أسدلت انتفاضة ديسمبر السودانية الستار على حقبة قاتمة استمرت سنوات طويلة، شهدت اضمحلالاً فنياً وثقافياً كبيراً، خصوصا في الجوانب المتعلقة بالفن البصري مثل المسرح والسينما.
وشهدت الأشهر الثمانية التي تلت سقوط نظام الإخوان في أبريل 2019 تنظيم أكثر من 320 فعالية وتظاهرة ثقافية وفنية في مختلف مدن البلاد.
كما بدأت الهيئات الثقافية، مثل اتحاد الكتاب والمسرحيين والسينمائيين في تجميع أوراقهم التي بعثرتها آلة الإخوان التي عملت على هدم وتدمير العمل الإبداعي بكل السبل، وتشويه المشهد الثقافي من خلال الترويج لأطروحات "جهادية" عبر المسرح والموسيقى وغيرها.
وأبدى كتاب ونقاد ومسرحيون سودانيون، التقتهم "سكاي نيوز عربية"، تفاؤلهم الشديد حيال مستقبل النشاط الثقافي والفني في السودان في ظل التحولات الكبيرة التي تشهدها البلاد.
وأشاروا إلى أن مشهد الاعتصام أمام القيادة العامة في أبريل الماضي شكل مؤشرا قويا على بدء عودة الأضواء إلى الخرطوم وبقية المدن السودانية.
يقول نادر السماني، السكرتير العام لاتحاد الكتاب السودانيين، إن "فكر وممارسة تنظيم الإخوان الذي حكم السودان 30 عاما كان لا يقبل الإبداع، خصوصا الإبداع البصري المتمثل في السينما والمسرح".
وأضاف: "لذلك عمل النظام على قمع وكبت الحريات الإبداعية خلال السنوات التي سبقت اتفاقية نيفاشا في 2005، قبل أن تسترد الساحة الثقافية جزءا يسيرا من عافيتها المفقودة".
ويرى السماني أن "ثورة ديسمبر نجحت بامتياز في إعادة الحياة إلى المشهد الثقافي في البلاد، وأيقظت فيه روح الإبداع، لأن الثورة بطبيعتها ثورة جماهيرية صرفة تماهت مع الفعل الثقافي الذي عادة ما يستمد زخمه من الجمهور بمختلف تكويناته وتوجهاته".
وأوضح أن ذلك برز بشكل جلي من خلال الفعاليات الثقافية العديدة التي نُظمت في ساحة الاعتصام أمام القيادة العامة للجيش في الخرطوم وأماكن التجمعات الأخرى في مختلف مدن السودان، والتي تجسدت في شكل جداريات وأعمال كوميدية وغنائية ومراسم وندوات وأناشيد وشعارات ثورية تعبر جميعها عن واقع جديد.
وحول مستقبل الحراك الثقافي في السودان، يقول السماني "إن مناخ الحريات الحالي يؤسس لبناء قاعدة ثقافية راسخة تشكل امتدادا لحقب الإبداع التي عاشها السودانيون قبل أن يتعرض العمل الثقافي للكبت والتضييق خلال السنوات الماضية".
ويبدي السماني تفاؤله بالمستقبل مستندا إلى حجم الحراك الثقافي في مدن السودان المختلفة خلال الأشهر القليلة الماضية، مشيرا إلى عدد من المسرحيات والأعمال الفنية التي قدمت، والتي ما كان لها أن ترى النور لولا مناخ الحريات الذي ساد البلاد عقب نجاح الثورة.
ووفقا للسماني، فقد شرع اتحاد الكتاب السودانيين بوصفه أحد العناصر الرئيسية للمكون الثقافي، في وضع وصياغة سياسات تهدف إلى ترسيخ العمل الثقافي.
وأوضح أن الاتحاد عقد سلسلة من اللقاءات مع عدد من الوزراء والمسؤولين ونظم أكثر من 64 فعالية تصب جميعها في اتجاه تهيئة الأرضية المناسبة لإحداث انطلاقة ثقافية غير مسبوقة.
وفي السياق ذاته، يقول الروائي والشاعر عادل سعد إن "ملامح المشهد الثقافي الجديد في السودان بدأت تظهر منذ الأيام الأولى للثورة في ساحة الاعتصام من خلال شعار السلمية الفريد الذي رفعه الثوار وحافظوا عليه في أحلك الأوقات".
ويؤكد سعد أن "ذلك الشعار فجر طاقات إبداعية غير مسبوقة تمت ترجمتها سريعا وبتلقائية شديدة إلى أعمال ثقافية حولت ساحة الاعتصام إلى مسرح إبداعي مفتوح تستوعب أعماله كافة ألوان الطيف الثقافي والفني".
ويرى سعد أن المشهد الثقافي السوداني "سيكون على موعد مع تحولات إيجابية كبيرة في المستقبل القريب، نظرا لتوفر البيئة الإبداعية والكوادر الثقافية القادرة على تجسيد الإبداع وصناعة منتوج ثقافي يسهم في تحقيق الغايات الكبرى للشعب السوداني، إضافة إلى التنوع الكبير الذي يتمتع به المجتمع السوداني".
ويربط الكاتب والمترجم صلاح محمد الحسن، بين "حالة النشاط التي شهدتها الساحة الثقافية عقب ثورة ديسمبر والإحساس العام الذي ساد مختلف فئات المجتمع خلال الاشهر الماضية".
وأضاف أن هذه الحالة "رفعت الشعور بالانتماء وأصبح أي فرد من المجتمع يشعر بأن هذه المرحلة تخصه، وهو ما أخرج الكثير من المخزون الإبداعي الكامن إلى العلن".
لكن الحسن يرى أن هنالك الكثير من العمل الذي يجب القيام به خصوصا في جانب خلق المواعين اللازمة لاستيعاب طاقات الشباب الإبداعية وفتح المجال أمامها لتنطلق بحرية كاملة.
ويطالب الحسن بضرورة الخروج من القوالب القديمة والاستفادة من الروح الجديدة المستلهمة للسلمية، والتي يمكن أن تترجم في شكل أعمال فنية وإبداعية تدعم نهج السلام والتعايش بين مختلف مكونات الشعب السوداني.