شهادتان من وراء الكواليس: هكذا يبني الجيش الإسرائيلي بنك الأهداف في غزة

حجم الخط

بقلم: ينيف كوفوفيتش

 

"النظرية السائدة في الجيش الإسرائيلي هي أن النجاح يقاس بكمية الأهداف القابلة للهجوم، التي ينجحون في إيجادها؛ أي كمية الأهداف الجديدة التي تدخل بنك الأهداف"، هذا ما قاله للصحيفة طيار في سلاح الجو الذي سيسمى هنا "أ"، عن بنك أهداف الجيش في القطاع. في الأسابيع الأخيرة، منذ قصف الجيش الإسرائيلي بيت عائلة السواركة في دير البلح وقتل تسعة من أبناء العائلة، اطّلع "أ" على النقاش اليقظ حول هذه العملية. ادعاء الجيش الإسرائيلي بأن الهدف تم "تحديثه"، أي أنه تم فحصه قبل بضعة أيام من الهجوم، جعله مثل الكثير من الضباط والجنود في قسم الاستخبارات وسلاح الجو يشعر بعدم الارتياح. "في نقاشات كهذه" قال "أ"، وأضاف حول عملية التحديث: "على الاغلب لا يوجد انشغال كبير للاستخبارات بالهدف الذي اصبح موجودا. والاهم من ذلك هو إيجاد أهداف جديدة، لأن هذا ما يعدونه لك في نهاية الأمر".

أقوال "أ" هذه لا تتطرق لحادثة معينة، بل لثقافة اطّلع عليها في الجيش الإسرائيلي. وأقوال مشابهة قالها أيضا من سمّى نفسه "ب". خلال سنوات كانا شريكين في عملية اتخاذ القرارات حول إيجاد أهداف والمصادقة عليها. وقد تحدثا للصحيفة عن الديناميكية الموجودة بين الطواقم المسؤولة عن هذه العمليات أثناء جولات القتال: عن القسم الرئيسي لثقافة "الوثوق" بمصداقية اتخاذ القرارات والأفضلية التي تعطى لتجميع أهداف مقارنة بالتركيز على الجودة، كطريق للتقدم في سلم الدرجات. واطلاعه أيضا على تدخل المستوى السياسي الذي يضغط من أجل تحقيق "نتائج"، الأمر الذي يتسبب بقصف أهداف لاعتبارات غير عملياتية دائما.

على الورق يقولان، إنه لا توجد مشكلة حول الطريقة التي يجب أن تدار من خلالها عملية اختيار الأهداف والمصادقة عليها. المشكلة هي في التنفيذ. الشخصيات الأساسية هنا هي أعضاء طاقم التخطيط للهدف، والمسؤولون عنه من كل الجوانب: الاختيار، "المهاجمة"، وسؤال كيف ستتم المهاجمة. "الطاقم يمكنه ضم 5 – 15 جهة مختلفة"، شرح "أ".

وحسب أقواله، "رئيس طاقم التخطيط سيكون بشكل عام طيارا، سواء في الخدمة الدائمة أو في الاحتياط، حيث يجب عليه القيام أيضا بوظائف قيادة الأركان إذا أراد التقدم في وظيفته في السرب أو في الرتبة". الأعضاء الآخرون هم في الغالب من رجال الاستخبارات وعضو فحص التنفيذ الذي سيقدر ما هي جودة الخطة وما هي تداعيات الضرر الجانبي، وممثل عن النيابة العسكرية المسؤول عن جوانب أخرى من القانون الدولي.

المشكلة الأولى التي تثور، قالا، هي المحرك. رئيس الطاقم سيتم اختباره في نهاية الأمر في كمية الأهداف الجديدة التي نجح في إيجادها، وليس تلك التي تم تأهيلها وتحديثها من جديد. "ترتيب الأهداف (الذي فيه تتم إعادة المصادقة على الأهداف التي ستهاجم) يعتبر مهمة أقل أهمية، وبالنسبة للطيارين فإن هذا الأمر يستنفد منهم الوقت الثمين"، قال "ب". "في معظم الحالات يبدأ رجل الاستخبارات بالتحدث، وإذا قال في بداية الحديث بأنه لا توجد معلومات استخبارية جديدة عن الهدف في السنة الأخيرة، فعندها ينتهي العمل حول هذا الهدف.
والمصادقة على أهلية الهدف يمكن أن تستغرق دقيقة وربما ساعة، الأمر يتعلق بالمعلومات الاستخبارية ورغبة الطاقم في التعمق في الموضوع".

خلال السنوات الأخيرة حضر "ب" و"أ" نقاشات كثيرة حول الأهداف، واطلعا على نسيج مصالح المشاركين في النقاشات. "يجب القول إنه يوجد هناك أشخاص جيدون، لا أشخاص فاسدون"، قال "ب". "ولكن في نهاية المطاف هؤلاء هم أشخاص يقاسون بمقياس كمية الأهداف الهجمات. وهم أيضا يرغبون في العودة إلى البيت في الوقت المناسب. كل الموجودين في الغرفة يعرفون بأنهم إذا بدؤوا في التعمق بكل هدف فهم لن يخرجوا من هناك في الأسابيع القريبة القادمة. لذلك، في حالات كثيرة يتحول الأمر ليصبح عملا أوتوماتيكيا".
وحسب أقواله "جميعهم يعرفون أن عددا كبيرا من الأهداف سيؤدي الى وضع تكون فيه القيادة العليا راضية، وهذا دائما يضيف الى ترقية قادة طاقم التخطيط. وهذا لا يعني أنه يوجد شيء فاسد يجري من تحت الطاولة، بل هو شيء جميعهم يعرفونه، حتى بدون التحدث عنه بشكل مباشر".

وقال "ب"، إن المشكلة لا تتلخص بالوقت الذي يجب على أعضاء الطاقم استثماره، بل أيضا الوقت الذي قضوه في الجيش. وبكلمات أخرى: فجوات الأقدمية أو الرتبة. وقال: "في أكثر من مرة في هذه الطواقم يكون قائد هو رائد من سلاح الجو وأمامه رقيب أو شاويش من المخابرات. يدور الحديث عن شباب مؤهلين جدا، لكن هذا هو الجيش. في النهاية أن يجلس رقيب أمام طيار ويقول له إنه مخطئ أو يجعله يبقى طوال الليل في المكتب لأنه قرر البحث عميقا في الهدف، هذا وضع لا يستطيع كل جندي شاب القيام به".

في هذا السياق أضاف "أ"، إنه عندما يريد رجل سلاح الجو مهاجمة هدف معين، فان رجل الاستخبارات الذي يجلس أمامه (يجب فحصه ومهاجمته وتحديد أنه يلبي الشروط) لا يزعجه، ويثق به، فهو الأعلى. "لقد كانت هناك حالات لم أتمكن في أي واحدة منها من رؤية أي نوع من التشكيك في قرار قائد كبير يمكن أن يكون هو المخطئ"، قال، "لا يوجد أي تفكير أو أي إمكانية للتعبير عن الرأي، وبالتأكيد عدم السؤال لماذا ينفذون العملية، يجب تنفيذها وانتهى الأمر".


أهداف تساوي مكافأة
هناك اعتبار متجذر في مرحلة متقدمة، قالا، وهو الهدف الأسمى: العثور على أهداف. "عندما يأتي جندي شاب، هذا الموضوع المتمثل بالحساسية أمام ضباط يجب عليهم عرض نتائج، ينقل اليهم بصورة واضحة جدا حتى في فترة التحضير، هذا نوع من المعلومات التي تنتقل كإرث بين الجنود القدامى والجنود الجدد"، قال "أ". "يوضحون له حقيقة أن هذا تقدم، وأن الأشخاص يريدون الذهاب في اسرع وقت ممكن الى البيت". دائما الرسالة تنتقل وتستوعب.
"رجل سلاح الجو يريد القيام بهجوم ورجل الاستخبارات يريد أن يكون الموقع على هدف جديد"، أضاف "أ". "في نهاية المطاف يعرف الاثنان ما الذي يريدونه في القيادة، ويحاولان أن لا يضع أحدهم أمام الآخر العصي في الدواليب".
إ
حدى العصي الرئيسية هي فحص آخر للأهداف في الوقت الذي يمكن فيه إنتاج أهداف جديدة. "يمكن أن يكون هناك 500 هدف، وتستغرق مراجعتها زمن إيجاد أهداف جديدة"، قال "أ". "أحيانا يمكنهم إلقاء إيجاد أهداف جديدة في منطقة معينة أو حول موضوع معين على طاقم مشروع، وبالنسبة ولأعضاء الطاقم هذا يتحول إلى العمل الرئيسي لهم". أحيانا هذا يجلب المنافع. "الطاقم الذي يجلب أهدافا جديدة، يمكنه الحصول على جميع أنواع المكرمات مثل الاستجمام والإجازة أو الإعلان بأنهم طاقم ناجح أمام الجميع"، قال.

معادلة كمية الأهداف بالنسبة لجودتها توجد ظاهرة جانبية أخرى، وهي صعوبة فحص أهداف يشكل قصفها تقدما في الحرب. "في عملية الجرف الصامد استمر القتال 51 يوما"، قال "ب"، وأضاف: "البداية كانت كثيفة جدا، وبعد ثلاثة أسابيع نفدت الأهداف". في هذه المرحلة، ظهرت أهداف مثل مناطق مفتوحة ومواقع هوجمت في السابق وشوارع أو أنفاق ثغراتها هوجمت في بداية القتال. "كان هناك أمر بمواصلة الهجمات طوال الوقت. وقد أطلقوا على ذلك خلق الشعور بالملاحقة الذي هو في الواقع خلق ضجة في غزة"، قال.

مشكلة أخرى متعلقة باختيار الأهداف، وأكثر من ذلك مهاجمتها، هي مسألة ما الذي يوجد فيها. عندما يأتي هدف جديد لإعادة فحصه من قبل طاقم التخطيط، قال "أ"، لا تكون لأعضاء الطاقم القدرة على معرفة ما الذي يوجد هناك حقا. "إذا ظهر هذا الهدف كمخزن للوسائل القتالية، حينها لا نستطيع معرفة كم من الوسائل القتالية يوجد في الهدف. ويمكن أن تكون هناك قنبلة واحدة وربما ألف قنبلة، أو مجرد ورق تواليت. لا توجد لدينا وسيلة لمعرفة ذلك".
وحسب أقواله، طوال فترة الهجوم لا يطلق أحد إلى الجو طائرة بدون طيار من اجل أن يفحص في الزمن الحقيقي كل هدف – فقط للتأكد من أن ما كان هناك ما زال قائما أو أنه حدث تغيير في استخدامه أو أن هذا هو نقطة رقابة أو منشأة تدريب أو مخزن للسلاح. لا توجد أي وسيلة لمعرفة ما الذي حدث في الوقت الحقيقي. لذلك، هم يعملون حسب ملف الهدف".

"أ" و"ب" لم يشاركا في الهجوم الذي قتل فيه أبناء عائلة السواركة. ولكن حسب أقوالهما فإن حادثة كهذه يمكن أن تحدث عندما تكون هناك رغبة في إرضاء الطاقم. وعندما يكون مستوى الثقة في نوعية الهدف غير عالية بما فيه الكفاية. "الجميع يعرفون أنه في معظم الحالات لا يحدث أي شيء – هذه هي النظرية – يقولون لك إنهم مستعدون لتحمل المخاطرة"، قال "أ".
"ولكن فجأة يحدث أن عائلة كاملة قتلت، وجميعهم لا يعرفون لماذا. ولا فكرة لدي اذا كانت حادثة دير البلح هي أمر كهذا. ولكن لا شك لدي بأن حادثة كهذه يمكن أن تحدث بالضبط في نفس ظروف "خذ وهات" بين رجال طاقم التخطيط وإعادة تحديث الهدف. المشكلة هي ثقافة الوثوق".

من يجب عليه لعب دور مهم في عملية كهذه هو ممثل النيابة العسكرية. "يوجد لديهم مثل محدد في هذه اللقاءات: يمكن مهاجمة هدف اذا كان متناسبا"، قال "أ". "متناسب، هو مفهوم مرن عسكريا". أحيانا قائد الطاقم الذي يكون معنيا بعدد اكثر من الأهداف سيطلب مد الحدود والمخاطر الكامنة في اختيار الأهداف، حيث إن الضرر الجانبي المتوقع يمكن أن يؤدي الى عدد اكبر من المصابين في أوساط المدنيين.

وحول سؤال ما الذي يوجد حقا في الهدف هناك تداعيات أخرى، رغم أنها غير متعلقة بقتل المدنيين. "أحيانا تسمعون عن مهاجمة منشأة تدريب لمنظمة إرهابية ما"، قال "أ"، وأضاف: "الناس يمكنهم الاعتقاد بأن الأمر يتعلق بمنشأة تبدو مثل قاعدة "تساليم"، مع مبان كبيرة، ميادين لإطلاق النار ومناطق تدريب على القتال في منطقة مأهولة". ولكن حسب قوله "أحيانا تعتبر منشأة تدريب هي منطقة يأتي إليها النشطاء من اجل الركض أو إجراء التمارين الرياضية، نقطة رقابة يمكن أن تكون نقطة مثل مظلة منقذ أو بئر مع أكياس رمل حوله. هدف تحت الأرض يمكن أن يكون كراجا تحت بيت أحد النشطاء، وليست كل غرفة تحت الأرض هي ثغرة نفق كما يعتقدون، أو كما يعرض في وسائل الإعلام.


عن "هآرتس"