من المعيب ان لا نفهم السلوك الاسرائيلي الدائم في خياراتها المبنية على نظرية الامن ، فالكيان الصهيوني منذ ما قبل تاسيسه وعندما كان في لبناته الاساسية كمستعمرات ومستوطنات معزولة بين القرى الفلسطينية كانت المنظومة الامنية لتلك المستوطنات تحدد اهداف تلك العصابات التي تطورت الى منظومة دولة مجيشة امنيا ً اقطاعية راسمالية سياسية .. هي تلك ما يسمى اسرائيل وكان من المعيب ان يهبط البرنامج الفلسطيني الى اقل من الادنى في التعامل مع تلك الدولة التي يقال انها دولة وتحمل نموذج ديمقراطيا ً عصبويا ً وعصابيا ً ليس الا.
في خرافة الحل السلمي والسلام خيار استراتيجي وتدجين الكفاح المسلح والمقاومة فهذه فكرة خيالية باقل التعبير والوصف ان لم نكن نقول اكثر من ذلك لنهج اثر على مسارات القضية الفلسطينية برمتها فكانت قضية الاحتواء والتدجين بدأ من من الكفاح المسلح وتدجينه الى متطلبات وخطوط سياسية امنية فتحت الفرصة على مصرعيها لكي تنمو ما يسمى اسرائيل وتتوسع حتى في الاراضي التي تم الاستيلاء عليها مابعد حرب 1967 ومازال البعض يتحدث عن ثقافة مهترئة تتحدث عن سلام وهمي في ظل غزوات وقتل الفلسطينيين بدم بارد كما حدث يوم امس في مخيمات الضفة الغربية .
نفس المسارات التي تعمل عليها اسرائيل والتي تم تنفيذها مع فصائل منظمة التحرير وحركة فتح فهي تستخدم نفس السلوك في تدجين المقاومة في حلول وتهدئات بحيث تصبح المقاومة تدافع عن وجودها ونفسها لا ان تبادر وتهاجم تحت بند نظرية التحرير بل البقاء على جزء قد يتم عقد التفاهمات عليه بعد التخلص من القيادات التي تسميها اسرائيل وامريكا وبعض المتعاونين معها بانها قيادات متطرفة في الصف الاول والثاني لكي يتسلم بحكم الاطر التنظيمية قيادات الصف الثالث وكما يرغبون من وجوه ان تبقى على قيد الحياة وبما يتفق مع هبوط البرنامج والمطالب والكفاءة ايضا .. هذا ما تسعى اليه اسرائيل عبر سلوكها مع فصائل المقاومة اذا لم نقل ما قبل انطلاقة الثورة المعاصرة ايضا ً .
عملية اغتيال بهاء ابو العطا ومحاولة اغتيال اكرم العجوري في دمشق فهي تحمل عدة رسائل ومن السخف ان نتحدث عن رسالة واحدة فقط ونحيلها لازمة نتنياهو في تشكيل الوزارة واستمراره على راس الهرم السياسي والامني في اسرائيل، فاسرائيل ليست عاجزة عن تغيير قادتها والتاريخ يتحدث عن ذلك والسجالات والمناكفات بين القوى المختلفة في اسرائيل تدور حول بقاء هذا الكيان الذي قال عنه نتنياهو اامل ان يبقى مستمر اكثر من 100 عام وان لا يزول كما زال الكيان اليهودي باقل من هذا الزمن .. هكذا هي نظرة اسرائيل .
ايضا من الغباء ان نفكر بان اسرائيل ليست ذكية في تعاملها مع الصراع ، فهي تفهم ما تريد وبخطوات دقيقة ومحسوبة تستخدم الزمن والظرف والامكانيات ايضا فاسرائيل حددت ماهية القيادات التي تحكم حركة فتح من خلال تصفيات قيادات الصف الاول والثاني التي كانت تقود عملية الكفاح المسلح والتي كان بجانبها البعض ينظر للاتصال معها وبشكل غير مباشر اغتالت تلك الوجوه التي سمتها اسرائيل متطرفة بشكل او بـآخر او عن طريق عملائها او دعما لوجستيا من العملاء لتحديد الزمان والمكان وبالتالي تحكمت في نوعية القيادة والقائد الذي صعد لكي يطرح اوسلو وثقافة اوسلو وما بعدها .
لم يكن الامر مقتصرا على حركة فتح ايضا ً فهو طال جميع الفصائل الفلسطينية من تصفيات وهو نفس السلوك الذي اتبع مع حmاس والجهاد بتصفية قيادة الصف الاول سواء في حmماس او الجhاد والشعبية وكثير من الامور ، فمازلنا نذكر الضربة الدقيقة لاحمد ياسين ايضا ً وابو علي مصطفى والرنتيسي وقيادات هامة كثيرة في حركة المقاومة ، اسرائيل في رسائلها تلك ضربت اكثر من عصفور بحجر واحد فهي رسالة معطلة لفكرة الانتخابات والوحدة الوطنية الفلسطينية وانهاء الانقسام والرسالة الاخرى هي ردا على رسائل السنوار الاخيرة في ظل عملية احتواء وكبت اقليمي لحmاس والجhاد تحت سقف موضوع التهدئة وكذلك محاولات دولية للاحتواء والتطبيع لمفاهيم المقاومة ونوعيتها واثارة نوع من التردد اعلامي وتعبوي بان اي مواجهة مع اسرائيل ستحمل الجانب الفلسطيني خسائر باهظة نحن في غنى عنها ، في حين ان الواقع اكثر خسارة واكثر تكلفة من الخسائر البشرية اذا كانت الخسارة تعم وطن وخسارة وطنية .
اعتقد تعودت اسرائيل في الماضي على تصفية عشرات من قيادات الشعب الفلسطيني على ان ينتهي الامر بوساطات اقليمية ودولية وبالتالي تكسب اسرائيل ويخسر الفلسطينيين دائما ً فاسرائيل لم توجع الا بالعمليات الحادة بدء من عمليات وديع حداد وعمليات ابو جهاد وعمليات قامت بها فصائل المقاومة في الانتفاضة الثانية ، هذا ما اوجع اسرائيل اما الحوارات التي تثير التردد والتارجح لدى قيادات المقاومة تهدف فقط لكي تكون اسرائيل منتصرة والشعب الفلسطيني جاهز لتقديم التنازلات هذا هو الهدف الاسرائيلي والحسابات الاسرائيلية التي لا تتحدث على اكثر من ردات فعل قد تنتهي بعد يوم او يومين او اسبوع وتحدث الحوارات والاتصالات وكان الامر لن يؤثر على المسارات الاخرى من اجتماعات وحوارات سواء كانت مباشرة مع الاسرائيليين في الماضي او مازالت مع السلطة الفلسطينية او الحوارات والمفاوضات عبر وسيط كما يحدث الان من محاولات مستمرة لاحتواء قرارات فصائل المقاومة وقياداتها .
اذاً عملية اغتيال ابو العطا واليد التي تقول عنها اسرائيل طولى لتقصف منزل في دمشق للقائد العسكري الذي عمل متمرسا ً في القطاع الغربي اكرم العجوري هي عملية تستهدف التخلص من القيادات الفاعلة في هذا الفصيل والامر الان متروك لقوى المقاومة بعد هذا التفصيل الذي افردته في هذا المقال فالامور تحتاج للتجرد من الاحاسيس العاطفية وان ضربت فوجع فاسرائيل مبنية على نظرية الامن فاذا اختل الامن لديها واوقفت الحركة في تل ابيب والقدس وشمال فلسطين فان السرائيل مدفوعة للتنازل بعد مواجهات قد تكون عنيفة جدا ً ولكن اسرائيل ستركع للمطلب الفلسطيني فلم يعد الواقع الفلسطيني الحيط الواطية التي تبني اسرائيل عليها سياساتها وانفتاحاتها وامنها .