني الأول في «جنيف»، وإرسال اللجنة نتائج النقاش وتوصياتها إلى دولة فلسطين، كما تأتي الزيارة قبل سنة تقريباً على نقاش تقرير المتابعة الذي ينبغي إعداده مستوعباً تجسيد التوصيات المحالة من لجنة الاتفاقية، وبالتالي سينصب اهتمام لجنة الاتفاقية على التعرف ورصد التقدم المحرز استناداً إلى نتائج اجتماع «جنيف» واعتبارات ردم فجوات القوانين المتقادمة مع الاتفاقية.
وفي خصوص سن الزواج خلق القرار بقانون فجوة جديدة. حيث طالبت اللجنة اعتماد استراتيجية لمكافحة تسرب الفتيات من المدارس بسبب الزواج المبكر على قاعدة ما وفرته المادة 10 المتعلقة بالتعليم.
لم تتعرض لجنة الاتفاقية لسن الزواج في القسم المتعلق بالتعليم فقط، بل وعادت وكررت التعبير عن قلقها إزاء ما اصطلحت على تسميته «التنوع في الحد الأدنى لسن الزواج»، والتباين بين نص المادة الخامسة من قانون الأحوال الشخصية المطبَّق في الضفة الغربية المختلفة عن نص المادة الخامسة من قانون حقوق العائلة المطبق في قطاع غزة، وذلك في إطار مرور النتائج والتوصيات على استحقاقات المادة 16 من الاتفاقية التي تختص بالعلاقات الأسرية والزوجية. 
السؤال المطروح على خلفية مبدأ الاستثناءات لا ينطلق من نفي أو إنكار الإشكالات الموجودة على أرض الواقع ومن ضمنها على سبيل المثال، بعض الإحصاءات التي تشير الى وقوع الحمْل لدى بعض القاصرات قبل الزواج، أو عدم سيطرة السلطة الوطنية وهياكلها على المناطق المصنفة «ج»، الأمر الذي أوصل نسبة الزواج المبكر في فلسطين إلى 20% من عقود الزواج المُسَجّلة وبلوغ نسبة الطلاق فيها الى 50% من إجمالي إحصائيات الطلاق، وكلاهما أمر موضوعي لا بد من الاستثناء بخصوصهما.
موقف الحركة النسائية العام يقر بالإشكالات الواقعية ويعتبر أن من واجب السلطة وهياكلها التعامل مع الحقائق وإفرازات الواقع بهدف متابعتها والرقابة عليها وتخفيضها، لكن الاختلاف يتركز على مكانها وموقعها، بين إيرادها في القانون كما جاء في القرار بقانون وبين إيرادها في النظم والإجراءات والقوانين كما تطالب أغلبية الحركة النسائية، كي تتلافى وتتجنب سوابق الاستثناء وتمكن القانون من لعب دوره التثقيفي والتغييري، بينما تلعب اللوائح دورها الإصلاحي والتوعوي على الأرض.
ما التقدم المحرز بعد أكثر من خمس سنوات على انضمام الدولة للاتفاقية؛ وبعد أكثر من عام على توصيات لجنة الاتفاقية، على صعيد المواءمة وعمل السياسات والتدخلات...في الحقيقة لن نعثر إلا على النزر القليل، منها حق النساء في فتح الحساب البنكي لأبنائهن القصر إيداعاً وسحباً وإغلاقاً وهو حقاً قرار إيجابي وجوهري وتغييري كونه يتجاوز موضوع الولاية الحصرية للذكور عن الأبناء.
مع الإيجابية السابقة لجهة استقلالية شخصية المرأة وحقوقها، سنجد الكثير من الوعود والقليل من الحصاد، حتى في حال اعتبرنا تحديد سنّ الزواج وقمنا بإضافته على التقدم المحرز، سنحتاج لاكتشاف الإنجازات إلى مصباح «ديوجين». سنعثر على أن فلسطين قد انضمت إلى «البروتوكول» الإضافي للاتفاقية، الذي عمليا لن تستطيع النساء التمتع بفضائله المتعلقة بقدرتهن على تقديم الشكاوى الفردية قبل تمتعها بتطبيق الاتفاقية الأصل التي تخاطب الحقوق الكليّة الضرورية والأساسية، ولأنها تكفل التقوية والتمكين الجماعي للنساء في حال تطبيقها، الذي سيخدم تغيير البيئة التمييزية والإقصائية المحيطة ويغير من علاقات النفوذ والقوة الجندري ويصلح من اختلالها.
وأخيراً، المساواة في الخطاب الرسمي ليست أكثر من فرقعة سياسية، والمساواة في النظام الأساسي الذي لم يفرق بين الرجال والنساء ليس أكثر من نصوص مجردة عن متطلب وضع السياسات والأجندة الزمنية، بما تجعلنا نراوح في المربع الأول، ليتحول الانضمام إلى الاتفاقية والالتزام بمضامينها ليس سوى بذلة أنيقة نرتديها في الخطابات البلاغية.