نتنياهو يُشعل حرباً أهلية داخل إسرائيل

حجم الخط

بقلم: تسفي برئيل

 

يوجد هنا حرب أهلية. هي لا تشبه الحرب التي دمرت لبنان طوال 15 عاماً ولا حرب العراق. ليس فيها سفك دماء، لكنها تشتعل في المجال السيبراني، وفي ساحات تل أبيب يتبادلون الضربات ويعدون بتظاهرات مليونية. تدير الدولة حكومة انتقالية مذعورة، والأسباط التي تحدث عنها رئيس الدولة تشرذمت إلى ميليشيات سياسية، والشعور بعدم الثقة والإحباط واليأس يخلق الأرضية الحيوية لكل هيجان مدني.

ظاهرياً، هي حرب على مصير نتنياهو، عملياً هي حرب ضد النظام. خصوم رئيس الحكومة يعرضون استمراره في منصبه كجريمة ضد الديمقراطية، وإهانة للأخلاق والاستقامة وأسس الإدارة السليمة. مؤيدوه يتمسكون بالقانون الذي يسمح لرئيس حكومة بالاستمرار في تولّيه منصبه في ظل توجيه لائحة اتهام له، والقانون هو طبعاً القاعدة التي يستند إليها الحلف بين المواطنين والحكم. في رأيهم، مَن يعارض شرعية حكم نتنياهو هو مثل الذي يعارض القانون نفسه. هكذا تحولت المطالبة بتنحي نتنياهو من صراع شخصي إلى معركة أيديولوجية بشأن مكانة القانون في دولة ديمقراطية، وإلى جدل بشأن صورة المجتمع الإسرائيلي.

هل من المسموح والضروري محاكمة روبن هود، لأنه تلقى رشى وهدايا بمئات آلاف الشواكل من أغنياء العالم، لكنه منح «الطبقات الضعيفة»، «إسرائيل الثانية»، «مهاجري المغرب وشمال أفريقيا» مكانة وقوة سلطوية، أم يجب النظر إليه كقاطع طريق بائس؟ في نظر أنصاره، ليس هناك مجال للشك، «سلطة القانون ليست فوق القانون»، بحسب كلام الوزيرة ميري ريغيف. يمكن السخرية من جهل ريغيف، لكنها تمثل بأمانة معضلة من يخدمهم القانون، ويمنح نتنياهو سلطة الاستمرار في الحكم، وفي الوقت عينه، تقديمه إلى المحاكمة. كيف يوفقون بين هذا التناقض؟

«فقط مواطنو إسرائيل يقررون مَن يقود الدولة. هم وحدهم فقط السيد. لا يمكن تجاهل صوتهم. أيضاً صوتكم هو قرار حكم مطلق»، قالت ريغيف. القانون في المحصلة هو كلمات ورموز، إرادة الجمهور هي القانون الحقيقي، الساحة هي المحكمة الملائمة التي يجب أن تُصدر الحكم على رئيس الحكومة. بالنسبة إلى مناصري نتنياهو، الخضوع للقانون المكتوب هو ليس فقط خضوعا سياسيا، وإنما هو أيضاً هزيمة طبقية، نهاية التاريخ وعودة إلى حكم المافيا البيضاء التي وضعت منذ البداية قوانين الدولة المشوهة التي لا ترى أنه يقف في مواجهتها زعيم كبير.

هناك من يدعو «الليكود» إلى البدء بالانفصال عن بيبي، آخرون يطالبون بعدم قطع رأسه في محاكمة شعبية، بل السماح للمحكمة - المحكمة نفسها التي هي موضوع صراعه - بأن تحسم مصيره، وربما أيضاً تسمح لنتنياهو باستكمال ولايته وما بقي لديه من أيام في الحكم قبل إحالته على المحاكمة. هذا كرم يستحق الثناء، لأن الواثق من فوزه فقط يستطيع أن يسمح بذلك لنفسه. العدو خسر، هم يقولون «قانوننا» انتصر على «قانونهم». لكن دون التطرق إلى الدمار الذي يمكن أن يتسبب به نتنياهو في الفترة الباقية من ولايته خلال أشهر معدودة، أو التطرق إلى تهديد الحصانة الذي لم يختفِ بعد، فإنه يمكن لهذا الأمر أن يؤدي في النهاية إلى تمديد ولايته حتى صدور حكم نهائي، بينما يُعتبر تنحّيه الفوري أمراً حيوياً إذا أردنا البدء بإعادة بناء الدمار، وتفكيك المتاريس، وإعادة البيت إلى أصحابه.

ليس بإمكان المستشار القانوني التمسك بحرفية القانون لدى شرحه أن نتنياهو يستطيع إقامة حكومة جديدة، بعد أن صاغ بنفسه لائحة الاتهام ضده بعناية. ليس عن نتنياهو يجب أن ينفصل «الليكود» والجمهور، بل عليهما الانفصال ومداواة أنفسهم من التطابق الذي أوجده نتنياهو بين زعامته وبين كراهية القانون. طرده الفوري من المنصة السياسية ليس معناه انتقام طائفة ضد أُخرى، بل معناه إعادة النقاش القيمي والأيديولوجي إلى مكانه الملائم والطبيعي الذي دسنا عليه، عندما حوّله نتنياهو إلى نقاش بشأن جوهر شخصه.

عن «هآرتس»