هيئات الحكم المحلي والاستقلالية

صلاح هنية.jpg
حجم الخط

صلاح هنية

واضح أن إتْباعاً قد وقع لهيئات الحكم المحلي بالكامل لوزارة الحكم المحلي، بحيث لم يعد بإمكان البلديات أن تقرر أبسط قضية وهي تغيير صفة الاستخدام لمبنى أو لقطعة أرض وتضع عائقاً لحين رفعها إلى لجنة التنظيم اللوائية ومن ثم مجلس التنظيم الأعلى، وكأن الوزارة أدرى بواقع البلد من أعضاء منتخبين، واتسعت دائرة التبعية شيئاً فشيئاً حيث بات بعض المواطنين يذهبون صوب الحكم المحلي مباشرة، وبات الأعضاء الذين لا يُسمع صوتهم يذهبون صوب الحكم المحلي.
المصيبة والطامة الكبرى أن المواطن الذي انتخب ويكون هدفاً للقوائم الانتخابية أثناء الانتخابات لا يوجد من يعود له، بل تعود البلديات للهيئات الأعلى، ولا تعود للمواطن مصدر شرعية المجالس البلدية، ونتيجة لحالة الإحباط لدى المواطن من الواقع المعاش في هيئات الحكم المحلي لم يعد يجد جدوى من الشكوى ولا الضغط ولا التأثير، وجل ما يفعله تعليق على مواقع التواصل الاجتماعي من باب فشة الخلق ليس إلا، وهو يعلم أنها لا تحمل تأثيراً بالمطلق لأن الوزارة حصنت هذه المجالس من النقد مقابل تبعيته للحكم المحلي المركزي ليس إلا.
وكلما خاطب الناس وزارة الحكم المحلي يكون الجواب بشكل مباشر أو غير مباشر «أنت تخاطب اليوم وتقول انك أغلبية، غداً سيأتيني آخرون بموقف مغاير ويقولون نحن أغلبية!!!!»، وعندما تطالب مجموعة من سكان هذه المدينة أو البلدة بحلول خلاقة من الوزارة لا يحدث جديد، الأمر الذي قاد الى رؤية مجتمعية جوهرها: بدناش انتخابات عينوا تعيين ما تتعبوش راسنا، ومن يتم تعيينه يكون تحت إمرة الوزارة وانتهينا.
وتتسع الأزمة انعكاساً للمركزية المفرطة أن البلديات لم تعد قادرة على ازالة اعتداءات على الرصيف وعلى حق المشاة وضد ابنية معتدية على الارتدادات، لأن جهات أخرى غير البلدية تجد أن الظرف العام لا يعود ملائماً للقيام بهذه المهمة، وعلى هذه المسطرة يتم القياس «لا داعي لهذا الطريق لأنه مصلحة للاحتلال أكثر مما هو مصلحة للبلد!!!».
وتتساءل هيئات الحكم المحلي: لماذا يعزف الناس عن الالتزام تجاه البلديات، وكأنهم لا يملكون جواباً بعد كل ما ورد أعلاه، لماذا لا تحدث اجتماعات مفتوحة مع الناس ومؤسساته الفاعلة لبحث قضايا المدينة ورأي الناس، حتى أن الناس باتت تتساءل: أين هي التنمية الاقتصادية المحلية اذا كانت المناطق الصناعية غير مؤهلة وطرقها غير مؤهلة، وتعاني من اكتظاظ فقط لأنها تستخدم للابتعاد عن الأزمة وليس بهدف الاستفادة من خدماتها.
والمؤسف أن هناك بلديات لا تقيم وزناً للمنتجات الفلسطينية ولا للوكيل الفلسطيني المباشر وتذهب صوب منتجات إسرائيلية خصوصاً في مشاريع المياه والكهرباء وطلاء الطرق، وقد تتابع مع هذه البلديات فيأتيك الجواب: «ولا صنف زبط معنا الا الإسرائيلي، وإحنا إلنا مرجعية في لجنة عطاءات» هذا الجواب غير مقبول من صاحب بقالة في حارة فكيف سيكون مقبولاً من رئيس بلدية منتخب.
وتقف مركزية وزارة الحكم المحلي متفرجة ورافضة للتدخل عندما يكون تدخلها مطلوباً عندما يقع نزاع بين المجلس البلدي بخصوص التبادلية في رئاسة البلدية، وتقول: لا نتدخل لأن القانون لا يغطي هذه التبادلية!!!!!!!!، وإذا تأثرت البلديات بالبعد العشائري أو الفصائلي  يصرون أن هذا الوضع ليس من ضمن القانون!!! وإن جرت قرارات فصل للموظفين، ولا نقيّم مشروعيتها من عدمه، وتصادق الوزارة على القرارات، وهي مصرة أن «السلم الأهلي ليس للاستخدام في مثل هذه القضايا!!!» ظناً من وزارة الحكم المحلي أن السلم الأهلي تصنعه فصائل العمل السياسي بإسناد من العشائر بغض النظر عن شرعية هذا الإجراء هنا وهناك وتصادق على ضمانة ان هناك من يستطيع حفظ السلم الأهلي!!!
طبعاً هناك استثناءات، وقد أبدو منحازاً ولكنني سأتحمل هذا الاتهام، تشكل بلدية رام الله استثناء محترماً رغم انها لا تسلم من «موضة التعليقات على مواقع التواصل الاجتماعي». ولكنها على الأقل بادرت للالتزام بقرار الحكومة برفض التعامل مع تصنيفات (أ و ب و ج) وتوسيع مخططها الهيكلي، وتعقد اجتماعات مع ممثلي مؤسسات المدينة، وباتت بلدية مفتوحة للاستماع لرأي الناس في المدينة، وتدرس قراراتها بدقة سواء على صعيد تحويلات حركة المرور والتي قد تكون ملاحظات مهنية يتم الاستماع لها، رغم أنها لا تستفيد الاستفادة القصوى المطلوبة من اللجان الاستشارية التي جرى تشكيلها، وبالإمكان رفع درجة الاستفادة كما عهدنا بلدية رام الله.
وتميزت بلدية رام الله بشكل واضح بمشاريع ذات أهمية من عيار مدارس صديقة للبيئة وترفع الأعلام على المدارس الفائزة، والاهتمام بالعمل الثقافي والفني، والاهتمام بتبادل الخبرات من خلال منتدى الخبرات الذي يستفاد منه من خبرات الخبراء والمتقاعدين، وتوفير المرافق سواء قصر الثقافة والمسرح البلدي والمجمع الترويحي والمكتبة العامة والمكتبة العثمانية والحدائق العامة.