التنفس تحت الماء

طلال عوكل.jpg
حجم الخط

طلال عوكل

بين تسريبات الصحافة الإسرائيلية، بشأن هدنة طويلة الأمد، وصمت الفصائل في غزة، يأتي لقاء قيادتي حماس والجهاد الإسلامي في القاهرة، ليضفي بعض المصداقية، أو ربما اشارات على ان ثمة ما يدور الحديث عنه في هذا الاطار.
المعروف للعلن، ان القيادتين على هذا المستوى الرفيع الذي يتقدمه رئيس حركة حماس والامين العام للجهاد الإسلامي لم يكن بمبادرة من الطرفين، وانما استجابة لدعوة من الجانب المصري. أن تكون المبادرة الى اللقاءات بين الحركتين وعلى هذا المستوى من الحضور، من قبل الجانب المصري يعني أن ثمة ملفات على درجة عالية من الاهمية تحتاج البحث والتوافق بين الحركتين وبينهما وبين الجانب المصري، الذي لا يزال وسيظل الأقدر والأجدر والأكثر جدوى في التعامل مع الملفات الفلسطينية كلها أيما كانت طبيعتها. موضوع مركزية الدور المصري ازاء الملفات الفلسطينية لم يعد مجال نقاش، او اختلاف، لا يمكن لأي طرف آخر عربي أو إقليمي ان ينافسه، أو يشكل بديلاً عنه.
هذا يعني ان الادوار والتدخلات الاخرى، يمكن ان تكون فقط عوامل مساعدة، أو معطلة جزئياً ولبعض الوقت، لكنها لا تستطيع فرض اجندات لا تتوافق مع متطلبات الأمن القومي المصري، والتزام مصر التاريخي بالقضية الفلسطينية.
كان بامكان قيادتي «حماس» و»الجهاد الاسلامي»، أن تجتمعا في الداخل، أو في الخارج، ولديهما في المكانين قيادات كبيرة وذات صلاحية، لو ان الامر يتصل فقط بالعلاقة بين الحركتين وثمة في واقع الحال ما يستدعي ذلك.
خلال الجولة الأخيرة من الاشتباك مع إسرائيل اثر قيامها بارتكاب جريمة اغتيال الشهيد ابو العطا، ثارت في الساحة الفلسطينية، جملة من التساؤلات حول العلاقة بين الحركتين، في ضوء انفراد واستفراد حركة الجهاد بالرد، وامتناع اسرائيل عن قصف مواقع لحركة حماس.
بدا للمتابعين أن العلاقة بين الحركتين قد تصدعت، خصوصا وان تصريحات صدرت عن إسرائيل، تشير بصراحة إلى أن جيشها لن يبادر إلى قصف مواقع لحركة حماس، إن هي التزمت الهدوء، واختارت عدم المشاركة في الرد على العدوان الاسرائيلي الذي اراد الاستفراد بحركة «الجهاد الاسلامي».
لا شك بأن إسرائيل راهنت على خلق تناقض بين الحركتين، وإثارة الشكوك حول العلاقة بينهما، في محاولة لتأجيج الصراع بين الحركتين المسلحتين، فضلاً عن إعطاء مصداقية لخطابها الذي يسعى لتبرير العدوان، على أنه يأتي في سياق مواجهة النفوذ الإيراني، على اعتبار ان حركة الجهاد تحظى بدعم اكبر من إيران. منذ ذلك الوقت كنا نقول ان اسرائيل لن تنجح في مسعاها لرؤية الحركتين وهما قد دخلتا في حالة صراع، وان ثمة امكانية لاستعادة العلاقة الطبيعية بين الحركتين، ليس بسبب انتمائهما للعقيدة الإسلامية، وإنما لكونهما تتفقان برنامجياً حول المقاومة، وتتفقان في السياسة، وحتى تتفقان بشأن العلاقة الإيجابية مع طهران.
حركة حماس لا تخشى اطلاقاً من أن تسعى حركة الجهاد الإسلامي لمنافستها على استحواذ القوة، أو لمنافستها على حكم غزة، والسيطرة عليها.
من الواضح أن «الجهاد الإسلامي» ليس لها تطلعات ازاء السلطة اي سلطة، وهي ربما ستكون سعيدة لو ان «حماس» تمكنت من السيطرة على القرار والمؤسسة الفلسطينية. لكنها لا تجد نفسها معنية بأن تكون جزءاً من هذه «اللعبة».
يتضح أن الحركتين معنيتان بالملفات الفلسطينية، من المصالحة الى التهدئة، ورفع الحصار، والانتخابات، الى آخر الملفات، لكن الأهم الذي يتصدر ذلك في ضوء ممكنات الواقع هو، ملف التهدئة أو «الهدنة طويلة الأمد».
الجانب المصري يشتغل على كل الملفات، بما في ذلك ملف تبادل الأسرى، وقد ظهرت إشارات عديدة مؤخراً على إمكانية التداول الجدي في ملفي الهدنة أو التهدئة، وملف تبادل الأسرى.
وبغض النظر عن التهديدات المتواصلة التي يطلقها الجانب الإسرائيلي حول التحضير لحملة عسكرية واسعة ضد قطاع غزة، فإن تلك التهديدات يمكن ان تحمل على ادوات الضغط من أجل احراز نتائج ايجابية في الملفين المذكورين. هي محاولة من نتنياهو في هذا الوقت العصيب لأن يقدم للمجتمع الإسرائيلي إنجازات، يضاف إليها إنجاز خطوات عملية على الأرض، لتعميق الانفصال الفلسطيني، وخلق وقائع على الأرض نحو إقامة كيان أو دولة في غزة.
حركة حماس ومعها الجهاد الإسلامي، معنيتان جداً، بتغيير الواقع في قطاع غزة، من خلال تفاهمات تؤدي إلى رفع الحصار عنه، حتى لو أدى ذلك إلى إثارة بعض الشكوك، التي يمكن تغطيتها بمزيد من التصريحات التي ترفض الأهداف الإسرائيلية، خصوصاً وأن العلاقات في الساحة الفلسطينية ليست على هذا القدر من الإيجابية التي لا تحتمل اضافة مواد أخرى يشتبك عليها الطرفان، بل كل الأطراف. غزة إذاً مقبلة على تغييرات أول مؤشراتها موافقة الحركتين على إقامة المستشفى الأميركي الميداني.