بقلم: تسفي برئيل
مرت ثمانية أشهر تقريبا منذ عُين سلمان بن عبد العزيز ملكا للسعودية حتى زيارته الرسمية لواشنطن. غادر، أول من أمس، فندق لاميراج الفاخر في طنجة (التي يوجد له فيها ثلاثة منازل) وبدأ رحلته الى العاصمة الأميركية. أمضى الملك شهراً كاملا في طنجة بعد أن ترك الريفييرا الفرنسية في أعقاب غضب السكان على إغلاق أحد الشواطئ بسبب تواجد الحاشية الملكية. قامت ثلاث طائرات بالتحميل، وهبطت في المغرب، وهي الدولة التي تحترم وتقدر الملوك، وخصوصا الملك السعودي.
واشنطن وطنجة تُحسنان استضافة الملوك، وهما كالعادة مريحتان أكثر من الدول الديمقراطية التي تريد ارضاء برلماناتها وجمعياتها أو متظاهريها. إلا أن باراك اوباما سيبدو في هذه المرة مختلفا. خلافا لمصر والاردن واسرائيل فان السعودية لا تحتاج الى المساعدات الأميركية. وهي ستشتري منها الطائرات والصواريخ والاسلحة بمليارات الدولارات. هذه هي الصفقات الاخيرة فقط، وهي لا تشمل الصفقات التي تمت بعشرات المليارات والاسلحة قيد التصنيع الآن. باختصار، السعودية لا تشتري السلاح فقط بل تشتري الدفاعات العسكرية، الامر الذي سيقوي الاقتصاد الأميركي، وفي المقابل تتوقع الحصول على نتائج سياسية مناسبة.
بخلاف اسرائيل، لا تتفاخر السعودية بأنها الديمقراطية الوحيدة في الشرق الاوسط، لاسيما بعد أن تبين أن هذه الديمقراطية هي عبء على الادارة الأميركية. بينما للسعودية أملاكها الخاصة التي تجعلها حليفة حيوية.
بالنسبة للسعودية، هذه رزمة من الفشل تفرض على السعودية ضمان أن حليفتها لن تحطم، حتى لو بالخطأ أو بالسذاجة أو بسبب غياب الخبرة، مميزات يعتبرها المحللون في السعودية صفات انسانية للولايات المتحدة، أي مكانة وسياسة الولايات المتحدة في الشرق الاوسط. الملك عبد الله، في أيامه الاخيرة، اعتقد أن على السعودية تغيير استراتيجيتها، وأن تتحول من دولة تعمل من وراء الكواليس الى دولة مبادرة، والسبب الرئيس لذلك هو أنه بعد ثورات 2011 لم تبق دولة عربية قادرة على حمل لواء القيادة. فمصر غارقة حتى عنقها في مشكلاتها، والعراق مُقسم، وسورية تتفكك تماما. ولكن سياسة عبد الله تميزت بمعارك الكبح مثل المساعدة التي منحها لنظام السيسي (المقاطعة التي فرضها على قطر لتتراجع عن مهاجمة مصر)، الابتعاد، في التصريحات على الاقل، عن «الاخوان المسلمين»، رعاية مليشيات دينية ولكن غير راديكالية في سورية، وسعي أولي لاصلاح العلاقات مع ايران، توجد لسلمان استراتيجية مختلفة. كبح ايران ووقفها بقيت الاستراتيجية المركزية، لكن تنفيذها يستند الى سياسة ناجعة لا تستبعد القيام بعمل عسكري مباشر.
أقام سلمان مثلا «الخط السني» الذي يضم مصر ودول الخليج وتركيا ايضا التي تعتبرها مصر دولة معادية. وقد اضطر السيسي الى بلع حبة الدواء المرة، وفهم أنه خلافا لعبد الله الذي احتقر تركيا وأبعدها عن شؤون الشرق الاوسط، فان سلمان له أولويات اخرى. السعودية أقل عداءً لـ»لاخوان المسلمين»، وبالنسبة لها فان «حماس» هي وسيلة مقبولة من اجل تطهير الواقع العربي السني من تأثيرات إيران. الانضباط المصري تحصل عليه السعودية بوساطة الاموال الطائلة التي تُمكن السيسي من إبقاء نظامه، ولكن ليس تحديد الأولويات السياسية في المنطقة.
بدأت ذروة السياسة السعودية الناجعة منذ آذار على ارض اليمن. قوات برية وجوية سعودية، بالتعاون مع مليشيات محلية واجزاء من جيش اليمن، نجحت في احتلال مدن عدن وتعز، وهي تعد بأنها ستحتل العاصمة من جديد حتى الخريف من أيدي المليشيات الحوثية. رغم أن تمرد الحوثيين في اليمن لم يبدأ بمبادرة ايران (فقد حذرتهم ايران من محاولة احتلال الدولة)، فقد نجحت السعودية في تأطير الحرب في اليمن كصراع قوة في وجه ايران، وأن الحوثيين هم شيعة يعملون باسم الجمهورية الاسلامية. تبنت السعودية الرئيس اليمني، عبد ربه منصور هادي، الذي تتم استضافته مؤقتا في الرياض، وهي تعتبر حزب الاصلاح اليمني المرتبط بـ»الاخوان المسلمين» مستنداً سياسيا أساسيا، مرة اخرى رغم أنف المصريين.
بذلك نجحت السعودية في وضع الولايات المتحدة في مفارقة صعبة. فما زالت واشنطن تعتبر أن الحرب ضد «القاعدة» في شبه الجزيرة العربية جزء من استراتيجيتها، وفي ظروف اخرى كان يمكن للحوثيين بالتحديد أن يشكلوا قوة مساعدة مهمة ومفيدة في هذه الحرب. في سورية ايضا تطمح السعودية الى ادارة اللعبة السياسية، عندما أعلنت بشكل حاسم أن الاسد لا يستطيع الاستمرار في الحكم حتى وإن كان هذا على شكل حكومة انتقالية. السيسي، الذي أعلن قبل بضعة اسابيع أن الاسد يمكن أن يكون جزءاً من الحل، اضطر الى التراجع وقبل الموقف السعودي. اليمن وسورية ستحظيان بالنجومية في اللقاء بين اوباما وسلمان. فالملك السعودي سيطلب تفسيرات واضحة وقاطعة تضع الولايات المتحدة وراء ظهر المملكة مع قبول قدرة واشنطن على المناورة. تعرف السعودية أن الاتفاق النووي مع ايران هو حقيقة واقعة، ولكن بخلاف اسرائيل فان ما يقلقها ليس عدد اجهزة الطرد المركزي أو كمية اليورانيوم المخصب الذي تستطيع انتاجه، بل تأثير رفع العقوبات على المكانة الاقليمية والدولية لايران، وهذا ما سيكون في جوهر النقاش السعودي - الأميركي.
من هنا تنبع الاهمية الكبيرة التي تنسبها السعودية للسياسة الأميركية القاطعة في المكانين، اليمن وسورية، حيث إن الحرب ضد «داعش» بالنسبة لها هي حرب ثانوية قد تزيد من قوة ايران. والتعاون غير الرسمي بين ايران والولايات المتحدة في الحرب ضد «داعش» في العراق، والاصوات في واشنطن التي تعتبر الاسد قوة مساعدة محتملة للقضاء على «داعش» في سورية، تزيد اشتباه الرياض بالنوايا الأميركية الحقيقية. سلمان يصل الى واشنطن بعد أن حصل اوباما على الانجاز السياسي الاكثر أهمية خلال ولايته. وهو يبلغ ثمانين سنة من عمره، وفي ملفه الطبي امراض صعبة (حسب بعض التقارير الزهايمر أيضا)، وهو مضطر لخوض صراع سياسي في قمة الجبل. وأمامه يجلس رئيس شاب ربح مجده وبرر جائزة نوبل التي حصل عليها مسبقا، لكنه يحتاج الى قدرته الكلامية والدبلوماسية كي يعد بأن «الفوز» في إيران لن يتسبب بفقدان وضياع الشرق الاوسط العربي.
عن «هآرتس»