قراءة في تداعيات اغتيال قاسم سليماني

حجم الخط

بقلم: يونس العموري

 

مرة اخرى نعيش لحظات الترقب ومحاولة استنباط مجريات الأحداث، وهل من الممكن ان يكون الذي من المفروض ان يكون..؟ ووقف غطرسة شرطي المنطقة وجنون سادة البيت البيض ونظرتهم الفوقية المتعالية المستكبرة للمنطقة ، وخوض المعارك خارج حدود بلاد العم سام.

مرة اخرى نجدنا نستجدي رد الفعل على الفعل العنيف المباغت بصرف النظر عن التمركز بالوسط كان او بذات اليسار او ممارسة اعتى اشكال التطرف من خلال استحضار صراع يزيد ومعاوية هناك عند تلة الخلافة والأحقية بالبيعة والمبايعة لإمارة المؤمنين، اوباصدار الموقف والقدرة على التحليل. ونجدنا كما هي العادة منقسمين ما بين مؤيدين لفعل الصواريخ الامريكية التي استهدفت احد قادة المنطقة الذي ظل يشكل الهاجس ربما الاكبر لسادة القارة الإمريكية، فقد قتلوه بعد ان أدركوا خطورة انتصاراته بمعارك المصير في العراق وسوريا وتمترس العمائم الحسينية في لبنان وانه القادم الى شواطىء المتوسط دون منازع، بعد ان فشلت بيداء الخليج والعربان العاربة المستعربة في امتلاك المشروع الذي من شأنه تقويض الزحف الكبير لكسرى الفارسي بالمنطقة.

والحديث هنا لمنطق القوة وقوة المنطق غائبة عن المشهد الحديث في ظل الضياع للهوية العروبية التي تحاول جاهدة القفز الى منصات التتويج في كافة الميادين الصارخة المستصرخة للحرية، بعيدا عن اشكال التخندق هنا او هناك. ويظل السؤال في ظل هذا الاغتيال لقاسم سليماني رأس حربة المشروع الايراني الإقليمي: ماذا بعد...؟ وهل ستظل المنطقة تُدار من خلال الحرب الباردة ما بين امريكا وحلفاءها من جهة وايران ومحورها الممانع المقاوم من جهة اخرى من خلال الحرب الباردة والدائرة على ساحات المنطقة الملتهبة العراق ولبنان وفلسطين والى حد ما سوريا؟ ماذا بعد هذا الاغتيال، وهذا القتل.؟

وهو السؤال الأكثر رواجا هذه الأيام، حيث ان الكل يحاول جاهدا ان يبحث عن اجابات، وعن ماهية الوضع المتوقع ما بعد غياب قاسم سليماني، وما ستؤول اليه الأمور على المستوى الإقليمي وتحديدا فيما يخص الثالوث المرعب للسياسات المتصارعة على الساحة ( سوريا والعراق ولبنان، المرتبطة بشكل جدلي بالقضية الفلسطينية ). ولعل هذا السؤال قد أصبح هاجسا مقلقا لكل صُناع السياسة في المنطقة، حتى أن عواصم التأثير تحاول هي الأخرى الإجابة عن التساؤل حول ما يعزز سياستها ومصالحها أولا وقبل كل شيء، والإشارة هنا الى العواصم التي بلا شك لها ارتباطات محورية كانت قد صنعتها وخلقتها كمقدمة لما يجب ان تكون عليه المواجهة او اللامواجهة، على اعتبار ان المواجهة قد تكون متطلبا عملانيا لسياسات الحسم لدى المحور الأمريكي، الأمر الذي يعني محاولة تعزيز نهج سياسة محور ما يسمى بالإعتدال العربي الرسمي بعد ان عجز هذا المحور عن امتلاك زمام المبادرة وفرض رؤيته السياسية على المنطقة برمتها، لا سيما وان عناصر ترويج المنهج الأمريكي السياسي وتباعته العربية قد فقدت مصداقيتها خصوصا فيما يخص بؤر الصراع الأساسية. 
كما ان انظمة الاعتدال العربية قد فقدت بالتالي إمكانية الطرح الجديد الذي قد يمثل وجهة النظر العربية الرسمية أو محاولة فرض الرؤية الاعتدالية على اعتبار عدم الثقة بما قد تأتي به هذه الأنظمة الموصوفة بأغلب الأحيان بالخانعة للسياسات الأمريكية على الأرض العربية.

ولعل نجاح محور المقاومة والممانعة بالسيطرة على زمام الأمور في المنطقة حتى اللحظة، يمثل التحدي الأكبر لهذه الأنظمة التي حاولت تقويضها وستحاول بشتى السبل والوسائل وتنفيذا لأوامر البيت الأبيض حسم المواجهة بطرق اخرى غير تلك المعتادة سياسيا ودبلوماسيا، طالما ان الطرف الآخر بمعادلة المحاور قد اظهر الكثير من الصمود والممانعة في مواجهة السياسات أميركا وحلفائها، وهو الأمر الذي يعني فيما يعنيه تطور عملية الصراع على الأرض بلغة قد تكون أخرى بعيدة عن سياسة المناكفات السياسية وتعطيل المشاريع عبر القنوات الدبلوماسية السياسية.

وعلى هذا الأساس اعتقد أن المصلحة الأمريكية وبالتالي العربية الإعتدالية تتجه هذه المرة للحسم بلغة أخرى، وان كانت باهظة التكاليف والأثمان.. وحيث ان رأس حربة المحور المضاد غير مضطرة لتقديم االتنازلات السياسية أو دخولها في بازار المجاملات الرسمية الدبلوماسية فإنها بالتالي ستذهب باتجاه مواجهة التصعيد بالتصعيد وهنا علينا الإنتظار أكثر ... وهو السؤال الأكثر الحاحا اليوم والمتمثل برأيي: ماذا ستكون عليه حال المنطقة..؟

بمعنى هل سنشهد (هبوب رياح ساخنة وحملات متبادلة) أم سيكون هناك نوع من التهدئة على الأقل بهدف قطع الطريق على تصعيد إضافي والحيلولة دون المزيد من التدهور في لبنان، وإمكانية اعادة اللحمة الوطنية والوحدة الجغرافية في فلسطين، ووقف الإستنزاف البشري بالعراق وأخذ زمام المبادرة بهدف وقف المتاجرة بالدم العراقي.

بلا أدنى شك إن الواقع العربي لم يعد على هامش الخطر، بل في أتونه الفعلي.. والكل العربي الرسمي يدرك هذه الحقيقة، وبالتالي يحاول أن يحمي مصالحه القطرية، وإن كان ذلك على حساب المصلحة القومية، مع الأخذ بعين الإعتبار ان حقيقة المصالح الضيقة للأنظمة العربية بعيدة كل البعد عن الفهم الموضوعي للمصالح ووقائعها، وبالتالي فإن هذه المصالح إنما تعبر أولا عن مصالح المحاور وامتدادتها، وهو الأمر الذي يبدو جليا وواضحا من خلال تعبير كل جهة محورية مضادة للمحور الآخر عن أجندتها السياسية، وبالتالي الارتباطية مع السيد والراعي لهذا المحور أو ذاك.