وضع نتنياهو القانوني يضع علامات استفهام حول تهديداته لإيران

حجم الخط

وكالة خبر

بقلم: عاموس هرئيل
تستصيف إسرائيل في الأسابيع الأخيرة عدداً من كبار الشخصيات في جهاز الأمن الأميركي. ذروة سلسلة الزيارات كانت، الأحد الماضي، بمجيء رئيس هيئة الأركان المشتركة في الجيش الأميركي، الجنرال مايك ميلي، ضيفاً على رئيس الأركان، افيف كوخافي.
في الدولتين يحرصون على التأكيد بأن شبكة العلاقات بين المستويات المهنية أفضل اليوم، ووطيدة بشكل خاص.
ولكن يبدو أنه خلف القطار الجوي يقف اعتباران آخران لا يتم التحدث عنهما علنا.
كلاهما يتعلقان بتهدئة المخاوف. الخوف الإسرائيلي من انسحاب أميركي وخوف أميركي من عملية غير منسقة من الجانب الإسرائيلي.
القلق الإسرائيلي يرتبط بالخطوات الأخيرة للإدارة الأميركية، بالامتناع عن الرد على الهجوم الإيراني في الخليج حتى الآن، الذي شمل ضربة شديدة لمنشآت النفط السعودية وإسقاط طائرة أميركية دون طيار باهظة الثمن، وبعد ذلك قرار الرئيس إخلاء الجنود من المنطقة الكردية في شمال شرق سورية، الذي مهّد الطريق لغزو تركي. في إسرائيل يخافون من التوجه الذي يلوح في الأفق لانسحاب أميركي من المنطقة، سيترك لإيران مجالاً اكبر للعمل.
يبدو أن الأميركيين في المقابل قلقون من القرارات التي يمكن أن تتخذ في إسرائيل.
تتحدث القيادة الإسرائيلية دون توقف عن الأخطار المحدقة من محاولات إيران التمركز العسكري في جنوب سورية، وعن تهريب سلاح متطور لـ "حزب الله" في لبنان وعن جهود التعاظم الإيراني في العراق واليمين.
احتكاك عسكري متزايد بين إسرائيل وإيران وأدواتها يمكن أن يجر الأميركيين إلى حرب إقليمية، وعلى الاقل حسب تصريحات ترامب هو لا يريد ذلك.
هذه الأقوال تذكّر قليلاً بعدة زيارات سابقة لكبار شخصيات البنتاغون الى إسرائيل، في اشهر صيف 2011، وبعد ذلك في صيف 2012. في هاتين النقطتين الزمنيتين، كتب فيما بعد، فحصت القيادة في إسرائيل هجوما مستقلا على المنشآت النووية الإيرانية.
أرسل الجنرالات من اجل جس النبض لدى نظرائهم الإسرائيليين الذين عارضوا خطوات رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع في حينه، ايهود باراك، وتحفظوا على الهجوم.
حسب معرفتنا، هجوم كهذا غير موجود الآن على الأجندة؛ لأن إيران لا تزال ملتزمة مبدئيا بالاتفاق النووي مع الدول الخمس العظمى (السادسة، الولايات المتحدة، انسحبت منه في أيار من السنة الماضية) وخروقات الاتفاق من جانبها مؤخرا ما زالت لم تتجاوز الحدود المحتملة. مع ذلك، التصريحات الإسرائيلية الأخيرة بخصوص إيران هي عدوانية بشكل خاص.
زار نتنياهو ووزير الدفاع، نفتالي بينيت، الأحد الماضي، حدود سورية وحدود لبنان.
أعلن نتنياهو بأن إسرائيل ستحبط نقل السلاح القاتل من إيران الى سورية وستوقف المحاولات "لتحويل العراق واليمن الى قواعد لاطلاق الصواريخ".
وأضاف بينيت رسالة للقوات الإيرانية في سورية: "ليس لديكم ما تبحثون عنه هنا". أول من أمس في احتفال بالذكرى الرسمية لجنود عملية "كديش" في العام 1956، اعلن الوزير بأنه "من الواضح لأعدائنا أننا سنرد على كل محاولة لمنعنا من الحياة. الرد سيكون دقيقا جدا ومؤلما جدا. هذه الأقوال أوجهها ليس فقط لمن يريد قتلنا في الساحة الجنوبية، بل أيضا في الشمال".
أشار الزعماء الإسرائيليون في أقوالهم أيضا إلى مشكلات داخلية تواجهها، مؤخراً، القيادة في طهران. موجة الاضطرابات الكبيرة في العراق وفي اليمن والتي ترتدي طابعا مناهضا لإيران، والاحتجاج العنيف في إيران نفسها رداً على رفع اسعار الوقود. التحذير من خطوة إيرانية محتملة ضد إسرائيل هي إنذار حقيقي، لكن أيضا الاعتبارات الإسرائيلية لا يمكن فصلها عن صورة الوضع الداخلي الذي في مركزه قرار تقديم نتنياهو للمحاكمة والطريق المسدود في الاتصالات لتشكيل الحكومة.
خلال سنوات حظي نتنياهو بالمديح المبرر على المسؤولية وضبط النفس التي أظهرها في استخدام القوة العسكرية، وبالأساس رفضه الحاسم الخضوع للضغوط الشعبوية والانجرار الى حروب غير مجدية في قطاع غزة.
ايضا في الجبهة الشمالية وجه الأمور على الأغلب بشكل سلس، الأمر الذي منع التصادم الكاسح مع الإيرانيين. لقد كان لديه انزلاق واحد موثّق: قبل أسبوع على الانتخابات الأخيرة، في منتصف أيلول، احتاج الأمر تدخل المستشار القانوني للحكومة، افيحاي مندلبليت، (بتشجيع من الجيش) من اجل وقفه عن القيام بعملية في غزة، حيث كان يمكن أن تؤدي الى تأجيل الانتخابات، والتي اراد شنها دون نقاش ممنهج سابق في الكابنت.
سئل شخص كان في الفترة الأخيرة مطلعاً على أسرار "المعركة بين حربين" التي تعني عملية عسكرية للجيش وراء الحدود، إلى أي درجة استمرار المواجهة بين إيران وإسرائيل يرتبط بنشاطات تقوم بها الأخيرة. الجواب حسب رأيي هو "80 – 20"، أي أن إسرائيل هي التي ستملي بدرجة كبيرة الى أين ستتطور الأمور. هذا الوضع يحتاج من كل أجهزة الرقابة – لجنة الخارجية والأمن، المستشار القانوني، وسائل الاعلام – أن تظهر اليقظة العالية. وبالأساس هو يلقي مسؤولية خاصة على رئيس الأركان كوخافي الذي شهد بعد التصفية الأخيرة في غزة بأن كل القرارات اتخذت بصورة موضوعية ولم يكن يشوبها اعتبارات سياسية.
في ظروف فيها رئيس الحكومة قلق على مصيره الشخصي، والوزير الجديد في وزارة الدفاع يجب عليه استغلال الوقت القصير نسبيا الذي يوجد لديه من اجل البروز من ناحية سياسية، فان الأنظار تتجه نحو رئيس الأركان. كوخافي، الذي هو نفسه دفع باتجاه خط هجومي في العمليات الأخيرة في غزة وفي سورية، هو الآن الشخص البالغ المسؤول. كما أن عدداً من كبار الضباط الآخرين في القيادة الأمنية متماهون اكثر منه مع نتنياهو أو يفحصون السيناريو بالأساس من زاوية تكتيكية تؤكد على الحاجة الى استمرار العمليات الوقائية.
رئيس الأركان السابق، غادي آيزنكوت، أظهر صلابة بشكل خاص، أحيانا كان يبدو انه تقريبا متحمس للمعركة مع المستوى السياسي. الآن يقف كوخافي رغم أنفه أمام اختبار مشابه.
الجهاز العسكري لا يمكنه أن يكون محميا تماما من الاعتبارات السياسية التي تشغل المؤسسة التي تقع فوقها. هيئة الأركان ليست ديراً والجنرالات يدركون جيدا ما يحدث في الدولة. ولكن قادة الفرق التي زارها بينيت ونتنياهو، الأحد الماضي، ومثلهما الطيارون الذين يخرجون الى مهماتهم الليلية، يجب عليهم أن يكونوا على ثقة بأن القرارات الأمنية التي تتعلق بمسائل الحياة والموت يتم اتخاذها بصورة موضوعية. في المزاج المروع الذي يعيشه نتنياهو والذي تميز مؤخرا بهجمات منفلتة العقال على النيابة العامة والشرطة، فان الشكوك حول ذلك آخذة في التزايد.
في بداية العقد الحالي صدم جهاز الأمن قضية وثيقة هرباز التي أساسها مواجهة جامحة بين رئيس الأركان في حينه، غابي اشكنازي، والوزير باراك. نتنياهو كرئيس حكومة لم يظهر في هذه القضية أي اهتمام. لقد تذكرها فجأة فقط في السنة الأخيرة، عندما دخل اشكنازي الحياة السياسية ومندلبليت (حيث أوشك النائب العسكري الاول تقريبا على أن يقدم لمحاكمة جنائية على تأخير معالجة الوثيقة المزيفة) بدأ يظهر امامه كخطر حقيقي. في تلك الفترة ثار سؤال كيف يمكن أن يحافظ الجيش على بوصلته القيمية والمهنية، حيث تكون القيادة الأمنية قائمة على الدعم المتبادل. هذا السؤال يدوي الآن بصورة اكثر شدة، حيث رئيس الحكومة واقع في مشاكل وازمة أمنية يمكن أن تلتهم كل الأوراق السياسية.

عن "هآرتس"