تمر إسرائيل اليوم في أسوأ وضع منذ إعلان نشأتها في عام 1948، ولا يبدو أن الأمور ستبقى حتى على هذا الوضع. فما يقوم به رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو مع شركائه بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير من عصابات الصهيونية الدينية سيقود إلى ما لا تستطيع إسرائيل تحمله. والعملية المستمرة في غزة ستؤدي إلى عزلة دولية خانقة على إسرائيل بدأت تظهر ملامحها في قرار بعض الدول منع تزويد إسرائيل بالسلاح الذي يمكن أن يُستخدم في قتل المواطنين الفلسطينيين، كما فعلت ألمانيا وهي من حلفاء إسرائيل المقربين جداً، وعملياً هي الدولة الثانية بعد الولايات المتحدة في دعمها لإسرائيل، حتى في قضايا التصويت في الأمم المتحدة والمحافل الدولية. وفي قرار بعض الدول وقف استيراد بضائع المستوطنات، وأخيراً إلغاء صفقات شراء السلاح كما فعلت اسبانيا التي ألغت صفقتين لشراء أسلحة من شركتين إسرائيليتين، الأولى بقيمة 287 مليون يورو، والثانية بقيمة 700 مليون يورو، في إطار ما أعلنه رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز من تدابير تهدف إلى «إنهاء الإبادة الجماعية».
نتنياهو اعترف بضغط العقوبات والعزلة الدولية الآخذة في التوسع، ويقرر دعم الصناعات العسكرية المتطورة كوسيلة لمواجهة هذه العقوبات، ويذكّر الإسرائيليين بدروس من التاريخ اليوناني القديم، ويريد دولة انعزالية «اسبرطة» العظمى. ويبدو أنه يتناسى أن إسرائيل لا تستطيع الاعتماد على نفسها أبداً، فهي تستفيد من اتفاقية تجارة مع الاتحاد الأوروبي تمنح إسرائيل وضعاً يشبه دول الاتحاد، أي لا تدفع إسرائيل جمارك في تجارتها مع أوروبا. وتحظى بدعم سخي من الولايات المتحدة ومن دول أوربية، وترتبط بشبكة علاقات تجارية مع عدد كبير من الدول الصناعية الكبرى ودول في افريقيا وآسيا، بما في ذلك دول عربية، ولو قيدت هذه العلاقات وتم تقليصها بصورة جدية لن تستطيع إسرائيل الصمود، ولن يكون الشيكل الإسرائيلي بقوته الحالية التي يفاخر بها نتنياهو.
إسرائيل اليوم تعتبر دولة خارجة عن القانون الدولي، فهي تنتهك القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، وترتكب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، بل إن هناك إقراراً دولياً بأنها تمارس الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني. وهذا لا يتعلق فقط بوجود أساس للدعوة التي تقدمت بها دولة جنوب افريقيا لمحكمة العدل الدولية، بل بوجود دلائل بأن إسرائيل ارتكبت وترتكب جرائم إبادة جماعية في غزة، هذا ما أكدته لجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة التي قالت في تقريرها إن إسرائيل تمارس الإبادة الجماعية في غزة، واستعرضت عمليات القتل واسعة النطاق ومنع المساعدات الإنسانية والتهجير القسري للمواطنين الذين أصبحوا بلا مأوى، وعمليات التدمير التي طالت كل البنية التحتية المدنية حتى المستشفيات. واستندت كذلك على تصريحات القادة الإسرائيليين التي تحرض على الإبادة الجماعية وعلى رأسهم نتنياهو، والتي تعتبر أدلة على نوايا ارتكاب هذه الجريمة. وخلص التقرير إلى أن الجيش الإسرائيلي ينفذ عن قصد أربعة من أصل خمسة أفعال تعرف كجرائم إبادة جماعية.
في الواقع، لم يعد لإسرائيل من سند حقيقي سوى الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وليس واضحاً إلى متى سيستمر في دعمه لها بلا حدود. فهو الذي يدعم العملية البرية في غزة. وثبت بتصريحات الإسرائيليين والمعلومات المنشورة في وسائل الإعلام أن نتنياهو اتصل مع ترامب قبل قصف العاصمة القطرية لاستهداف قيادة «حماس»، وأن الضوء الأخضر الأميركي كان حاضراً في هذه العملية، وحتى محاولة التنصل الأميركية منها كانت هزيلة وربما كان السبب هو فشل العملية، وليس عدم دعم نتنياهو في هذه المغامرة.
الآن أعلنت رسمياً سلطات الاحتلال أن العملية البرية بدأت في غزة، وعملية التدمير والهدم والتهجير مستمرة على نطاق واسع، ومع توسع العملية وسقوط الضحايا والتهجير سيزداد وضع إسرائيل سوءاً، وتتعرض مكانتها للانهيار بشكل مستمر وصولاً إلى العزلة على طريقة جنوب إفريقيا إبان عهد التمييز العنصري. وعندها لن ينفع نتنياهو لا صناعات عسكرية متطورة ولا نظام اسبرطة، فنحن في القرن الواحد والعشرين الذي لا تستطيع فيه دولة مهما بلغت قوتها الانعزال عن النظام الدولي والعيش بمفردها، فما بالنا بدولة أصلاً تعيش بالاعتماد على المساعدات والدعم الخارجي بما في ذلك الامتيازات التي لا تُمنح لأي دولة سواها.
مع ذلك يجب ألا نعتمد على ما يمكن أن يحدث لإسرائيل إذا واصلت قتلنا واستمرت في حرب الإبادة الجماعية ونفذت مخططها لتهجيرنا، بل المسؤولية الوطنية تقتضي العمل بكل ما يمكن من أجل قطع الطريق على هذه الحرب المجنونة، وهذا هو دور «حماس» بدرجة رئيسية، فهي تستطيع إذا أرادت أن توقف الحرب بالاستجابة للشروط الدولية وتجنيب شعبنا المزيد من الويلات والجرائم. وهذا ينبغي أن يترافق مع الجهود الدبلوماسية والسياسية العربية والدولية بما في ذلك سياسة فرض العقوبات على إسرائيل.