عشــرات ملايــين الـعـــرب سيلجــؤون إلى أوروبــــا!

00
حجم الخط

  10 أيلول 2015

أدت أزمة المهاجرين، التي تشهدها اوروبا اليوم، في الاسابيع الاخيرة الى تسريع الاتصالات لايجاد حل بالطرق السلمية للحرب في سورية. من الواضح أن ليس لمثل هذه الخطوة أمل، وذلك لان هذه الحرب ستحسم كما هو معروف في ميدان المعركة وليس حول طاولة المباحثات. ومع ذلك، مثلما يتمسك الغارق بأي قشة كي ينجو بنفسه، تتمسك اوروبا ببصيص الامل في أنه يمكن انهاء الحرب في سورية، حتى وان كان بثمن بقاء بشار الاسد في كرسيه، وهكذا يتم ايقاف تيار اللاجئين السوريين الذين يدقون أبوابها.
ينبغي الافتراض باننا سنسمع قريبا مبادرات اوروبية جديدة للدفع الى الامام بمسيرة السلام بين اسرائيل والفلسطينيين، انطلاقا من ايمان اوروبي ان هكذا سيكون ممكنا اعادة الاستقرار الى الشرق الاوسط وانقاذ اوروبا.
 ولكن الاوروبيين لا يعرفون على ما يبدو اين يعيشون. اوروبا ستنجح، أغلب الظن، في أن تستوعب بجهود عليا اللاجئين الذين يدقون ابوابها اليوم. ولكن يدور الحديث عن بضعة الاف، وفي اقصى الاحوال بضع عشرات الاف المهاجرين. هذا مجرد طرف الجبل الجليدي الذي سيظهر بكامله في لحظة تستوعب فيها الملايين في الشرق الاوسط الرسالة، ويستنتج بان اوروبا ترفع يديها وتفتح أبوابها. وتعبير «حراك الشعوب» الذي يصف هجرة القبائل الجرمانية، السلافية وغيرها الى اوروبا من القرن الرابع وحتى القرن التاسع، سيطرح بالتأكيد مرة اخرى.
لقد جلبت الحرب في سورية حتى اليوم نحو 8 ملايين لاجئ، ثلث السكان الاصليين في هذه الدولة. اكثر من 6 ملايين منهم وجدوا حتى الان ملجأ في الدول المجاورة: أكثر من مليونين يتجولون في ارجاء تركيا، مليون وربع آخر في لبنان، نحو نصف مليون في مصر وفي شمال افريقيا ونحو مليون آخرين في الاردن وفي العراق.
ولكن الحرب في سورية ليست النزاع الوحيد في منطقتنا. ملايين اللاجئين يتحركون ويتنقلون في ارجاء العراق نتيجة لحرب الكل ضد الكل الجارية في هذه الدولة في العقد الاخير، وهكذا ايضا في ليبيا الممزقة منذ خمس سنوات في حرب اهلية مضرجة بالدماء بلا حل. اليمن وجنوب السودان بعيدان عن اوروبا، ولكن هناك ايضا يبحث الملايين عن الخلاص والملجأ.
هذه الحروب هي في معظمها نتيجة ربيع الشعوب العربي الذي أدى الى فوضى تامة في أجزاء واسعة من الشرق الاوسط، وسيؤدي حقا الى الربيع، ربيع اوروبي – لاولئك المهاجرين من المنطقة ممن سينجحون في اجتياز البحر المتوسط والوصول الى شواطيء اوروبا.
ولكن من الخطأ ان نرى «الربيع العربي» بانه هو ما يتسبب بمشكلة اللاجئين. فهو في اقصى الاحوال عرض من اعراض المشكلة. المشكلة تكمن في التكاثر الطبيعي عديم القيود الذي يشهده الشرق الاوسط ولم يترافق بالتوازي مع تنمية اقتصادية توازنه.
في الوقت الذي نمت فيه اوروبا في الخمسين سنة الماضية بنحو الربع، أي 400 مليون نسمة في 1960، الى نحو 500 مليون في بداية العقد، نما الشرق الاوسط أربعة اضعاف – من 100 مليون نسمة في 1960، الى 400 مليون في العام 2010. في العقود الاخيرة توقف النمو السكاني في اوروبا بل انه يتقلص بسبب التزايد الطبيعي الثالث. عمليا، فان التزايد الوحيد هو بسبب المهاجرين الذين يشكلون اليوم نحو 10 في المئة من سكان اوروبا.
بالمقابل، يتواصل في الشرق الاوسط النمو الطبيعي حتى وان كان بشكل اكثر اعتدالا. في العام 2020 سيعيش في منطقتنا نحو 500 مليون نسمة والتوقع للعام 2050 يتحدث عن قرابة 700 مليون نسمة.
ويأتي هذا النمو الطبيعي للسكان على خلفية هزال المقدرات الطبيعية – السخونة العالمية (آب هذا الشهر هو الاكثر حرا منذ الازل)، الجفاف ونقص المياه، هزال مقدرات النفط، والأخطر من هذا هيمنة تقاليد الماضي والى جانب ذلك دكتاتوريات فاسدة تمنع النمو الاقتصادي وتبقي على واقع من الضعف في مجالات التعليم، الصحة، وغيرها.
المشكلة التي تقف امامها اوروبا هي، إذاً، ليس بضع عشرات الاف اللاجئين ولا حتى بضع ملايين السوريين الذين يبحثون عن ملجأ من الحرب في بلادهم. المشكلة هي عشرات الملايين الذين يسعون الى مغادرة العالم العربي – العالم الذي بلا أمل وبلا مستقبل – والانتقال الى اوروبا.
قطارات اللاجئين ستشق طريقها في كل ارجاء اوروبا، ولكن اوروبا فاتها القطار ومستقبل بشع بانتظارها اذا لم تجد السبيل لمواجهة مشكلة اللاجئين – سواء أن تجد حلااً لاولئك الذين يدقون ابوابها او تستوعب اولئك الذين يصبحون عنصرا مهماً بين السكان الاوروبيين في كل دولة.

عن «اسرائيل اليوم»