عاصر الأهالي في قطاع غزة أوضاع متقلبة خلال مراحل زمنية، وتغير معها الحالة الاقتصادية والاجتماعية لدى الشباب، ولقد واجه جيل الحجارة في فترة الانتفاضة 1987م، ظروف جعلته يصمد في وجه الاحتلال الصهيوني ويطور معها أدوات الانتفاضة.
بينما تميزت فترة الانقسام السياسي الفلسطيني بعد عام 2006م بتدهور الحالة الاقتصادية والاجتماعية عنها في فترة الانتفاضة 1987م، ولأن شباب الحجارة في غزة كانوا على مستوى الفرد والجماعة يتسمون بالجاهزية الداخلية الذاتية، وارتفاع منسوب الاستنفار النفسي والتحذيري، مما جعلهم يستغلون الطاقة الكامنة فيهم، وكل ذلك تبعاً لمتغيرات الواقع الذي عايشوه، وربما كان سبب ذلك وجود الجيش الاسرائيلي في شوارع غزة وأزقة قراها ومخيماتها، وإقامة المعسكرات الصهيونية ونقاط التفتيش فيها، لملاحقة شباب غزة في كل أماكن تواجده، وحتى في المدارس والأسواق والبيوت والمساجد
وانتاب أهالي قطاع غزة فترة انتفاضة الحجارة 1987م شعور مختلط بين الخوف من بقاء الاحتلال الجاثم على غزة، وارتفاع منسوب الحالة الوطنية والانتماء للقضية والارتباط بالوطن والافتخار بالوطنية، رغم التضحيات الجسام بالأرواح تارة، وبالسجن تارة أخرى، والقمع والتنكيل والمطاردة للشباب في أغلب الأحيان.
ونتج عن المكوث الإسرائيلي لغزة ابتكارات متتالية حسب الحاجة في مقاومة الاحتلال على أيدي الأطفال والشباب والنساء، ومنها رجم جنود الاحتلال ومستوطنيه بالحجارة، والمقلاع والمولوتوف، ورجم سيارات المستوطنين الصهاينة في الشوارع والطرقات، وحتى إذا اعتلى جنود الاحتلال منازل المواطنين في غزة، ورفعوا فوقها رايات جيشهم، وعلم إسرائيل، لاحقهم الأطفال والشباب، وأخذوا يشعلون في وجوههم إطارات السيارات، ويحاولوا إغلاق الطرقات بالمتاريس، والحجارة الكبيرة، ما دفع الجيش الإسرائيلي لصناعة جيبات عسكرية متعددة الأحجام للمطاردة والاعتقال، وغطوا زجاج نوافذها شبك حديدي لغرض حمايتها، ومن أمامها جارفة عريضة من الحديد لتجرف المتاريس والأحجار من الطرقات.
وعلى الصعيد الاقتصادي عاش الأهالي في غزة طيلة الانتفاضة بحالة اقتصادية طبيعية ومرضية نوعاً ما لكل الطبقات الاجتماعية، لأن الدخل الاقتصادي كان يرتكز على "عمال إسرائيل" أي عمال غزة داخل أراضي فلسطين1948م ، وكذلك على العمل في داخل القطاع في الزراعة، والتجارة في بعض الأسواق والمنتجات، وعلى تبادل السلع بين مدن الضفة وغزة، واشتهرت غزة أيامها بتصدير الحمضيات التي عائدها لأناس معينين في القطاع.
وأما على المستوى السياسي في غزة خلال الانتفاضة الأولى، فلم لفلسطين حكومة، بل كانت القيادة الوطنية الموحدة " قاوم" هي من يدير العمل المقاوم، وتشكيل اللجان الاجتماعية، وتصدر البيانات، وتحدد أيام الاضرابات الشاملة والجزئية، ويكتب عناصرها "الملثمين" ذلك على الجدران في الأماكن العامة، وكانت القيادة الوطنية الموحدة للتنظيمات العاملة تنسق مع القيادة في خارج فلسطين، وتأخذ توجيهاتها من منظمة التحرير الفلسطينية وتطلعها على آخر المستجدات في الساحة الفلسطينية، وتزامن ذلك بداية انطلاق الحركات الإسلامية مع بداية الانتفاضة وكانت لها مشاركات وفعاليات متنوعة.
في عام2000م، مع بداية هذا القرن "الحادي والعشرين"، اندلعت انتفاضة الأقصى، نتيجة اقتحام شارون وجنوده باحات المسجد الأقصى، واستشهد فيها مئات الشباب، وجُرحَ الآلاف، وتخلل تلك الفترة تطورات سياسية، وطُرحَت فكرة خارطة الطريق على السلطة بموافقة أمريكية، ولكن شارون تنصل منها، والتف عليها سنة 2005م، وعمد إلى خطة فك الارتباط، ووجه جيشه للانسحاب أحادي الجانب من قطاع غزة، وأخلى مستوطنيه الذين وصل عددهم إلى 8600 مستوطن من غزة، وكذلك وبعض مستوطنات شمال الضفة، ليحايد الاحتكاك مع الفلسطينيين، وتزامن في هذه الانتفاضة تدمير واسع النطاق للأراضي الزراعية، وتجريف كل أشجار الحمضيات في قطاع غزة، وتدمير للمصانع المنشآت بصواريخ الطائرات، ليستفرد الاحتلال بإنتاج الثمار، والمنتجات الصناعية في فلسطين، لكي يعتمد عليهم المواطن الفلسطيني ويضعف الاقتصاد الفلسطيني.
وفي عام 2006م، حدث شرخ فلسطيني بين الفصائل، وخصوصاً بعد اجراء الانتخابات الفلسطينية، والتي أفرزت نجاح حركة حماس فيها، توليهم الحكم في غزة، وعدم مقدرتها على السيطرة من البداية في إدارة البلد، وبسبب تناقض الآراء السياسية والأيدولوجية الوطنية، والعقائدية الحزبية الفلسطينية، ونتج عنه انتقال مؤسسات السلطة إلى الضفة الغربية، بعد أن كان مركزها في قطاع غزة حوالي 13 عاماً.
وعانى سكان القطاع من انقطاع الكهرباء طيلة ساعات الليل والنهار، إبان استهداف الاحتلال مولدات محطة الكهرباء في حزيران 2006م، في أعقاب خطف المقاومة للجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط ، مما أدى لشح مياه الشرب، ومشاكل في الصرف الصحي، وتلويث مياه البحر، فأضر الثروة السمكية والصيد، بعد ما حددت سلطات الاحتلال مسافات الصيد، واقتصرتها لمسافات قصيرة لدخول قوارب الصيادين، وعدم تقدمهم في البحر لأكثر من 6 ميل، بالإضافة لانقطاع الأرزاق والعمل، ولاقى خريجي الجامعات في غزة صدمة كبيرة، في ندرة الوظائف الحكومية، والقطاع الخاص بسبب قلة الشركات العاملة.
وفي 27/12/2008م شنت إسرائيل عدوان مفاجئ على القطاع من خلال طائراتها الحربية، وقصفت منازل المواطنين، واستشهد فيها 205 فلسطينياً، و750 جريحاً، واستمرت حتى 18 يناير 2009م، استهدفوا فيها البشر والحجر والشجر.
وفي الرابع عشر من نوفمبر من عام 2012م، باشرت إسرائيل بعدوان واسع النطاق على أهالي غزة إثر اغتيال قائد كتائب القسام أحمد الجعبري، التي استمرت 8 أيام متتالية وارتقى فيها 162 فلسطينياً، بينهم 32 طفلاً، و11 سيدة، و 1300 جريح فلسطيني.
وفي السابع من يوليو عام 2014م، شنت إسرائيل حرباً شاملة على غزة، استمرت 51 يوماً، خلَّفت وراءها 2139 شهيداً، من بينهم 579 طفلاً، و263 امرأة، و102 من المسنين، و 11128 جريحاً، ارتكب فيها الاحتلال مجازر بحق 49 عائلة فلسطينية.
وبعد هذه الحروب المتتالية على غزة، ظهر في أوساط الشباب فكرة الهجرة إلى أوروبا والدول العربية للبحث عن العمل، والهروب من واقع تراكمات الانقسام، ولكن هذه الأحلام صارت تتبدد بعد المتغيرات العربية الصعبة في المنطقة، وغرق الكثير من الشباب في أنهار أوروبا وبحارها، وصار للشباب حلم كبير هو عودة الشعب للوحدة الوطنية والخلاص من الانقسام السياسي قبل الخلاص من الاحتلال، فهل يتحقق ذلك الحلم؟