حكايات عن السلام المقتول

حجم الخط

بقلم: عكيفا الدار


حتى بعد أن لم يبق فيه أي علامة على الحياة، هناك مستشرقون يرفضون ترك اتفاق اوسلو ليرتاح في قبره. في رسالة لهيئة تحرير «هآرتس» في 13/12 صنع البروفيسور ابراهام سيلع ويغئال كرمون من موت يهوشع «شوكه» بورات فأسا ينقبون بوساطتها عن بقايا الاتفاق البائس. وفرت لهما قصة «خيبة أمل» رجل اليسار المخضرم من وهم السلام بين اسرائيل والفلسطينيين  فرصة اخرى لطرح حل الدولتين كشرك مغرٍ في افضل الحالات وكعملية احتيال تاريخية في اسوأ الحالات.
وقد أشادا ببورات كـ «عالم يحرص على دقة الحقائق ويمقت التصريحات السياسية التي تعبر عن قلب للحقيقة». وقد تطرقا لتصريحات شمعون بيريس بأن ياسر عرفات التزم بوعده لالغاء البنود الواردة في الميثاق الوطني الفلسطيني التي نفت شرعية دولة اسرائيل وتناقض اعتراف م.ت.ف باسرائيل. بورات، خلافا لكثيرين من زملائه في الاكاديميا، حسب سيلع وكرمون «ادرك جيدا الاخطار التي تكتنف اتفاق اوسلو بسبب طبيعة م.ت.ف كحركة تحرر وطني مثلت في المقام الاول لاجئي 1948 وتمسكت بمبدأ حق العودة».
أنا لا يمكنني فك شيفرة قلب ياسر عرفات ونواياه. وسأكتفي بفحص الوقائع التي يطرحها الباحثان، مستندا الى وثائق منشورة وتصريحات علنية. هما يدعيان بأن م.ت.ف اعلنت فقط بأن المجلس الوطني الفلسطيني قرر بأغلبية ساحقة الغاء البنود التي تتناقض مع اتفاق اوسلو، دون أن يذكر بشكل صريح البنود مدار الحديث. في الحقيقة، المجلس الفلسطيني الـ 21 الذي عقد في غزة في نيسان 1998، قرر بأغلبية 504 ضد 54 الغاء بنود الميثاق الفلسطيني التي تناقش اتفاق اوسلو، «بما فيها التي ترفض تقسيم فلسطين وكون اليهود شعبا واحدا له شخصية مستقلة». وهذه الصيغة تمت الموافقة عليها بالتشاور مع اسرائيل والولايات المتحدة.
كرر عرفات هذه الاقوال في رسالته التي ارسلها الى بيريس في ايار في نفس السنة، في اطار الاعتراف بحق اسرائيل في الوجود. الرسالة معروضة في موقع الانترنت الخاص بوزارة الخارجية. وتظهر صيغة مشابهة في الرسالة التي ارسلها عرفات للرئيس بيل كلينتون في 13 كانون الثاني 1998، بصفته رئيس اللجنة التنفيذية في م.ت.ف ورئيس السلطة الفلسطينية.
في هذه الرسالة تم تفصيل البنود التي الغيت بالكامل (من 6 – 10، 15، من 19 – 23، 30)، والبنود التي شطبت منها الفقرات التي تناقض اتفاق اوسلو (من 1-14، من 16-18، ومن 25-27 و29).
وقد ورد هناك بأن حق اسرائيل في الوجود بسلام وأمن وطبقا لقرارات الامم المتحدة 242 و338. ويدور الحديث عن انهاء الصراع بالطرق السلمية. حررت قائمة البنود  وفقا لقائمة مشابهة تم نقلها للفلسطينيين من قبل سكرتير حكومة نتنياهو داني نفيه. يمكن إيجاد هذه الحقيقة  في كتاب يوسي بيلين «المرشد لحمامة جريحة».
عرض الاعلام الفلسطيني القرارات حول الغاء البنود المناقضة لاتفاق اوسلو كتخلٍ عن الميثاق الفلسطيني، واعتبرته «حماس» «السطر الاخير في استشهاد الميثاق الوطني الفلسطيني».
يمكن إيجاد هذه الحقيقة في مقال للبروفيسور ماتي شتاينبرغ بعنوان «عن العمى»، الذي نشر في الذكرى الـ 25 على اتفاق اوسلو ضمن مجموعة مقالات لمركز تامي شتاينميتس لابحاث السلام.
حقيقة اخرى هي أن م.ت.ف والسلطة الفلسطينية برئاسة عرفات تبنت مبادرة السلام العربية التي تمت المصادقة عليها في القمة العربية في آذار 2002. عرضت هذه المبادرة  على اسرائيل التطبيع مع الدول العربية وحل متفق عليه لمشكلة اللاجئين على اساس قرار الامم المتحدة 194 واقامة الدولة الفلسطينية على اساس خطوط 1967. قبل ذلك وافق عرفات على الصيغة السعودية الاصلية الاكثر اعتدالا والتي لم تشمل التطرق لمسألة اللاجئين، التي تمت اضافتها بضغط من سورية ولبنان.      
في العام 2003 سمح عرفات لعدد من مساعديه ومستشاريه بالتوقيع على «اتفاق جنيف»، الذي اشار الى «الاعتراف بحق الشعب اليهودي بدولة» والاعتراف المتبادل للطرفين بـ «فلسطين واسرائيل كوطن للشعبين». وبعد سنة على ذلك، في مقابلة قمنا باجرائها معه، محرر «هآرتس» دافيد لنداو وكاتب هذه السطور، سألنا عرفات: هل تفهم أن اسرائيل يجب أن تستمر في كونها دولة يهودية؟ وجوابه القاطع الذي كرره عدة مرات هو «بالتأكيد» («هآرتس»، 18/6/2004). وقد ذكر بقرار المجلس الوطني الفلسطيني من العام 1988 تبني مبدأ تقسيم فلسطين الى دولتين، بروح قرار التقسيم 181 الذي يشتمل على تعبير «دولة يهودية». وبعد فترة قصيرة اعلن عرفات في ستوكهولم بأن المجلس الوطني الفلسطيني تبنى مبدأ الدولتين، دولة فلسطين ودولة يهودية (اسرائيل).
لنفترض أن الفلسطينيين لم يغيروا حقا الميثاق، وامتنعوا عن الاعتراف بحق اسرائيل في الوجود وفضلوا تخليد النزاع. فماذا يقترح اتباع بورات أن نفعل مع «هذه الحقيقة»؟ أن نقوم بضم المناطق، أن نحول اسرائيل الى دولة ابرتهايد مصابة بالصرع وتخليد النزاع، أي أن نقوم بتطبيق هذا الميثاق؟ لقد حظيت بالتعرف على شوكه. وهو لم يكن من رعايا نظام الابرتهايد، وايضا لم يكن مع الحياة على حد السيف.

عن «هآرتس»