"الغَمْر" أول قطرة من الغيث

التقاط.PNG
حجم الخط

غزة - وكالة خبر

بقلم الصحفي: صخرالترك

المكانة الجغرافية والتاريخية لمنطقة الغمر

الغَمْر هي منطقة حدوديّة أردنيّة تقع ضمن محافظة العقبة جنوب البحر الميت. كانت تعدّ إحدى بنود النزاع الحدودي بين الأردن وإسرائيل، حيث وَرَدت في المُلحَق الأول من معاهدة السلام الأردنية الإسرائيلية عام 1994 تحت اسم "منطقة الغمر/ تسوفار".

تمتد منطقة الغمر على مساحة 4 كيلومترات مربعة وعلى طول خمسة كيلومترات باتجاه الحدود، وتحتوي على أرضٍ زراعيّة كانت ضمن ثلاث مناطق حدوديّة أردنيّة مُحتَلًّة بحكم الأمر الواقع أو تحظى إسرائيل فيها بامتيازات خاصة تُفرِّغ السيادة الأردنيّة عليها من معناها. استعاد الأردن سيادته على الغمر في نوفمبر 2019، بعد انتهاء مدة العمل بملحقي الباقورة والغمر ضمن اتفاقية وادي عربة وإعلان ملك الأردن عبد الله الثاني عدم تجديد الاتفاقية.

تقع منطقة الغمر على بعد كيلومتر واحد غرب الطريق رقم 65 في صحراء وادي عربة شمال محافظة العقبة ضمن حدود بلديّة القريقرة وفينان التابعة لقضاء وادي عربة، حيث تبعد عن وادي فينان بحوالي 17 كيلومترًا إلى الجنوب الغربي، وعن الشوبك بحوالي 27 كيلومترًا إلى الغرب، وتبعد عن العاصمة عمّان قرابة 168 كيلومترًا إلى الجنوب، كما تقابلها مستوطنة تسوفار على الجانب الآخر من الحدود.

لقطات تاريخية

قامت القوّات الإسرائيليّة بعد حرب 1967 باحتلال أراضٍ أردنيّة تقع شرق خط الهدنة لعام 1949، وكانت الغمر من تلك الأراضي. بلغت مساحة الأراضي المُحتلَّة في هذه المنطقة وحدها حوالي 387 كيلومتر مربع. عَرَضت إسرائيل على الأردن في معاهدة وادي عربة عام 1994 تبادلاً لهذه الأراضي الزراعيّة بأراضٍ صخريّة داخل صحراء النقب ضمن مجموعة تبادلات حدثت في المنطقة شملت أجزاءً من الأحواض الملحيّة جنوب البحر الميّت، فوافقت الحكومة الأردنيّة على ذلك.

هل قامت المملكة الاردنية بتاجير منطقة الغمر

أما بالنسبة إلى منطقة الغمر، فلم يُحسَم أمرها بسبب امتدادها لخمسة كيلومترات داخل الحدود الأردنيّة وبمساحة تبلغ 4000 دونم. وقد أصرّت إسرائيل على عدم الانسحاب منها بحجّة أنها امتداد لمسوطنة تسوفار التي تأسّست عام 1968 كمستوطنة ناحال زراعيّة ثم تحوّلت عام 1975 إلى قرية موشاف زراعيّة، فتم الاتفاق على إدراج الغمر ضمن نظام خاص تم وضعه في مُلحَق في معاهدة السلام ينصّ على أنها تحت السيادة الأردنيّة، ولكنها لا تخضع لقوانين الجمارك الأردنيّة، ويتم تأجيرها لإسرائيل حيث توجد ملكيّات خاصة لمزارعين إسرائيليين، كما يتعهّد الأردن بحمياتهم. يستمر هذا الاتفاق لمدة 25 سنة ويتجدّد تلقائيًا في حال لم تُطالب الحكومة الأردنيّة باسترداد تلك الأراضي.

وأعلنت الحكومة الأردنيّة في بداية عام 2018 أنها تدرس وضع منطقة الغمر في حال قرّرت إنهاء تأجير أراضيها أو تجديد الاتفاق مع إسرائيل لخمسة وعشرين عامًا أخرى، حيث تنتهي الفترة في تشرين الأول(أكتوبر) 2018.

وفي يوم الأحد 21 شهر تشرين الأول (أكتوبر) 2018، أعلن العاهل الأردني عبد الله الثاني بن الحسين عبر صفحته على موقع تويتر عدم تجديد اتفاقية تأجير أراضي الباقورة والغمّر لإسرائيل، بعدما خرجت احتجاجات ومسيرات في يوم الجُمُعة السابق: 19 تشرين الأوَّل (أكتوبر)، تطالب بإنهاء هذه الاتفاقية بعدما انتهت المدة القانونية حسب اتفاقية السلام الأردنية الإسرائيلية.

كما شهدت المحاكم الأُردُنيَّة، تسجيل مجموعة من الإنذارات العدليَّة ضد الحكومة، للمطالبة بعدم تمديد تأجير أراضي المنطقتين لإسرائيل. 
وغرَّد العاهل الأردني قائلًا: "لطالما كانت الباقورة والغمّر على رأس أولوياتنا، وقرارنا هو إنهاء ملحقي الباقورة والغمّر من اتفاقية السلام انطلاقًا من حرصنا على اتخاذ كل ما يلزم من أجل الأردن والأردنيين".
 كما قالت وزارة الخارجية وشؤون المغتربين إنها سلَّمت وزارة الخارجية الإسرائيلية مذكرتين أبلغت عبرهما الحكومة الإسرائيلية قرار المملكة الأردنية إنهاء الملحقين الخاصين بمنطقتي الباقورة والغمر في معاهدة السلام المذكورة.

وبعد هذا الإعلان، هدد وزير الزراعة الإسرائيلي أوري أرئيل في ذاك لوقت، بقطع المياه عن العاصمة الأردنية عمَّان، وقال في مقابلة مع القناة الأولى الإسرائيلية، إنَّ إسرائيل ستُقلِّص المياه التي تزود بها عمَّان من أربعة أيَّام إلى يومين في الأسبوع إذا أُلغي المُلحق الخاص بقريتيّ الغمر والباقورة، مُعتبرًا أنَّ الأردن يحتاج إسرائيل أكثر من حاجة إسرائيل للأردن، وطالب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بإقناع ملك الأردن بالعدول عن قراره. 

وكان نتنياهو قد صرَّح بِأنَّ الأردن يحق له استعادة كافَّة أراضيه، لكنَّهُ توقَّع الدُخول في مفاوضات مع الأردنيين حول إمكانية تمديد اتفاقية تأجير أراضي القريتين سالفتا الذِكر. 

وفي 10 نوفمبر 2019 أعلن ملك الأردن عبد الله الثاني انتهاء العمل بملحقي الباقورة والغمر وفرض السيادة الأردنية عليهما. 

هل تتغير سياسة الأردن تجاه إسرائيل بعد عودة الباقورة والغمر؟

بعدما أبلغت الأردن إسرائيل، رسميا وخطيا، بأنه ليس بوارد تجديد عقد الانتفاع من هاتين المنطقتين، وفي الموعد المحدد، لكن رهان إسرائيل على تراجع أردني لم ينقطع ولم يتوقف حتى ربع الساعة الأخير.

هي إسرائيل التي خبرنا سياساتها القائمة على المماطلة والمراوغة، وتحويل المؤقت إلى دائم، والانتفاع إلى إجارة، والإجارة إلى ملكية. إنها عقلية السطو والغزو والتعدي على حقوق الآخرين وممتلكاتهم، والتي تحكمت بالطبقة الحاكمة الإسرائيلية، منذ أن كانت إسرائيل فكرة ومشروعا، وقبل أن تصبح دولة وبعدها".

والمهم أن الأراضي الأردنية استعيدت بالكامل، وهي خضعت منذ الأمس للسيادة والقانون الأردنيين، ولا ترتيبات خاصة لهاتين المنطقتين بعد اليوم: من كانت له ملكية خاص فليكن، ولكن تحت مظلة القانون الأردني، وحركة المعابر والحدود ونظام التأشيرات، ومن زرع أرضاً، سيُستَمهل لحصادها بضعة أشهر ولمرة واحدة، وفقاً لما انتهت إليه المفاوضات والتفاهمات، ولكن دائماً تحت مظلة القانون والإجراءات الأردنية المرعية".

على المنوال ذاته، يقول فطين البداد في المدينة الأردنية إن "إعلام الكيان العبري لا ينفك يتحدث عن تدهور العلاقات بين الجانبين ورفض الأردن أي مساومة في الملفات الصعبة مثل القدس والدولة المستقلة والتوطين ، ولكنه أيضا يحمل نتنياهو وحكومته أسباب هذا التدهور الذي وصل لاستدعاء الأردن سفيره من تل أبيب".

يُشار إلى أنّ "الموقف الأردني حيال الباقورة والغمر لا لبس فيه ولا تراجع بشأنه ... الباقورة والغمر ليستا للمساومة، ولا ربط بينهما وبين الأسرى".

واستعادة الباقورة والغمر تشكل إنجازا مهما للأردن، وردَّ اعتبار، خاصة وأن حكومة نتنياهو تعمدت في السنوات الأخيرة إهمال عمان بعد أن كانت ممرا سياسيا رئيسيا لعلاقاتهم في المنطقة".

وبرغم الإعلان الرسمي عن تسلم المنطقتين، بيد أن ذلك لا يعني منع الإسرائيليين من الدخول إليها وسط أنباء عن اتفاق مقيد لتمديد تأجير الغمر حتى 30 أبريل المقبل، بما يسمح للمزارعين الإسرائيليين من جمع محاصيلهم".