وهم حل الدولتين!

حجم الخط

بقلم: الدكتور ناجى صادق شرّاب*

 

لم يبتعد جدعون ساعر المنافس القوي لنتانياهو عن الحقيقة ، بل قال الحقيقة ذاتها عندما صرح أنه لا حل للدولتين ،أو لا للدولة الفلسطينية، وأن الحديث عن حل الدولتين وهم، وينتقل من فشل إلى فشل منذ عقود، ويقصد بذلك مشروع التقسيم الذى أقترحته لجنة بيل الملكية البريطانية عام 1937.

وأكد ان لا دولة مستقله بين النهر والبحر إلا إسرائيل كدولة مستقله. وهو ما يعنى أيضا ضم منطقة الأغوار وبقاء كل الكتل الإستيطانية. بل ان كل هذه المنطقة بما فيها المنطقة التي تديرها السلطة الفلسطينية تخضع للسيادة ألأمنية الإسرائيلية. وبتصريحاته تلك يعيد الرؤية والمقاربة الاقتصادية التقليدية. فهو لا ينظر للفلسطينيين إلا كسكان وليس كشعب، وكل ما يمكن منحهم اباه هو شكل من أشكال الحكم الذاتي المرتبط بالأردن ، ولا يمانع بحكم الواقع الإقتصادى من وجود شكل من أشكال الإرتباط الإقتصادي بين سلطة الحكم الذاتي الفلسطينى والأردن وإسرائيل. هو هنا يتحدث عن حقيقة الفكر ألأيدولوجي الليكودي الذي تؤمن به كل ألأحزاب الإسرائيلية لا للدولة الفلسطينية في منطقة الضفة الغربية وهي منطقة القلب الإستراتيجية لفلسطين الدولة وإسرائيل الدولة. البديل في الفكر ألأيدولوجى الصهيوني هو الأردن كوطن بديل للفلسطينيين. هذا هو القاسم المشترك بين كل النخب في إسرائيل ، لذلك فإن ساعر بهذه التصريحات لم يأت بجديد، بل يؤكد على حقيقة فرضتها إسرائيل بسياسات ألأمر الواقع من خلال الكتل الإستيطانية التي تحولت لدولة في قلب الآراضى الفلسطينية التي من المقرر ان تقوم عليها الدولة الفلسطينية، والتي تقدر مساحتها بأقل من عشرين في المائة من مساحة فلسطين، ومع افتراض إقتطاع الآراضى التي تقوم عليها المستوطنات، إضافة لمنطقة ألأغوار ، فهذا يعنى أن المتبقى أقل من عشرة في المائة من المساحة المقررة لفلسطين استنادا لحدود عام 1967، وهو ما يعنى ابضا تنازلا فلسطينيا مقارنة بالقرار رقم 181 الأممي الذى خصص حوالى 44 في المائة من مساحة فلسطين الإنتدابية التاريخية للدولة العربية .

الجزء المتبقي يفتقد للتكامل الجغرافي، وحرمان السيطرة على الموارد الطبيعية، وبكل المقاييس حتى لو إفترضنا قيام الدولة الفلسطينية فانها ستكون ضعيفة هشه تابعه منزوعة من أي قدرات عسكرية ، ووظيفتها فقط وظيفة شرطية بسلاح خفيف يستخدم ضد أي إحتجاجات أو هبات أو انتفاضات فلسطينية ضد أي شكل من أشكال سيطرة إسرائيل.

ويذهب ساعر ليجافي الحقيقة ويحمل السلطة الفلسطينية والقيادة الفلسطينية برئاسة الرئيس محمود عباس مسؤولية كل الفشل في الوصول لتسوية سياسية تاريخية، برفضهم كل المبادرات "السخية" من وجهة نظره التى قدمتها كافة الحكومات الإسرائيلية عمالية او ليكودية أو وسط ، حتى ما قدمه نتانياهو من تنازلات.

هذه التصريحات غير حقيقية وهي الوهم الذي تحدث عنه ساعر. فهو لا يعترف بإسرائيل دولة احتلال، ولا يعترف بالفلسطينيين شعبا لهم حقوقهم التاريخية والشرعية على أرضهم. ويعتبر كل الضفة الغربية جزءا من "أرض إسرائيل" وأن اي تنازل من هذه الأرض يعتبر تنازلا كبيرا من قبل إسرائيل. هذه التصريحات كما أشرنا ليست بالجديده ، بل تجسد كيف تفكر كل الأحزاب الإسرائيلية، وكيف يفكر الليكود واليمين في إسرائيل لمستقبل الدولة الفلسطينية التي لا تمانع ان تقوم في غزة التي تشكل زائدة جغرافية لن تشوه خارطة إسرائيل إذا أقتطعت بمساحتها القزمية التى لا تزيد عن واحد في المائة من مساحة فلسطين الكلية.

ويبدو ان هذا التفكير اليميني هو الذي يشكل صلب صفقة القرن كما تم تسريب الكثير من تفاصيلها، مع بعض التعديلات الطفيفة التي لا تمس جوهر الفكر والرؤية اليمينية التي يطرحها ساعر. وسواء فاز برئاسة حزب الليكود وهو ما يعني أن يكون أحد الاحتمالات لرئاسة الحكومة الإسرائيلية في المستقبل او بعد الانتخابات القادمة، وهو امتداد لحكم الليكود.

والسؤال المطروح هو: ماذا تعني هذه التصريحات بشأن مستقبل الخيارات الفلسطينية ؟ وكيف يمكن مواجهتها ؟ إبتداء هذه الرؤية تعني ان لا فائدة من خيار التفاوض، وان هناك مرحلة جديده من المواجهة السياسية ليس مع إسرائيل بل مع الولايات المتحدة إذا ما تم الإعلان الصريح عن صفقة القرن، التي صرحت الولايات المتحدة ان هناك عقوبات على الطرف الذى يرفضها، والمقصود بذلك الطرف الفلسطيني.

هذه التصريحات تفرض على الفلسطينيين مراجعة كل خياراتهم بعد خمس وخمسين عاما على تاريخ حركة النضال الفلسطيني الحديث وبعد أكثر من عشرين عاما على اتفاقات أوسلو مراجعة نقديه، والبحث في الخيارات والبدائل التي تضمن الحد ألأدنى من الحقوق التاريخية الثابته للشعب الفلسطينى، بدلا من ان نعيش في وهم حل الدولتين الذي تحدث عنه جدعون ساعر.

*استاذ علوم سياسية - غزة