الصين والسعودية تدخلان الساحة السورية

تسيفي يرائيل.jpeg
حجم الخط

بقلم: تسفي برئيل


ثارت عاصفة كبيرة، هذا الأسبوع، في سورية بسبب عرض فيلم فيديو قصير عرض أحد رجال الاعمال الكبار في الدولة وعضو البرلمان، حسام قاطرجي، وهو يهبط من طائرته الخاصة ويركب في جيب فاخر مع المرافقين الشخصيين المسلحين، وعلى جانبي السيارة يظهر جنود النظام وهم يؤدون التحية له. «حتى الرئيس نفسه لا توجد له قافلة سيارات كهذه»، كتب أحد المتصفحين. «هناك أعضاء في البرلمان لا توجد لهم سيارة، وهم يضطرون الى الذهاب الى عملهم في الباصات»، كتب شخص آخر. في البرلمان نفسه غضبوا جداً من السلوك الوقح لزميلهم. «في الفترة التي تسود فيها ازمة اقتصادية في الدولة ويُقتل والمواطنون»، قال أحد اعضاء البرلمان. قاطرجي فهم على الفور حجم الخطأ، وأعلن بأنه مستعد للاعتذار أمام الشعب الرئيس والبرلمان عن المشهد المثير للغضب.
أموال قاطرجي (37 سنة)، الذي يقف على رأس مجموعة قاطرجي التي تسيطر على نحو 12 شركة تعمل في البناء والنسيج والنفط وفروع اخرى، تقدر بأكثر من مليار دولار. هو ابن خياط فقير كان يعيش في الرقة، وبعد ذلك فتح فيها مصنع نسيج. ابنان من ابناء الخياط، براء وحسام، توجها الى الاعمال العقارية. وبفضل علاقاتهما مع ابناء عائلة الاسد والعلاقات التي نسجوها مع رؤساء القبائل في منطقة الرقة، التي تحولت بعد ذلك الى عاصمة «داعش» في سورية، ازدهروا. وقد سيطروا حتى على مواقع تاريخية، وحصلوا على رخص بناء غير قانونية، وسجلوا لأنفسهم مباني واراضي وقاموا ببيعها بأرباح كبيرة. عندما بدأ العصيان المدني في سورية في 2011 ومعه النقص في الطحين، استغل الاخوة قاطرجي هذه الفرصة، ووقعوا على عقد لشراء القمح والطحين من الاكراد الذين سيطروا على المحافظات في الشمال، التي تعتبر خزان الحبوب في الدولة. عند سيطرة «داعش» على جزء من هذه المناطق واصلت شركة قاطرجي اعمال شراء الحبوب، هذه المرة مع «داعش»، وبعد ذلك اشتروا من التنظيم مستخرجات النفط من آبار النفط الكبرى التي سيطر «داعش» ايضا عليها. قبل ثلاث سنوات فرضت الادارة الأميركية عقوبات على قاطرجي والشركة. ولكن هذا لم يمنع رجل الاعمال من مواصلة استيراد البضائع من تركيا ومن خلالها من دول اخرى.
الآن، بعد هزيمة «داعش» والمليشيات الكردية احتلت مكانه في آبار النفط والمعابر الحدودية غيّر قاطرجي مزوديه، والآن هو يشتري النفط الكردي لصالح النظام السوري. قائد المليشيات الكردية، مظلوم عابدي، أكد، الاسبوع الماضي، بأن تنظيمه الذي يسيطر على آبار النفط الكبرى (البئر الكبرى في الدولة، العمر، الموجود في منطقة دير الزور)، يبيع النفط للنظام، رغم العقوبات الأميركية التي تمنع تصدير النفط لسورية. يبدو أنه لا توجد مشكلة للإدارة الأميركية مع حقيقة أن الاكراد يبيعون النفط للاسد، ولو أرادوا لاستطاعت القوات الأميركية الموجودة قرب آبار النفط منع المتاجرة، التي هي مصدر الدخل الاساسي للقوات الكردية.
يتوقع أن تنشأ الآن منافسة بين الاكراد وشركة قاطرجي من قبل عدد من اللاعبين الاقوياء الذين وضعوا عيونهم على النفط في سورية. استضافت السعودية مثلاً، مؤخراً، بعثة من الممثلين الاكراد في الرياض (الى لقاء تعارف ودعم)، كما وصف ذلك الاعلام الكردي – السوري. الاكراد والسعودية لا يحتاجون حقا للقاء تعارف. في السنة الماضية أعلنت السعودية عن تبرع بمبلغ 100 مليون دولار للقوات الكردية. وفي السنوات الأخيرة زارت شخصيات سعودية رفيعة «المناطق» الكردية. المساعدة السعودية لا تعتبر صدقة واحسانا، بل هي بادرة حسن نية بناء على طلب من الادارة الأميركية، لكنها تظهر الآن كاستثمار اقتصادي ذكي. كجزء من المساعدة الأميركية للاكراد، تريد الادارة الأميركية فحص امكانية أن شركة ارامكو السعودية ستقوم بتطوير حقول النفط الكردية. ولكن ايضا اذا قررت «ارامكو» تولي المهمة بنفسها، فهي ستضطر الى بيع النفط لجهة معينة، ويبدو النظام السوري في هذه الاثناء الزبون الواقعي لصفقات كهذه. لأنه بصورة رسمية هذه حقول نفط سورية، ستنتقل الى أيدي النظام في اليوم الذي سيتم فيه التوصل الى حل سياسي.
ولأن هذا الحل لا يلوح بعد في الافق، بصورة خاصة بعد أن لم تثمر محادثات لجنة الدستور السورية التي جرت في جنيف أي شيء سوى الخلافات، فان السعودية تتحسس امكانيات تحسين علاقاتها مع سورية. حسب التقارير التي تنفيها السعودية، فانها تنوي أن تعيد فتح سفارتها في دمشق، وأن تحذو حذو الامارات والبحرين والسودان التي استأنفت علاقاتها وفتحت من جديد ممثليات في العاصمة السورية. حفريات نفط سعودية في سورية ليست هي الوعد الاقتصادي الكبير الذي تأمله المملكة. ولكن موطئ قدم في حقول النفط يمكنه ادخال السعودية الى الساحة السياسية التي يلعب فيها كل من تركيا وإيران وروسيا بصورة حصرية. ليس صدفة أن الملك سلمان أعلن في تشرين الثاني بأن «تركيا تضر بسيادة سورية» وأن الحل في سورية يكمن في خروج القوات الإيرانية من سورية. أما روسيا فلم يقم بذكرها.
مؤخراً، زار الرياض رئيس المخابرات السورية، حسام لوقا، وبعثة صحافية سورية، والتقت البعثة مع صحافيين سعوديين، لكن ليس مع ممثلي النظام. السعودية، التي تعارض غزو تركيا للمحافظات الكردية، تنظر لتركيا كدولة معادية، ضمن امور اخرى، بسبب علاقاتها الوثيقة مع قطر، التي يوجد لتركيا فيها قاعدة عسكرية. أحد شروط السعودية للمصالحة مع قطر هو ازالة القاعدة التركية من أراضيها. تدين قطر لتركيا أنها هبت لمساعدتها قبل سنتين تقريبا عندما فرضت السعودية والبحرين والامارات ومصر الحصار عليها، وأوضحت قطر بأنها لا تنوي أن تمس بعلاقتها معها. ولكن رفض الاستجابة لطلب السعودية يمكن أن يكلف قطر ثمنا سياسيا باهظا وأن يمس باحتمالية المصالحة مع جارتها.
من لن تكون راضية عن التدخل السعودي هي روسيا، التي تمتلك معظم مناقصات تطوير آبار النفط في سورية. من ناحيتها هذا جزء من الثمن الذي يتوقع أن تحصل عليه مقابل المساعدة الكبيرة التي قدمتها لسورية، والتي بدونها لم يكن الاسد ليتمكن من استعادة معظم اراضي الدولة التي احتلت من قبل مليشيات المتمردين. أعلنت روسيا، مؤخراً، بأنها تنوي أن تستثمر في سورية حوالي 700 مليون دولار في السنوات الاربع القادمة، منها حوالي 500 مليون في تطوير وتوسيع ميناء طرطوس الذي يستخدم كقاعدة لسلاح البحرية الروسي، وكذلك حوالي 200 مليون لإنشاء مصنع للأسمدة. تدل استثمارات بهذا الحجم على نوايا روسيا مواصلة استخدام سورية لفترة زمنية طويلة كقاعدة متقدمة في الشرق الاوسط وفي البحر المتوسط، ويبدو أن توسيع ميناء طرطوس استهدف ايضا استخدامه كمركز لوجستي للتجارة المدنية الروسية.
السيطرة الاقتصادية الروسية على الموارد السورية دفعت إيران الى هامش المشاريع الاقتصادية التي كانت تأمل الحصول عليها مقابل التضحية بالارواح والاستثمار العسكري والمدني الكبير لها في سورية. سورية تلقت من إيران خطوط اعتماد بمبلغ 7 مليارات دولار تقريبا. ولكن الدين الحقيقي لإيران يقدر بمبلغ 34 مليار دولار. ليس فقط أنه لا يوجد لسورية امكانية لاعادة هذا الدين، بل هي ايضا أغدقت على إيران الوعود بأن تحول لها مشاريع مثل شبكة الهواتف المحمولة الثالثة وانشاء شبكة كهرباء. عقود ومذكرات تفاهم وقعت بين الدولتين في سنوات الحرب، لكن فقط القليل منها نفذ. إيران يوجد لديها اتفاقات لفتح فروع بنوك إيرانية في سورية، وتعهد سوري بمنح الشركات الإيرانية أراضي ورخص بناء لعشرات آلاف الوحدات السكنية. مؤخرا أمر الاسد الوزارات الحكومية بأن تحول للشركات الإيرانية مشاريع محلية بدون طرح مناقصات. ولكن ازاء الوضع الاقتصادي الصعب في إيران، من المشكوك فيه وجود امكانية اقتصادية لفتح بنوك إيرانية أو بناء المساكن.
في الوقت ذاته تظهر لاعبة جديدة في الساحة الاقتصادية السورية، تظهر الاهتمام بالاستثمارات الاقتصادية. هذا الاسبوع قال بشار الاسد في مقابلة مع قناة التلفزة الصينية «بينيكس» بأنه عرض على الصين ستة مشاريع للاستثمار كجزء من استراتيجية «الحزام والطريق» الدولية التابعة لها. يدور الحديث عن مشاريع للبنى التحتية بمليارلات الدولارات. وحسب الاسد، فان الصين وعدت بفحصها واتخاذ قرار بشأن أي منها يتناسب مع استراتيجيتها، رغم أن سورية لا تقع جغرافيا في خارطة «الحزام والطريق». في هذه المرحلة يدور الحديث عن تحسسات فقط، رغم أنه بصورة تقليدية لا تستثمر الصين في مناطق وفي دول تدور فيها حرب (باستثناء بيع السلاح). ولكن الاعلان الذي اصدره الاسد عن محادثاته مع الصينيين وجه ايضا لأذن روسيا والولايات المتحدة، والرسالة واضحة: اذا كانت واشنطن تعتقد أنها تستطيع معاقبته بواسطة العقوبات، فانه يوجد له في الافق صديقة ستساعده على تجاوزها. وبالدرجة نفسها، اذا كانت موسكو تعتقد أن الاسد مرتبط بها بصورة مطلقة فهو يعرض أمامها منافسة قوية محتملة.
ولكن قدرة دوران الاسد بين الصين وروسيا وبين السعودية وإيران، يمكن أن تلغي القانون الذي صدر، الثلاثاء الماضي، في مجلس الشيوخ الأميركي، والذي ينص على أن الادارة تستطيع أن تفرض عقوبات على كل من يشارك في قتل مواطنين سوريين، وتنفيذ جرائم ضد مواطني الدولة. يعطي القانون الادارة الأميركية صلاحية فرض عقوبات ايضا على شركات اجنبية، وعلى دول ساعدت وتساعد سورية في تنفيذ جرائمها، ويمكنه أن يمنع تحويل الاموال لسورية حتى في إطار خطط اعادة الاعمار والمساعدة. الآن، من المثير للاهتمام رؤية كيف سيعالج الرئيس دونالد ترامب القانون بشأن صفقات بيع النفط الكردية للادارة الأميركية، أو اذا كان سيذهب الى مواجهة مع روسيا على استثمارها في سورية، أو اذا كان سيطلب من الصين الابتعاد عن دمشق.

عن «هآرتس»