العشائرية السياسية والإحباط واللامبالاة تجعل التخوف من نتائج الانتخابات أمرا ً له ما يبرره

حجم الخط

بقلم: المحامي زياد أبو زياد

 

بداية أقول بأنني كنت وما زلت من أشد المطالبين بإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية ، ولكني أعترف في نفس الوقت بأنني لست متفائلا ً من نتائج الانتخابات إذا تمت ، والأرجح أنها ستتم ، بل ولربما أشعر بالقلق مما يمكن أن تسفر عنه تلك الإنتخابات.

فأنا من أشد المطالبين بإجراء انتخابات وخاصة التشريعية لأنني أشعر بالأسف الشديد مما آل إليه وضعنا القانوني والدستوري بعد أن استحوذت السلطة التنفيذية غير المنتخبة على كافة صلاحيات السلطة التشريعية بعد تغييبها، بل وأصبحت أصابعها غير بعيدة عن بوتقة السلطة القضائية تعبث بها كيفما تشاء وتقول إنما نحن مصلحون ، " ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون".

فالضرورة القصوى تستدعي أن يكون هناك برلمان أي مجلس تشريعي منتخب يطبق ويحمي مبدأ الفصل بين السلطات الثلاث و يراقب أداء السلطة التنفيذية ويضع حدا ً للتفرد والانفلاش الإداري والمالي الذي نما وترعرع في ظل غياب المجلس التشريعي.

إضافة الى أن وجود مجلس تشريعي منتخب يساعد ولو نظريا في مراقبة الأداء السياسي للقيادة السياسية في مرحلة سياسية معقدة جدا ً تؤذن بتصفية القضية والحقوق الوطنية ما لم تكن هناك ضوابط وكوابح ومجسات وطنية تقتضيها المرحلة بشكل حيوي جدا ً لتصويب المسيرة.

أما كوني غير متفائل أو خائف من نتائج الانتخابات وأشعر بالقلق فهو أيضا ً حقيقي وله ما يبرره . والسبب في ذلك هو أن الانتحابات تتطلب أولا وقبل كل شيء أن يكون الناخب واعيا ً مدركا ً لحقوقه غير خاضع للمؤثرات الخارجية سواء كانت عائلية أو حمائلية أو عشائرية ، وأن يكون الأفراد أو القوائم المتنافسة في الانتخابات ذوي برامج سياسية واقتصادية واجتماعية واضحة ، وأن يكون الناخب على مستوى من الإدراك والإنتماء الوطني يجعله يعطي صوته للأصلح والأكفأ صاحب الالتزام بالبرنامج الانتخابي الذي يتنافس على أساسه. فهل لمثل هذا وجود في الساحة الفلسطينية ؟

أقول وللأسف الشديد أننا نفتقر للمواطن الواعي الأمين على صوته والذي لا يعطي ثقته إلا لمن يستحقها ، ونحن نفتقر الى ذلك بمقدار افتقارنا للمرشح حزبا أو فردا ً ، الذي يرفع لواء برنامج ما ويلتزم به ويقاتل من أجله.

فنحن وللأسف الشديد نعيش وضعا فقدت فيه الحركات والأحزاب السياسية رؤيتها وبرامجها وتحولت الى عشائر وقبائل تُغذي النعرة الفئوية الضيقة فهي أشبه بفرق كرة القدم ينحاز مشجعيها كل الى فريق يؤيده وبشكل أقرب الى الغوغائية من روح الإنتماء والالتزام.

وإذا ما نظرنا الى واقعنا الانتخابي فإن القوى الرئيسية المتصارعة على الساحة تخلت منذ زمن بعيد عن أيديولوجياتها السياسية كنتجية تلقائية لتخليها عن النهج الديمقراطي داخلها وتحولت الى دكاكين لأشخاص يرون في بقائهم على رأسها ضمانة لبقائهم على قيد الحياة السياسية ، ولذا فإن من يقفون على رأس هذه الحركات والحركات الأخرى التي تشارك في القرارات المصيرية لمنظمة التحرير ، رغم أنه لم يعد لها أي وجود ملموس على الأرض ، هم نفس الأشخاص الذين ظلوا يقفون على رأس هذه الحركات منذ عشرات السنين.

لقد تحولت الحركات السياسية الفلسطينية الى عشائر تنقاد وراء العصبية القبلية الساسية وبالتالي فإنها لا تتورع في كل مرة تذهب فيها الى صناديق الاقتراع من اختيار نفس الأشخاص لمصالح فردية ضيقة ولاعتبارات خاصة لا صلة لها بمصلحة الوطن.

ولعل هيمنة العقلية العشائرية على الحركات السياسية والتعصب الأعمى لهذه الحركات من قبل من يسمون ب " السحيجة " الذين يبتزون الشارع بغوغائيتهم هي السبب في الفشل بطرح بديل للأحزاب والقيادات التي أخفقت في تحقيق المهام التي ادعت أنها ستحققها ولكنها رغم ذلك الإخفاق والفشل ظلت متمسكة بالكرسي ومن حولها من يراؤون ويتملقون ويحولون الهزائم الى انتصارات. وهذا الأمر يجري جنبا ً الى جنب مع حالة الإحباط واللامبالاة التي يعيشها المواطن وفقداته الثقة بنتائج الانتخابات.

وإذا لم ننجح في تغيير مفهوم المواطن للإنتخابات وتمكينه من أدراء صوته بنزاهة وحرية دون مؤثرات خارجية لمن يستحق ، فإنني لا أتردد في القول بأني غير متفائل ، وخائف ، من أن تؤدي الانتخابات القادمة الى إعادة انتاج نفس القيادات التي فشلت عبر عشرات السنين في تحقيق آمال وتطلعات شعبها في الحرية والاستقلال وأوصلته الى وضع أصبح فيه الراتب وقمة العيش أهم من الوطن والمستقبل والقضية.

إن التحدي الكبير الذي يواجهنا كشعب ، ويواجه بشكل خاص جميع منظمات المجتمع المدني والصفوة من الفكرين وصناع الرأي العام هو أن نعيد للمواطن ثقته بالحياة السياسية وإدراكه لأهمية صوته وقيمة قدرته على التأثير والتغيير ، وأن نطرح البديل للأطر القديمة التي ثبت فشلها ، أو إحداث تغيير وتجديد داخل هذه الأطر لتجديد الدماء في عروقها وتحريرها من هيمنة المتنفذين والمتحكمين في مصالح الناخبين ورقابهم.

فهل سنكون على مستوى التحدي ؟ لا أعتقد لأن التعاطي مع هذا التحدي يحتاج لوقت وجهد لا تستوعبه أشهر قليلة تسبق الانتخابات. ومع ذلك يبقى هذا التحدي مطروحا ً أمامنا لا مفر من مواجهته.

وعلى أية حال ، فإنني أعود وأقول بأنه حتى إعادة انتاج القيادة القديمة ومن خلال شرعية الانتخاب يبقى أفضل مليون مرة من حكم يفتقر لأي قدر من الشرعية ، يسوده تغول السلطة التنفيذية على صلاحيات السلطات الثلاث ، وظهور منهج فردي هو أقرب الى دكتاتنورية الفرد والحزب الحاكم.