رسالة إلى الطيار الذي قصف كوخ عائلة السواركة

حجم الخط

بقلم: دافيد أنوخ


أعرف أن هذا ليس ما أردتَ أن يحدث. هذا ليس ما خططتَ لحدوثه. ربما هذا ليس ما اعتقدتَ أن يحدث. وهذا بالتأكيد ليس ما فكرتَ في أن تفعله عندما كنتَ راغبا جدا في أن تكون طياراً حربياً. السيناريوهات البطولية التي مرت بذهنك لم تكن قصف كوخ بائس وقتل تسعة أفراد من عائلة السواركة، أو قتل أطفال أبرياء، طاهرين مثل أطفالي، وربما مثل أطفالك أنت. لم يكن هذا مخططك.
ليس لأنه لم تكن هناك علامات تحذير. منذ سنوات كثيرة وأساس مهمات الجيش الافضل في الشرق الاوسط، الأفضل في العالم كما يقولون لنا أحيانا، ليس مهمات بطولية، بل مهمات احتلال سخيفة، قصف، من الجو أيضا، من قبل افضل شبابنا في الجيش الأكثر أخلاقية في العالم، بوساطة قنابل ثقيلة تلقى على تجمعات سكانية، حيث تحول الأمر روتيناً على الأقل في غزة.
ومن لا يزال متحمساً جدا لأن يكون طيارا حربيا، أيضا إزاء كل ذلك، تتملكه دوافع كثيرة للشك، أو ربما لديه هرمونات أكثر من الدافعية. مع ذلك، أنا أصدقك، أن هذا لم يكن مخططك. أنت لست كذلك، أو على الأقل لم تعتقد أنك هكذا.
تحدث أخطاء، هذا صحيح. وأخطاء السلاح تكون تراجيدية بشكل خاص. أنت أيضا لم تعرف، فقد قالوا لك إن هذا هدف، منشأة تابعة لـ»الجهاد الإسلامي»، ربما. هدف نوعي؟ هذا يصعب تصديقه. مرة اخرى يدور الحديث عن استخدام مصطلحات بطولية، ربما كان لها مكان، مكان قبيح وليس جميلا، بعيد جدا عن أن يكون مثاليا، لكن ربما من غير المستبعد في الميدان الحقيقي الذي فيه تدور معارك مدرعات ضد مدرعات أو معارك جوية دموية، وفي الجيش الذي تخدم فيه، يدور الحديث عن مفاهيم جلبها إلى الواقع القصف من الجو ضد عدو لا يوجد له سلاح جو أو قوات مضادة للطائرات، وهو محاولة مضحكة من اجل الحفاظ على الهرمونات المطلوبة للخدمة العسكرية حتى في ساحة احتلال وقمع. ولكن مع ذلك، هدف، هكذا قالوا لك، وأنت صدقت ذلك وخضعت، حيث لا يمكن الخدمة في الجيش دون الخضوع للأوامر.
صحيح أنه تحدث اخطاء ودائما تكون فجوات في المعلومات بين المستوى التنفيذي والمستوى الاعلى منه، لكن بالتحديد بسبب ذاك الخضوع، أي خضوع هو عملية مدهشة من إظهار الولاء. عندما تخضع للأوامر وتنزل موتا عظيما على منطقة لا تشاهدها بنفسك، فأنت تظهر بذلك ثقة هستيرية بالجهاز وقادتك والاستخبارات والمستشارين القانونيين. أنت تقول لهم في الحقيقة: أنا لست كذلك، أنا لست إرهابيا، أنا رهن إشارتكم وأنا أعتمد عليكم بأن لا تحولوني ارهابيا.
لكنك تعرف أن ذلك ليس صحيحا. ربما لم تعرف. واذا لم تكن تعرف فإن هذا اهمال في فحص الوقائع حتى قبل الحادثة الاخيرة. ولكن مع ذلك، ربما لم تعرف، لأنه لا يمكن الثقة بهم. ولكن الآن أنت أصبحت تعرف، حيث يتبين، الآن، على سبيل المثال، أنه في الجيش الاسرائيلي توجد حقا مرافقة لمستشارين قانونيين (في مناسبة أخرى ربما نتحدث عن حسن نواياهم) ومصادقة حاسمة نسبيا، لكن فقط في مرحلة المصادقة الأصلية على الأهداف، التي ربما أُخذت قبل بضعة اشهر من الوقت الذي دعيت فيه لقصف هذه الأهداف، دون أن يكون هناك الزام بتحديث معين (في أي سياق آخر هل كان القائد سيرسلك الى مهمة استنادا الى معلومات استخبارية جمعت قبل بضعة اشهر؟ واذا كان لك قائد كهذا فهل كنت ستستمر بالثقة به؟). وقائد المنطقة الجنوبية يقول: «أمور كهذه يمكن أن تحدث، لم نتفاجأ من ذلك. ومن جهة اخرى هذه ليست النتيجة التي اردناها».
هو لم يتفاجأ. هل تفاجأتَ؟ أيضا، قائد المنطقة الجنوبية، وهو أحد كبار القادة الذين تثق بهم بدون تحفظ عندما تختار إلقاء قنبلة، ينصح سكان غزة «اذا كنت تعرف أنك تعيش قرب منشأة ارهابية فيجب عليك مغادرة المكان في بداية جولة التصعيد»، حيث إن سكان غزة لديهم خيارات كثيرة، ولديهم ثروة من الموارد والإمكانيات، ولا يوجد أسهل من الاستجابة لنصيحة القائد العظيم (الذي يعتقد بأن عدم الاستجابة لنصيحته يبرر موت الأطفال الطاهرين، وهو على ثقة بأنك ستواصل الثقة به حتى إصدار الأمر القادم).
لم نبدأ بعد التحدث عن جهات أمنية أخرى تذكر بـ»طلب عملياتي للتأثير على المعنويات». لنقل إنك لم تعرف، لكنك وثقت. ولكن الآن أصبحتَ تعرف. اشخاص شجعان في مكاتب فارغة اعتقدوا بأنه ليس فظيعا قتل أطفال كهؤلاء، وربما كان هذا طلبا عملياتيا. وقد اعتقدوا أن هذا ليس فظيعا اذا كانت اليد التي ستسفك الدماء هي يدك أو يد أصدقائك في المرة القادمة. وأنت، هذا لم يكن أبدا مخططك. لكن هذا ما فعلته. هذا ما يطلب منك ومن أصدقائك القيام به الآن، وسيطلب منكم فعله مرة أخرى وبسرعة. الآن تعرف. فهل ما زلت ستلتزم بالأوامر؟ اذا كان الجواب نعم، فعلى الأقل قم بوقف التملق بهذا. فمن يفعل ذلك الآن هو أنت.

عن «هآرتس»