فلسطين: هل هو المنعرج نحو الحقيقة والحل العادل؟

حجم الخط

بقلم: الدكتور أحمد القديدي

 

الملف الفلسطيني تعقد أكثر بقصد إقرار الأمر الواقع وهو ظالم ومناقض للقانون الدولي. 
الصراع بين الحق العربي والعدوان الإسرائيلي يشكل المواجهة المصيرية في المنطقة، 
وما من شك في أن الملف الفلسطيني تعقد أكثر بشكل مستمر بقصد إقرار الأمر الواقع وهو واقع ظالم ومناقض للقانون الدولي وهو ما يفسر إشارات كثيرة من حضرة صاحب السمو أمير دولة قطر، الذي أعلن مواقف قطر من هذا الملف المصيري أمام الأمم المتحدة وأمام مجلس الشورى.

وقد تفاقمت هذه الأيام الاغتيالات لعائلات كاملة كما وقع لبهاء أبو العطاء ورسمي أبو ملحوس وأكرم العجوري حيث قتل أطفالهم و زوجاتهم معهم أمام رأي عام غربي وأحيانا عربي غافل صامت!

جاءت التحولات العربية الكبرى منذ كانون الثاني 2011 و خاصة بعد اندلاع شرارة الثورة العربية الديمقراطية الثانية لعام 2019 تقض أول ما تقض مضاجع حكام "إسرائيل" لأن الخارطة السياسية للشرق الأوسط باتت تتغير بعمق وسرعة بفضل عودة إرادة الأمة للفعل والتاريخ.
ولم يبق عائق أمام انتصار الحق على الباطل سوى الشقاق الأخوي الفلسطيني الداخلي ولا نحسب إلا أنه يسير نحو الحل بفضل الاتفاق على الانتخابات القادمة بين الأطراف.

من أي منظور قيمنا الصراع المصيري بين الحق العربي والعدوان الإسرائيلي، فلا بد من الاعتراف بأنه يشكل المواجهة المصيرية الأكثر حسماً للصراع الدائر في المنطقة منذ أكثر من قرن، ولا تغرنكم الانحرافات نحو التطبيع الكيدي الذي تبشر به صفقة قرن مرفوضة.


فهو يضع العرب أولاً وبقوة أمام تحدي البقاء أو الفناء لأن العرب بلغوا اليوم وعبر هذه المعضلة ما يطلق عليه ساعة الحقيقة، فلم يعد من اليسير الهروب إلى الحجج الواهية التي لم تعد تقنع أحداً مثل خيارنا هو السلام أو سنعترف بـ"إسرائيل" إذا استجابت لشروط كذا و كذا، لأن العدوان فاق كل درجات الاحتمال بالنسبة للشعوب العربية، وهذه الشعوب بفضل ربيعها تختلف عما كانت عليه عام 1948 إبان النكبة وعام 1956 إبان العدوان الثلاثي وعام 1967 موعد العرب مع الهزيمة وعام 1973 عندما حقق العرب نصف انتصار، وعام 1982 حين واجه لبنان الغزو من أجل محو المقاومة الفلسطينية من الخارطة وعام 2006 حين تعرض لبنان لهجمة رهيبة وعام 2008 - 2009 حين تم تدمير غزة الصامدة.

هذا لأن الأمة تعيش ككل أمة في الألفية الثالثة وتتأثر بوسائل الاتصال الراهنة وبشكل مباشر.
ثم يأتي التحدي الثاني للعدوان البغيض ليضع الشعب اليهودي الموزع في شتى أصقاع العالم لا الأربعة ملايين يهودي المقيمين في "إسرائيل" فقط أمام مراجعة قاسية واستعجالية لمستقبل "إسرائيل" ذات المواصفات الفريدة والاستثنائية بين الدول، من حيث إنها تأسست على الإرهاب منذ قتلت عصابات الصهيونية المتطرفة اللورد موين في القاهرة عام 1944 بعد أن عينته الحكومة البريطانية مسؤولاً عن الملف الفلسطيني عام 1941 فشكك في إمكانية تطبيق وعد بلفور على حساب الشعب العربي في فلسطين، بل واقترح إنشاء كيان يهودي في أوروبا المسؤولة وحدها عن محنة اليهود.


ثم اغتالت عصابات الهاغانا الكونت برنادوت مبعوث الأمم المتحدة إلى فلسطين عام 1948 وفجرت عصابة شتيرن فندق الملك داوود في القدس على رؤوس الضباط البريطانيين المائة والعشرين في نفس العام. ثم بدأت سلسلة المذابح في فلسطين من دير ياسين إلى بئر السبع إلى قانا وصبرا وشتيلا إلى قصف غزة هذه الأيام.


أما الحقيقة الثالثة في مواجهة المصير فهي وضع العالم بأسره أمام الواقع كما هو لا أمام التزييف الإعلامي والتزويق الدبلوماسي للصراع الفلسطيني - العربي مع همجية دولة خارجة عن القانون وليس لديها من حلول سوى منطق التدمير والإبادة والترويع. هذه المواجهات هي التي تجعل القضية تتحرك نحو حلول أخرى مختلفة عن الحلول الجزئية والمتحيزة التي رسمت لها الولايات المتحدة خارطة طريق مسدودة! والتي أعلنت إدارات واشنطن المتعاقبة أنها لا تقوم إلا بعد إنهاء كل نفس مقاوم لهذه الخارطة الأميركية وبلا شروط وبالقوة العسكرية فحسب! وهو ما جعل الصراع العربي الإسرائيلي يتحول بسرعة إلى مواجهة قوة استراتيجية وإعلامية غربية عظمى هي التي تحرك سياسات "إسرائيل" وتحدد لها الأهداف وتسكت عن الاستيطان والترهيب لكن المعطى الجديد هو ما يعانيه الرئيس الأمريكي من محاكمات برلمانية تعيد النظر في خياراته السياسية وتشكك في المستقبل.


فقد أحدثت همجية "إسرائيل" رجة في الضمير اليهودي ذاته وأصبح كثير من كبار المفكرين اليهود يراجعون حساباتهم ويفصحون عن خوفهم الحقيقي على مصير اليهود في "إسرائيل وكان من بين من ندد باليمين الإسرائيلي ونيتنياهو المفكر والدبلوماسي اليهودي الفرنسي ستيفان هيسيل وقبله ناحوم شومسكي عالم الألسنية وهارولد بينتر الكاتب الحائز على جائزة نوبل للآداب عام 2005 وجوزي ساراماجو الكاتب الحائز على جائزة نوبل لعام 1998 وندد هؤلاء الكتاب الكبار بمواقف الولايات المتحدة والغرب في الكيل بمكيالين في التعامل مع القضية، بل وبلغوا حد التنديد بما سموه إرادة جلية إسرائيلية لإبادة الشعب الفلسطيني في مناخ من عدم العقاب أو المساءلة!

عن "الشرق" القطرية