نتنياهو يشكّل خطراً استراتيجياً على مستقبل إسرائيل

حجم الخط

بقلم: يوفال ديسكن


تذكروا شيئاً واحداً؛ نحن الضحية الحقيقية للوضع الهاذي الذي توجد فيه دولتنا. نحن، وليس المتهم نتنياهو.
لا تسمحوا للمتهم، رجل تسويق وبلاغة مهما كان كفؤاً، أن يشوش عقلكم ولو لحظة واحدة. مستقبل دولتنا، التي قامت ضد كل الاحتمالات، ومستقبل وحدة شعبنا، هي التي تقف هنا على المحك. هي الضحية. الضحية ليست المتهم الذي يقف على رأس حكومة تسيير أعمال. ذاك الذي فشل مرتين في السنة الأخيرة في تشكيل حكومة. ذاك الذي قرر المستشار القانوني، مؤخراً، تقديمه إلى المحاكمة. الضحية ليست المتهم. الضحية هي نحن.
نحن. مستقبلنا، مستقبل أولادنا. كل هذه توجد هنا على المحك. لأن المتهم نتنياهو مستعد لأن يفعل كل شيء، نعم كل شيء، كي يثبت لنا أنه يوجد هنا انقلاب سلطوي ضده. وهو يحرض ضد سلطة القانون، ضد الإعلام، ويدعو جمهور مؤيديه إلى الخروج في مظاهرات في الساحات ضد... سلطة القانون في دولة إسرائيل. هذا لا سابق له. غير معقول. صادم. وكل هذا كي لا يصل إلى المحكمة. هناك سيتعين عليه أن يثبت للقضاة كأي إنسان آخر أنه بريء.
ولكن تعالوا لنسير مع المتهم ونفحص الأمر: هل يوجد هنا انقلاب سلطوي؟ فلندع الحقائق تتحدث.
الحقيقة الأولى: المتهم هو الذي عين المفتش العام السابق، روني ألشيخ، الذي وقف على رأس شرطة إسرائيل التي أوصت النيابة العامة بتقديمه إلى المحاكمة. المفتش العام السابق ذاته معروف لي جيدا في الفترة التي كان فيها تحت رئاستي في جهاز الأمن العام، وكيف يقال... هو الذي بالضبط رجل «ميرتس» أو - والعياذ بالله - رجل يسار متطرف.
الحقيقة الثانية: المتهم هو الذي عين ودفع إلى منصب المستشار القانوني من رفع لوائح الاتهام، افيحاي مندلبليت. ليس هذا فقط. بل مندلبليت ذاته، ابن لعائلة من الـ»ايتسل»، حظي بأن يكون مرشحا وحيدا للمنصب بعد أن خدم كسكرتير لحكومة المتهم. وأقر تعيينه في الحكومة التي يترأسها نتنياهو. وهنا المكان للتذكير بأن مندلبليت «صديق المستخدم» أنهى قضية المنازل التي اشتبه فيها بسارة نتنياهو في مادة قانونية غريبة هي «الاستغلال الاحتيالي لخطأ الغير بلا غش». لا شك أن هذه قد تكون مادة غريبة ولكنها بالتأكيد ابداعية ومشوقة. كل هذا يثبت لنا مرة أخرى بلا أدنى شك أن ليس المستشار القانوني هو الذي يلاحق المتهم وعائلته.
بزعم أبواق المتهم نتنياهو، فإن المستشار صديق المستخدم هذا، الذي قرر، مؤخراً ولدهشتي الشديدة، بشجاعة شخصية كبيرة، رفع لائحة الاتهام ضد رئيس حكومة تصريف الأعمال في قضايا 1000 و2000 و4000، هو ضحية «الدولة العميقة» التي في واقع الأمر تدير الدولة. و»الدولة العميقة» هي التي تحدثت من حنجرة مندلبليت حين ألقى الخطاب الذي اعلن فيه عن قراره. كل تلك الأبواق ينبغي أن نذكرها بأن مندلبليت إياه أجل وأجل وبشكل غريب جدا «قضية الغواصات». في هذه القضية، بخلاف القضايا الأخرى، يوجد اشتباه عميق بفساد يتعلق مباشرة بالأمن القومي لدولة إسرائيل. نأمل في أنه الى أن يقرر مندلبليت في هذه القضية لن يحل التقادم عليها.
الحقيقة الثالثة: يدعي المتهم نتنياهو بأنه ضحية الإعلام. ولكن انتبهوا؛ هو الذي يتحكم بصحيفة هي الأوسع انتشارا لأنها ايضا نشرة صحافية أقامها له معرفته ادلسون، الذي نجح في أن يشتري بالمال كمية كبيرة من المراسلين «المتعاطفين»، ويتمتع نتنياهو بتحكم شبه مطلق في مضامينها. هو يتحكم كما يبدو بالقناة 20. وحسب الاتهامات فإنه يتحكم أيضا تحكما وثيقا بموقع «واللا» وأدار محادثات ومداولات «خذ واعطِ» مع موني موزيس، بل ينجح في فرض الرعب على غير قليل من المحررين والصحافيين كي لا ينشروا مواد «سلبية» عنه.
الحقيقة الرابعة: قضية المتهم ستعرض على هيئة القضاء، وعلى اي حال ستصل حتى المحكمة العليا. مفهوم ان هذه الهيئة ايضا تتعرض لهجمة من ابواق المتهم وغير قليل من مؤيديه من كتلة اليمين. ولكن 13 من اصل 15 (!!!) من قضاة العليا عينوا في عهده.
والآن، تعالوا نربط الحقائق: رغم التعيينات الصديقة للمستخدم جدا، رفعت لوائح اتهام. خُدّام الجمهور آنفو الذكر ما كان يمكنهم أن يتجاهلوا الأدلة التي كشفت أمامهم في التحقيقات المختلفة، ولهذا فرغم قربهم من المتهم اختاروا ان يرفعوا ضده لوائح الاتهام. اختاروا الولاء لدولة إسرائيل وليس لمن وقف خلف تعيينهم على أمل أن يحظى بولاء أعمى. وعليه فواضح تماما أنه لا يوجد تلفيق اكبر من القول إن المتهم نتنياهو هو الضحية.
ولكن في هذه القصة توجد ضحية: نحن. الشعب في إسرائيل. نحن ضحية الضربة المقصودة والمتواصلة من المتهم نتنياهو لوحدة الشعب. أقواله الباعثة على الانقسام، والتي اقتبست وسجلت علانية على مدى السنين، جاءت لتخدم مصلحته الشخصية والسياسية. ساهم في زرع الكراهية والشقاق في أوساط اليهود في إسرائيل بل في انشقاق خطير مع يهود الشتات. وليس أقل من ذلك؛ بين مواطني دولة إسرائيل العرب واليهود. فزرع الكراهية والانشقاق في الشعب هو في نظري التهمة الأخطر. أكثر من كل قضية 1000 كهذه أو تلك. فالأمم المنقسمة لا تنجو. بل تتفكك.
ولكن لا يكفيه توجيه الضربة لوحدة الشعب. فالمتهم يقود، الآن، حملة تحريض غير مسبوقة يقوم بها رئيس وزراء قائم ضد منظمة إنفاذ القانون وسلطة القانون في دولة إسرائيل. والنتيجة الفورية لهذا التحريض هو أن شاي نيتسان، النائب العام للدولة، وليئات بن آري، النائبة في لواء تل أبيب للضريبة والاقتصاد، المسؤولة عن مكافحة المال الأسود وقضايا الفساد السلطوي والشركات، يتجولان مع حراس لأن هناك تخوفا حقيقيا من أن يحاول احد ما المس بهما. ايتسل، بن غوريون، وبيغن يتقلبون في قبورهم. أين هذا وأين رؤيا المجتمع المثالي الذي رسمته وثيقة الاستقلال؟
أيها الرفاق، لا تسمحوا لأحد أن يشوش عقولكم. ابقوا صافي الذهن. تذكروا مرة اخرى، فأخرى، فأخرى، بأننا نحن ضحية الحملة المتواصلة ضد وحدة الشعب، ضد الإعلام وضد سلطة القانون. حملة يديرها نتنياهو فقط وحصريا بدوافع البقاء الشخصي. هذا خطر استراتيجي على وحدتنا، على مستقبل شعبنا، وعلى مستقبل دولتنا. وعليه فقد حان الوقت لنطلب جماهيريا من المتهم أن يعمل وفق قوله الشهير والدقيق في 2008 والذي كان موجها في حينه لرئيس الوزراء، ايهود اولمرت: «يدور الحديث عن رئيس وزراء غارق حتى الرقبة في التحقيقات، ليس له تفويض جماهيري وأخلاقي ليقرر أموراً على هذا القدر من المصيرية في دولة إسرائيل. هذا تخوف، وأنا ملزم أن أقول (تخوف حقيقي)، وليس غير مسنود، بأنه سيتخذ القرارات على أساس المصلحة الشخصية لبقائه السياسي وليس وفقا للمصلحة الوطنية (لأنه) يوجد في هذه الضائقة الخاصة والعميقة جدا».
لقد استقال اولمرت وذهب للدفاع عن نفسه في المحكمة (بل دفع الثمن بالمكوث في السجن). وبالمقابل، فإن المتهم نتنياهو يثبت لنا في هذه الأيام أنه لا توجهه إلا مصلحته الشخصية، ويعمل بخلاف تام مع مصلحة الشعب والدولة.
إذا لم يجد مركز «الليكود» السبيل لاستبدال نتنياهو والسماح له بالتفرغ لمعالجة قضاياه القانونية، فسيتعين علينا نحن الجمهور المسؤول بكل أطيافنا السياسية في دولة إسرائيل أن ندعوه لعمل ذلك. سنطلب من المتهم في الشبكات، في الشوارع والميادين، بشكل ديمقراطي، قانوني ومسؤول أن يلتزم بالمعيار الذي اقترحه عن حق في العام 2008 وان يستقيل فورا من مناصبه. هذا هو الفعل الوحيد الصحيح الذي يمكنه أن ينفذه فورا كي يحافظ على دولة إسرائيل ديمقراطية، يهودية، متساوية، ونقية من الفساد. كل اختيار آخر سيجعل إرثه وصمة سوداء في تاريخ دولة إسرائيل.

عن «يديعوت»