هل يتخلّى الاحتلال عن الوساطة المصرية؟!

هاني حبيب.jpg
حجم الخط

هاني حبيب

أدرك الاحتلال الإسرائيلي بنتيجة التصعيد الأخير، أن هناك حدوداً لاستخدامه القوة العسكرية التدميرية في صراعها مع مقاومة قطاع غزة، ففي النهاية لم تتمكن دولة الاحتلال من توفير الحماية لجبهتها الداخلية الهشّة، فهي لا تزال أكثر حساسية من سقوط قتلى من الجنود أو المدنيين، في حين أن تكاليف التصعيد والحرب أكثر من أن تتحمّله، كان لزاماً على الاحتلال أن يدرك هذه الحقيقة قبل الثورة في أي تصعيد مفتوح على حرب أوسع لا يمكن السيطرة على نتائجها.
هذه إحدى استخلاصات الاحتلال بعد عملية تقييم سريعة لموجة التصعيد الأخيرة، إلاّ أن الجديد في هذه الاستخلاصات، ارتباك الاحتلال حول العلاقة الجديدة مع قطاع غزة، خاصة مع حركة «حماس»، ولعلّ الأهم والأكثر مثاراً للتساؤل، الجديد في طبيعة العلاقة مع جمهورية مصر العربية، أو على الأخص دور القاهرة في عملية الوساطة، إذ يبرز هنا رأيان متعارضان: الأول، يدعو إلى تغيير قواعد اللعبة، من خلال التنازل عن الوساطة المصرية والتحدث مع «حماس» مباشرة، وثمة ما يمكن التحدث عنه: وقف إطلاق الصواريخ، مقابل رفع الحصار، خاصة أنه ليس لمصر سيطرة على «الجهاد الإسلامي»، واتهام القاهرة للاحتلال بأنه رفض تطبيع العلاقات مع الفلسطينيين من خلال امتناعه عن الوفاء بالتزاماته إزاء التسهيلات والتهدئة والهدنة، ما ساهم في تراجع قدرة القاهرة على التأثير على مسرح الأحداث، وظل هذا التأثير في سياق إطفاء الحرائق وليس منعها.
يستند هذا الرأي بالزعم أن ليس للقاهرة مصلحة في التوصل إلى هدنة طويلة فعالة بين الاحتلال والمقاومة في قطاع غزة، لأن الدور المصري المؤثر في المنطقة والإقليم محصور في قطاع غزة، بعد فقده التأثير على ملفات تحيط بالمنطقة والإقليم، وإبقاء الملف الإسرائيلي مع قطاع غزة مفتوحاً، يبقى الباب الوحيد، لاستعادة مصر دورها المؤثر في المنطقة والإقليم، لذلك، حسب هذه الرؤية، مطلوب الإبقاء على هذا الملف ساخناً وليس هناك مصلحة للقاهرة في إغلاقه، حسب المحلّل السياسي لصحيفة «يديعوت أحرونوت»، ناحوم برنياع، يوم الجمعة الماضي.
وفي نفس الصحيفة، يعترف مسؤول أمني تم حجب اسمه، أن الاحتلال باق على الحفاظ على دور مصر في الوساطة، مشيداً بدورها الفاعل على كافة المجالات، خاصة فيما يتعلق بنجاحها في التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار بعدما كانت إسرائيل تخشى من استمرار المواجهة، واحتمال سقوط عسكريين ومدنيين إسرائيليين، ما يضغط باتجاه التدحرج نحو حرب أوسع لا تريدها إسرائيل ي الوقت الراهن، مذكراً ـ هذا المسؤول الأمني الإسرائيلي ـ بأنه ما كان من الممكن التوصل إلى هكذا اتفاق إلاّ نتيجة للضغوط التي مارستها القاهرة على حركة الجهاد واحتمالات دخول «حماس» في المواجهة، ومن الواضح أن هذا الرأي المنشور في نفس الصحيفة الإسرائيلية، يتعارض مع الرأي الأول الذي توصل بنتائج التصعيد الأخير إلى ضرورة الحديث مع حركة «حماس» مباشرةً والتخلّي عن الوساطة المصرية!