تعصف الأزمة المالية في لبنان باقتصاد سوريا المجاورة، عبر تجفيف منبع حيوي للدولار الأميركي، ودفع الليرة السورية إلى مستويات قياسية منخفضة.
فاقتصاد سوريا، الذي تحجبه عقوبات غربية عن النظام المالي العالمي، يعتمد على الروابط المصرفية مع لبنان، للإبقاء على أنشطة الأعمال والتجارة، منذ تفجرت الحرب في البلاد قبل أكثر من ثمانية أعوام.
لكن في الوقت الذي تفرض البنوك اللبنانية قيوداً مشددة على سحوبات العملة الصعبة والتحويلات النقدية للخارج، يتعذر وصول أثرياء سوريين إلى أموالهم.
وبحسب ثلاثة رجال أعمال وخمسة مصرفيين في دمشق وفي الخارج، فإن تدفق الدولارات إلى سوريا من لبنان شبه متوقف.
وقال مصرفي لبناني بارز يتعامل مع حسابات أثرياء سوريين لوكالة رويترز: "تلك الودائع حبيسة الآن. يمكنك تصور تبعات ذلك التي تبدأ بالظهور على السطح في الاقتصاد السوري". وتحدث شريطة عدم ذكر اسمه بسبب حساسية الأمر.
وتعد أزمة لبنان الاقتصادية التي تختمر منذ وقت طويل الأسوأ منذ حربه الأهلية التي استمرت بين عامي 1975 و1990. وتسعى البنوك لمنع نزوح رؤوس الأموال بعد أن باتت الدولار شحيحا، ومع هبوط قيمة الليرة اللبنانية في السوق السوداء.
وهوت الليرة السورية بنسبة 30 في المئة في الأسابيع التي تلت تفاقم أزمة لبنان الاقتصادية في 17 أكتوبر، بعد موجة الاحتجاجات المناهضة للحكومة التي اجتاحت البلاد.
وبلغت الليرة السورية أدنى مستوياتها على الإطلاق عند حوالي 765 للدولار هذا الأسبوع، مقارنة مع 47 قبل بدء الانتفاضة ضد الرئيس بشار الأسد في 2011 والتي تطورت إلى حرب.
وقال رجال أعمال ومصرفيون إن من المعتقد أن لدى سوريين أثرياء ودائع بمليارات الدولارات في البنوك اللبنانية. والفوائد التي تدفع على ودائع السوريين في لبنان وتحول إلى داخل البلاد هي مصدر مهم للدولارات للاقتصاد.
ومع عدم قدرتهم على تحويل الدولارات مباشرة إلى سوريا، يلجأ السوريون خارج منطقة الشرق الأوسط إلى النظام المالي اللبناني كقناة لإرسال أموال إلى أقاربهم تقدر بمئات الملايين كل عام.
ويشعر العمال السوريون في لبنان أيضا بآثار انكماش حاد لاقتصاد يخسر الوظائف بخطى سريعة. وقال كمال حمدان، رئيس مؤسسة البحوث والاستشارات البحثية، ومقرها بيروت: "ربما يكون السوريون أكثر تأثرا بالقيود من غيرهم".
وقال خليل توما، رجل الأعمال السوري الذي مقره دمشق: "كان السوريون الذين يعتمدون على فوائد ودائعهم ينفقون بعضها داخل سوريا. هناك آلاف توقفوا الآن عن جلب دولاراتهم من لبنان، وهو ما يقلل المعروض من الدولارات".
وحتى قبل اندلاع الأزمة اللبنانية، كانت الليرة السورية تحت ضغط، مما يعكس مشكلات سوريا الاقتصادية العميقة التي تفاقمت خلال حرب دمرت مناطق شاسعة من البلاد.
وقال رجلا أعمال إنه في مسعى لدعم الليرة السورية، التمست السلطات الدعم من رجال أعمال أثرياء موالين للأسد في أكتوبر، طالبة منهم إيداع أموال في مصرف سوريا المركزي. لكن ذلك كان أقل بكثير من أن يحدث تأثيرا.
وتم تشديد القيود أيضا على سحوبات الليرة السورية، في مسعى لكبح تحويلها إلى دولارات.
وقال مصرفيان مقرهما دمشق ورجل أعمال إن مصرف سوريا المركزي أصدر تعليمات إلى البنوك لوضع سقف لعمليات السحب عند خمسة ملايين ليرة سورية في اليوم.
وقال توما: "تلك القيود، لا سيما بعد الذعر بشأن الليرة، جعلت الناس يحجمون عن وضع الأموال في المصارف. أغلب الناس يحتفظون بها سائلة للخوف من عدم قدرتهم على سحبها عندما يريدون. دفع هذا الدولار للارتفاع بشكل أكبر".
وقال المصرفيان اللذان مقرهما دمشق إن المصرف المركزي تخلى عن تحركات لدعم الليرة من خلال التدخل المباشر، مفضلا الحفاظ على ما تبقى من احتياطيات النقد الأجنبي.
وقال رجال أعمال بارزون آخرون لرويترز: "نخشى أن يكون الهبوط هذه المرة لا رجعة فيه".
وقال كريم الحلواني، وهو تاجر يعمل في استيراد المواد الغذائية، متحدثا عبر الهاتف من دمشق: "لم يعد التجار يضعون ليراتهم في البنوك. هم يحولونها إلى دولارات، وهذا أوجد مزيدا من الطلب على الدولار".
وقال الحلواني: "بات الناس أكثر ذعرا.. هم يقولون إذا لم يكن رجال الأعمال الأقوياء هؤلاء غير قادرين على فعل أي شيء.. إذن فالوضع يتدهور".