هذا هو الرد على القرار الأميركي بشأن الاستيطان!

هاني حبيب.jpg
حجم الخط

هاني حبيب

ما زال الاتحاد الأوروبي ملتزماً بموقفه التقليدي إزاء عملية السلام على الملف الفلسطيني ـ الإسرائيلي، بالتمسك بـ "حل الدولتين" من ناحية، وإدانة الاستيطان بوصفه عقبة من شأنها تقويض عملية السلام. كافة وثائق الاتحاد الأوروبي وقراراته حول الملف تؤكد على ثبات هذا الموقف، رغم الضغوط الإسرائيلية والأميركية، إضافة إلى ضغوط جماعات الضغط الداخلية الموالية لدولة الاحتلال، وكرر الاتحاد الأوروبي موقفه هذا، مترجماً إياه في الآونة الأخيرة عملياً، عندما اتخذت محكمة العدل الأوروبية قراراً بوضع ملصقات لتمييز البضائع الإسرائيلية التي تم إنتاجها في مستوطنات الضفة المحتلة أو الجولان السوري المحتل.
إلاّ أن الموقف الأوروبي الرسمي، في الواقع لم يرقَ إلى المستوى المطلوب لترجمة هذه المواقف والقرارات لتوجيه المزيد من الضغط على الجانب الإسرائيلي، إذ إنه يؤكد على أن إسرائيل تحتل الضفة الغربية بما فيها القدس، وأن الاستيطان يقوض عملية السلام، إلاّ ان الاتحاد الأوروبي لم يزل عند حدود هذه المواقف التي اعتبرها بعض المسؤولين الأوروبيين المؤيدين للقضية الفلسطينية غير كافية، إذ على الاتحاد الأوروبي، الذي اتخذ هذه المواقف والقرارات، الاعتراف بالدولة الفلسطينية كدولة تحت الاحتلال، بعض البرلمانات الأوروبية قامت فعلاً بالاعتراف بدولة فلسطين، إلاّ أن بعض حكومات هذه الدول، لا تزال عند موقفها القاضي بالاعتراف بدولة فلسطين في اطار حل سياسي اثر مفاوضات اسرائيلية فلسطينية مباشرة، وهو الأمر الذي يخفف من حدة الضغط على الاحتلال للامتثال للقرارات الدولية، وإذا كانت الدول الأوروبية، داخل وخارج الاتحاد الأوروبي، معنية فعلاً بترجمة مواقفها إزاء الملف الفلسطيني ـ الإسرائيلي، فهذا يعني وبالضرورة الاستجابة لمطلب الاعتراف بدولة فلسطين كدولة تحت الاحتلال، وهذا يعني أيضاً ترجمة حقيقية لكافة القرارات الدولية بهذا الصدد، بما في ذلك قرار مجلس الأمن عام 2016 رقم 2334، حول عدم شرعية الاستيطان.
أكثر من مرة تناولنا هذا الملف، ملف الاعتراف الأوروبي بدولة فلسطين، إلاّ أن ما يجعلنا نكرر ذلك الآن، عاملان مهمان، يتمثل الأول في قرار إدارة ترامب باعتبار الاستيطان عملاً شرعياً لا يتنافى مع القوانين الدولية، الأمر الذي من شأنه أن يشجع دولة الاحتلال على ضم الضفة الغربية، أو على الأقل أجزاء كبيرة منها، خاصة المنطقة (ج) وهو ما لمّحّت إليه قيادات إسرائيلية، سياسية وأمنية وازنة، خاصة رئيس الحكومة نتنياهو، في دعوة إلى انتهاز وجود إدارة ترامب في البيت الأبيض لاتخاذ مثل هذه القرارات الخطيرة. ورداً على هذا الموقف، سارعت خمس دول أوروبية، فرنسا وألمانيا وبريطانيا وبلجيكا وبولندا، وهي جميعها أعضاء في مجلس الأمن الحالي، إلى إصدار بيان لتأكيد موقفها باعتبار الاستيطان غير شرعي في الضفة الغربية بما فيها القدس المحتلة، ويتنافى مع قرارات الأمم المتحدة.
أما العامل الثاني فيتمثل بمبادرة وزير خارجية لوكسمبورغ الداعية إلى دفع كافة دول الاتحاد الأوروبي إلى الاعتراف المشترك بدولة فلسطين، بينما اعتبرت هذه المبادرة من قبل جان أسيلبورن، رداً على القرار الأميركي الأخير باعتبار الاستيطان لا يتنافى مع القوانين الدولية، ولم تحظ هذه المبادرة بالنقاش في الاجتماع الدوري الشهري لهذا الشهر، وتم تأجيل النقاش إلى شهر كانون الثاني القادم، ولم يتسن لنا التعرف على أسباب التأجيل، إذا كان يتعلق بأمور إدارية تقنية أو بسبب ضغوط إسرائيلية ـ أميركية، خاصة وأن القيادات الإسرائيلية أعربت عن غضبها إزاء هذه المبادرة معلنة أنها ستسعى للحيلولة أولاً دون إجراء نقاش، وثانياً عدم توصل النقاش في حال حدوثه إلى ما هدفت إليه المبادرة، أي الاعتراف الأوروبي الشامل والمشترك بدولة فلسطين، في سياق "حل الدولتين".
ومن المؤكد أن الخارجية الفلسطينية، مدعومة بالرئاسة وكافة فصائل العمل الوطني، ستبذل كل الجهد لدعم هذه المبادرة والتحرك لقطع الطريق على الجهود الإسرائيلية ـ الأميركية الرامية إلى احباطها!