دور إيراني مستفز في الحالتين العراقية واللبنانية

عبير بشير.jpg
حجم الخط

عبير بشير

انتفض الشعبان العراقي واللبناني على واقعهما الاقتصادي والاجتماعي الذي تديره سلطة فاسدة، فاعتبرت طهران أن النيران وصلت حدائقها الخلفية، بعدما كانت منتشية بهلالها الشيعي وأكثر، وجاهر وتفاخر بذلك كبار المسؤولين فيها، فممثل مرشد الجمهورية في خرسان قال: إيران اليوم ليست لديها القيود الجغرافية التي كانت في الماضي، اليوم إيران هي قوات «الحشد الشعبي» في العراق، و»حزب الله» في لبنان، وأنصار الله في اليمن، والنظام السوري، وحركتا «الجهاد» و»حماس».
وبدا حجم القلق الإيراني كبيرا وعميقا من الانتفاضتين العراقية واللبنانية ، بفعل أن هذا الأمر له انعكاسات على الداخل الإيراني المهيأ لانتفاضة ‏واسعة تتجاوز الانتفاضة الخضراء، وأن هذه الانتفاضات ستؤثر حتما على فضائها الاستراتيجي الممتد من طهران إلى جنوب لبنان، والذي غلفته بغطاء جيوعقائدي، برر لها مشروع نفوذها الجيوإستراتيجي خارج حدودها الوطنية باعتباره جزءاً من عقيدة النظام الثورية. هذا المشروع الإمبراطوري، يحمل بين طياته مشكلة كبيرة في لبنان والعراق كما في سورية واليمن، فإيران لا تملك مشروع إعمار وإنماء كبديل عن الأوضاع التي تسهم في تقويضها، بل إنها تحمل مشروعا إمبراطوريا مفلسا ومحاصرا، يبدع في الهدم، ويفشل في البناء.
ولا شك أن ما يجري في العراق لا يمكن فصله عما ‏يجري في لبنان، وخصوصا أن إيران تشكل عقدة الوصل والقطع في الساحتين. ففي الحالتين الثوريتين للعراق ولبنان، تعجز سلة من النظريات عن تمويه دور إيراني مستفز وطاغ.
وهناك تحول هيكلي في لبنان والعراق، لا تريد طهران الاعتراف به علنا، بل على العكس، سارعت بنعته بأقذع الأوصاف، فقد اعتبر سكرتير مجلس الأمن القومي علي شمخاني أن ما يحدث في العراق ولبنان «أشبه بفتنة داعش، وهو اتهام جديد يضاف إلى قائمة الاتهامات التي وجهت للمتظاهرين ووصفتهم بالعملاء والمتآمرين الذين تحركهم سفارات أجنبية».
الربط بين ثورتي العراق ولبنان وبين المؤامرات ربط فاسد وزائف، وهذا ما سخر منه الأستاذ جهاد الزين: «أعطونا اسم هذه السفارة لنتبرك بها، لأن سفارة تملك القدرة على تحريك مليوني شخص من أقصى جنوب لبنان إلى أقصى شماله بشكل غير مسبوق منذ تأسيس الكيان اللبناني، هي جهة تستحق التبرك بها، بسبب هذه العبقرية في التوقيت والتنظيم، وفهمها الرؤيوي والديناميكي لهذه الروح الوحدوية العميقة، التي جعلت أبناء وبنات النبطية وصور، يتكلمون بلغة سياسية واحدة مع أبناء وبنات كسروان وجبيل وعكار. وهذا بمثابة زلزال في بلد نشأ على شعارات سياسية متناقضة وتربية سيكولوجية وثقافة مختلفة أنتجت حتى الآن عدة حروب أهلية».
وعلى الرغم من نجاح إيران في تناول الحالة الشيعية خارج الأطر الوطنية في العراق ولبنان واليمن، وقيامها بترسيخ نفوذها المالي السياسي والثقافي في تلك المجتمعات، غير أن انتفاضة العراق شكلت إحدى أبرز محطات التطور السياسي والاجتماعي للشخصية العراقية، رغم كل محاولات التغييب السياسي والثقافي، التي مارستها إيران على العراقيين، من أجل جعلهم إيرانيي الهوى، وأكدت انتفاضة العراق على هوية العراق الوطنية الجامعة. وهذا ما هال طهران وهال قائد فيلق القدس قاسم سليماني، الذي كلف نفسه وكلف الحشد الشعبي بالتصدي للانتفاضة الشعبية في العراق، موقعاً مئات القتلى وآلاف الجرحى، حيث لا يمكن لنظام ولاية الفقيه، تقبل فكرة انتقال الحرائق الإقليمية إلى حديقته الخلفية، باعتبار أن طهران تمارس انتدابا كاملا على العراق الذي يمثل شرعية نفوذها العقائدي وشريان مصالحها الاقتصادية.
أما لبنان الذي أصبح يمثل درة تاج إيران الإمبراطوري، فسيكون صعبا على ايران التراجع فيه بعد كل ما حققته في الخمسة عشر عاما الأخيرة، بدءا من التخلص من رفيق الحريري، مرورا بحرب 2006 بين «حزب الله» وإسرائيل، وهي حرب انتهت بانتصار ساحق للحزب على لبنان حكومة ومؤسسات. وتحت هالة هذا النصر، تمت غزوتا بيروت والجبل في 2008 بهدف اخضاع السنة والدروز بعد ضمان غطاء مسيحي لحزب الله، عبر وثيقة مار مخايل مع ميشيل عون، وصولا إلى وصول  عون إلى قصر بعبدا، بعد أن أصبحت الحريرية جسره إلى بعبدا، حين بدا أنه لا مناص للحريرية من الخضوع لكماشتين: موقف حزب الله النهائي - إما عون أو لا أحد في سدة الرئاسة-، وموقف الكنيسة المارونية التي حددت المرشحين الرئاسيين بأربعة، جرب سعد الحريري حظوظهم تباعاً قبل أن يصل إلى عون.
غير أن «حزب الله» يجد نفسه اليوم في مواجهة حركة احتجاجات عاتية وعميقة وشاملة في لبنان، تشق طريقها بقوة وثبات بشكل يفرض على “حزب الله” قراءة مختلفة للمشهد اللبناني ما بعد 17 تشرين الأول، ولا يمكن معالجتها أو الالتفاف عليها بنفس الخطاب والأدوات السابقة، خصوصا أن الطبقة السياسية التي تحتمي بـ»حزب الله»، ويحتمي هو بها، وتسعى للحفاظ على امتيازاتها تواجه جيلا جديدا من كافة الطوائف قد تجاوزها.
هذا المناخ الضاغط وغير المسبوق، فرض على أمين حزب الله حسن نصر أن يقول كلاما هادئ النبرة، واحتوائيا، بمناسبة يوم الشهيد امس، عكس ما اعتاد عليه من إشهار الأصبع، ولم يتطرق إلى الوضع الحكومي، مشيراً فقط إلى استمرار اللقاءات.
وها هي الانتفاضة الشعبية في لبنان تسجل انجازا جديدا، بعد استقالة الحكومة اللبنانية، مع رضوخ رئيس مجلس النواب وحليف حزب الله نبيه بري لضغط الشارع وإعلان إرجاء جلسة مجلس النواب، المخصصة لإقرار قانون العفو العام. وذلك بعد تهديد المتظاهرين بقطع الطريق أمام مجلس النواب ومحاصرته، وإعلان الإضراب العام، ما دفع بري الى تأجيل الجلسة بسبب «الوضع الأمني المضطرب».