بدا واضحاً منذ يومين أو حتى ثلاثة أيام أن الاتجاه العام في القيادة الفلسطينية يميل نحو تأجيل اجتماع المجلس الوطني الذي دعي إلى الانعقاد يومي الرابع عشر والخامس عشر من هذا الشهر، ومن المفروض أن يلقي رئيس المجلس بياناً في أي لحظة ليعلن التأجيل بناء على طلب عدد كبير من القادة من أعضاء اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير واللجنة المركزية لحركة "فتح" وشخصيات عديدة وقعت على عريضة تطالب بالتأجيل، وسيكون التأجيل في هذه الحالة أخف الأضرار ولو أنه يعكس أزمة قيادية فلسطينية.
وللتأجيل إذا حصل، بناء على المعلومات الواردة من الأروقة القيادية ومن تصريحات قيادات من مختلف الفصائل، أسباب مختلفة منها عدم الاتفاق بين الفصائل والاعتراض والتحفظ على التسرع في عقد دورة وصفت بالعادية التي تتطلب كأمر بديهي التحضير الجيد على كل المستويات تنظيمياً وسياسياً وحتى لوجستياً، لأنها من المفروض أن تهتم بمعالجة الهموم الوطنية واتخاذ القرارات الحاسمة والمصيرية في كل ما يتعلق بالقضية، كما أنها من المفروض أيضاً أن تعالج تركيبة المجلس الوطني واللجنة التنفيذية وهذا يتطلب توافقا وطنيا كما هي العادة والأعراف الوطنية المتبعة. وبالتالي فالاعتراض على عقد الدورة بهذه السرعة له ما يبرره خصوصاً وأننا أمام لحظات صعبة تتطلب قرارات جادة في أكثر من شأن، ولا يجوز سلق الأمور والاستعجال غير المبرر. ومن الأسباب للتأجيل أيضاً رغبة "فتح" في عدم قيام الرئيس أبو مازن بالإعلان عن استقالته من قيادة المنظمة. ولكن ربما يكون هناك سبب آخر قد يفوق ما تقدم وهو اتصال وزير الخارجية الأميركي جون كيري بالرئيس أبو مازن وحثه على عدم الاستقالة والتسبب باحداث حالة فراغ قيادي، وإبلاغه بأن الرئيس باراك أوباما يريد أن يلتقيه على هامش اجتماعات الأمم المتحدة، ومن المنطقي أن يتريث الرئيس ليرى ماذا لدى الإدارة الأميركية خصوصاً، وأنه كان يشكو عدم اهتمام العالم بالوضع الفلسطيني حتى عندما أعلن أنه ينوي الاستقالة تأخر الأميركيون في الاتصال به. ويمكن أن يكون خطاب رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" خالد مشعل عاملا مشجعا للتأجيل بالإضافة إلى موقف قائد حركة "الجهاد الإسلامي" رمضان شلح الذي يدعم تأجيل عقد المجلس.
وعودة إلى خطاب مشعل، وعلى الرغم من أن بعض التعليقات عليه لا ترى فيه أي جديد كونه لا يحمل رؤية أو برنامج عمل وإنقاذ محدد، إلا أنه من وجهة نظري يحمل في طياته رسائل ايجابية، فهو يطرح موقفاً يدعو إلى التأجيل من أجل التوافق الوطني والتحضير الجيد لمجلس يحضره الجميع ويساهم في توحيد الصف والموقف الفلسطيني، وهو يدعو لعقد اجتماع للإطار القيادي الموحد ويعلن استعداد "حماس" للمشاركة في أي اجتماع وفي أي عاصمة عربية، ويدعو لتشكيل حكومة وحدة وطنية، وللحوار حول وضع استراتيجية نضالية مشتركة لمقاومة الاحتلال وسياساته، وفي هذا تحديداً ابتعد مشعل عن الحديث حول مشروع "حماس" الخاص الذي تدعو الفصائل إليه عموماً. ولعل النقطة الإشكالية في دعوات مشعل هي في انعقاد المجلس التشريعي، إذ ينبغي أن يسبق ذلك تطبيق اتفاق المصالحة حتى يكون المجلس عوناً على الوحدة وليس تكريساً للانقسام وسيطرة طرف بعينه على مقاليد الأمور.
برأيي يجب أخذ موقف "حماس" هذه المرة على محمل الجد لكونه يأتي بعد فشل الجهود والوساطات في التوصل إلى اتفاق حول التهدئة أو الهدنة طويلة الأمد، وبعد تراجع إسرائيل أو عدم تعاملها الجدي مع الموضوع لأسباب تخص الموقف الإسرائيلي الداخلي المتناقض بخصوص التعامل مع "حماس"، ومواقف الإقليم وبعض الأطراف الدولية التي لا تريد منح حركة "حماس" شرعية على حساب السلطة والمنظمة. والآن باتت تدرك "حماس" أن حل مشكلات غزة بصورة جذرية ليس من خلال الاتفاق الثنائي مع إسرائيل بل من خلال الوحدة الوطنية وإعادة دمج مؤسسات السلطة وإشرافها على المعابر وإدارة مجمل الوضع. و "حماس" الآن أكثر وعياً لأهمية الحصول على الشرعية الوطنية والإقليمية والدولية من خلال منظمة التحرير التي ليست فقط الجهة المعترف بها دولياً بصفتها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، بل كذلك لكونها الإطار الجامع لمكونات الشعب الفلسطيني والجهة الوحيدة التي يمكنها اتخاذ القرارات الوطنية التي تخص مستقبل الشعب والقضية وبالذات بعد تعثر مشروع "أوسلو" وانسداد الأفق أمام العملية السياسية القائمة على المفاوضات الثنائية حتى لو كانت برعاية وإشراف الولايات المتحدة أو أي أطراف دولية.
وينبغي على الجميع الاعتراف بالأزمة القيادية التي وصلنا لها وفقدان الشارع الفلسطيني الثقة بمختلف القيادات وهو يرى عجزها عن معالجة قضاياه الكبيرة والصغيرة اليومية على السواء، وفي هذا العجز يتساوى الجميع ولا يستطيع أحد أن يدعي أنه يملك الحقيقة أو الحل لهذا المأزق، وبالتالي من البديهي أن يتشارك الجميع في تحمل المسؤولية والعبء وليس فقط في توزيع الحصص والمغانم. وبطبيعة الأشياء العقل الجمعي يمكنه أن يتوصل إلى خطط وبرامج واستراتيجيات للتعامل مع الواقع المأساوي الذي نعيش، وأول الأشياء التي يتوجب أن تطرح على طاولة البحث هي توحيد الوطن والمؤسسة. وتأجيل المجلس الوطني يمثل فرصة لإعادة الأمور إلى نصابها والعودة إلى أفضل ما في تراثنا الوطني وهو الوحدة والتوافق الوطني، فالوقت ليس في صالحنا والمشروع الإسرائيلي الاستيطاني يتقدم ويحاول ابتلاع كل الوطن وإسرائيل بحكومتها اليمينية المتطرفة لا ترى من الفلسطينيين سوى من يتساهل ويصمت على سياساتها، والانقسام بدون شك هو أكبر حلفائها.