المعركة السياسية: أبو مازن تهديد إستراتيجي لإسرائيل

حجم الخط

بقلم: غيرشون هكوهن*


استقبل أبو مازن قرار المدعية العامة في المحكمة الدولية في لاهاي برضا. فالقرار يدفع إلى الأمام بالاستراتيجية التي وضعها مع تسلمه منصب رئيس السلطة الفلسطينية في العام 2004. في تلك الأيام شرح بأن «الإرهاب» الفلسطيني، الذي أوقع منذ بداية الانتفاضة الثانية أكثر من ألف قتيل إسرائيلي، لم ينجح في دفع المجتمع الإسرائيلي إلى الانهيار، ولم يوقف بناء المستوطنات، ولم يؤدِ إلى تحرير الوطن. العكس تماما، برأيه: ألحق «الإرهاب» ضرراً بالقضية الفلسطينية. صمّم هذا الفهم نهجا جديدا: «أوقفوا عسكرة الانتفاضة. دعونا ننفذ مسؤولياتنا ونقنع العالم بأننا أدينا واجبنا... (صحيفة «الرأي» الأردنية 30/9/2004).
ما كان يمكن أن يبدو كتحفظ على طريق «الإرهاب» وتوجُّه إلى طريق السلام، أدى عمليا إلى معركة سياسية في الساحة الدولية. فقد سعى أبو مازن من خلالها ليحشد إلى جانبه محافل نفوذ دولية: مؤسسات الأمم المتحدة، الاتحاد الأوروبي، المحكمة الدولية في لاهاي، ومقاطعة الـ»بي دي اس». يوم الجمعة الماضي، في مقال جديد في «معاريف» دعا رئيس الوزراء السابق، ايهود اولمرت، للتركيز في حملة الانتخابات القريبة القادمة على استئناف المفاوضات مع السلطة الفلسطينية بقيادة أبو مازن. فقد قال إن «غياب مثل هذه المفاوضات ليس اقل من عملية مضادة استراتيجية ضد المصلحة الوجودية العليا لدولة إسرائيل. يجدر بنا أن نذكر كيف بدا، حسب أولمرت، المخطط الأساس للمفاوضات مع أبو مازن. فالفجوة بين خريطة أولمرت التي طرحها على أنابوليس وبين خريطة رابين كبيرة وجديرة بالتشديد.
في خطابه الأخير في الكنيست (5/10/1995)، في المداولات على المرحلة الثانية من خطة «أوسلو»، رسم رابين الخطوط الهيكلية الأساس: «القدس موحدة تضم أيضا (معاليه ادوميم وجفعات زئيف) كعاصمة لإسرائيل وتحت سيادة إسرائيل». المبدأ الثاني: «حدود الأمن لحماية دولة إسرائيل تتقرر في غور الأردن بالتفسير الأوسع لهذا المفهوم». وبالنسبة لمكانة الدولة الفلسطينية قال: «ستكون هذه كيانا هو أقل من دولة، يدير بشكل مستقل حياة الفلسطينيين الخاضعين لإمرته».
في أساس نهجه، فهم اسحق رابين اتفاق أوسلو كمسيرة بين إسرائيل وبين الفلسطينيين، يقوم بالتطلع لمردود متبادل. ولكن في المنحدر السلس الذي علقت فيه المسيرة، انهارت كل مبادئ رابين. منذ التنازلات غير المسبوقة لرئيس الوزراء الأسبق، ايهود باراك، في كامب ديفيد 2000 والتي واصلها اولمرت، تثبت تقسيم القدس، تنازل مطلق عن غور الأردن، ودولة فلسطينية بسيادة كاملة كنقطة انطلاق للمفاوضات. إضافة إلى ذلك، تثبتت السابقة لتبادل الأراضي مقابل «الكتل الاستيطانية» التي مجتمعة لا تكون اكثر من 3 – 6 في المئة من مساحات «يهودا» و»السامرة» وغور الاردن، وفيها مناطق إسرائيلية حيوية في منطقة عراد، سلسلة جبال يكير، وغابة باري في غلاف غزة.
من جانب الفلسطينيين، تبلور فهم قوة الابتزاز التي توجد في ايديهم: كلما كان ضروريا لإسرائيل المسارعة إلى الانفصال، كمصلحة إسرائيلية، هكذا يكون بوسع الفلسطينيين أن يجبوا ثمنا أكمل مقابل الخطوة دون مقابل حقيقي.
في هذه الأثناء يتجاهل الناس في الخطاب الإسرائيلي ما سبق أن نشأ في التحقق الكامل لاتفاق أوسلو الانتقالي. فكل السكان الفلسطينيين في غزة وفي مناطق «أ» و»ب» في «يهودا» و»السامرة» نقلوا إلى حكم السلطة الفلسطينية. منذ كانون الثاني 1996 انتهى الحكم الإسرائيلي على 90 في المئة من الفلسطينيين. تبقى الخلاف على القدس الشرقية والمجال المتمثل في «يهودا» و»السامرة»، أي مناطق «ج». وتتضمن هذه المجالات كل المستوطنات، معسكرات الجيش الإسرائيلي، الطرق الرئيسة، المناطق المشرفة الحيوية وغور الأردن. هذه المجالات، التي رسمها اسحق رابين شخصيا، تعبر عن المجال الحيوي لإسرائيل بوجودها والدفاع عنها.
وضد هذا يوجه أبو مازن المعركة السياسية، وهذه خطيرة على دولة إسرائيل بقدر لا يقل عن الكفاح المسلح الذي تقوده «حماس» و»الجهاد الإسلامي» في قطاع غزة. ومع النفوذ الإيراني المتعاظم، بنصب غلاف من التهديدات على حدود إسرائيل في الشمال وفي الجنوب، فإن الدخول في مفاوضات مع أبو مازن في إطار مخطط باراك – اولمرت ينطوي على تهديد وجودي على دولة إسرائيل.

عن «إسرائيل اليوم»

*لواء احتياط باحث في مركز بيغن - السادات.