اغتيال سليماني لن ينهي نشاطات إيران في المنطقة.. ولكن

حجم الخط

بقلم: رون بن يشاي*


اغتيال قاسم سليماني لن ينهي نشاطات إيران التآمرية في الشرق الأوسط، ولا تطلعاتها إلى الهيمنة. هذه الأمور ستستمر، والمواجهة مع الولايات المتحدة ومع حلفائها في المنطقة ستزداد حدة نتيجة العملية التي وقعت في بغداد، فجر الجمعة، لكن على الرغم من اللهجة الحربية، سيمتنع الإيرانيون، على ما يبدو، من القيام بخطوات تؤدي إلى حرب مع الأميركيين أو مع إسرائيل.
هم سينتظرون الوقت الملائم للانتقام، ربما بوساطة إطلاق النار على الأراضي الإسرائيلية من خلال ميليشيات شيعية في سورية، وربما حتى من غزة، لكن فيما يتعلق بالهجمات الانتقامية الجوهرية، من المعقول الافتراض أنهم سينتظرون بعض الوقت، حتى يقوموا بالإعداد لها استخباراتياً وعملانياً.
للحرس الثوري قائد إسلامي متشدد هو حسين سلامي، الذي قال إن بلاده لا تخاف من الولايات المتحدة، وإنه مستعد للعمل.
فيلق القدس في الحرس الثوري كان تنظيماً إرهابياً، خصوصيته أنه كان يعمل بوساطة وكلاء - ميليشيات شيعية - في كل الشرق الأوسط.
اغتيال سليماني سيعطّل عمل التنظيم مثلما عطّل اغتيال عماد مغنية عمليات «حزب الله»، الذي لم يتعافَ منه فعلاً حتى اليوم.
اغتيال سليماني لن يقضي على فيلق القدس، بل سيعطّله وسيجبره على العمل بمزيد من الحذر.
يجب التشديد على أن اغتيال سليماني مع أحد كبار مسؤولي الميليشيات الشيعية في العراق هو ضربة للوعي، وضربة صعبة للمعنويات ولهيبة الحرس الثوري، وللنظام في طهران.
لكنها لن تؤدي إلى تغيير الاستراتيجية الإيرانية في الشرق الأوسط، بل يمكن أن تزيد جهود «تصدير الثورة الشيعية»، المجال الذي كان سليماني مسؤولاً عنه مباشرة، بالإضافة إلى تطلع إيران إلى الهيمنة في الشرق الأوسط.
ضربة بهذا الحجم الكبير، لن يرد النظام الإيراني عليها بضربة تحت الحزام، بل سيدرس طريقة، ومن المحتمل جداً أن يواصل استراتيجيته الحالية، مفادها انتظار نتائج الانتخابات في الولايات المتحدة في تشرين الثاني هذه السنة، مع محاولة التقليل من الضرر الاقتصادي ومن تهديد بقاء النظام، إلى أن يتضح إذا ما كان دونالد ترامب سيبقى في البيت الأبيض.
إذا صح ذلك، ستذهب إيران، على ما يبدو، إلى مفاوضات بشأن تغيير الاتفاق النووي بينها وبين الدول العظمى.
بالنسبة إلى ترامب، هذا إنجاز من الصعب المبالغة في أهميته، في الأساس في سنة انتخابات، وهو يُضاف إلى اغتيال زعيم «داعش» أبو بكر البغدادي.
من المعقول الافتراض أن الأميركيين الذين هاجموا من الجو المركبتين اللتين كانتا تقلان سليماني ورفاقه من مطار بغداد، استعانوا بعناصر استخباراتية إضافية في المنطقة.
من المفيد أن نعرف أنه بعد اغتيال شخصية بهذا المستوى الكبير - ورَثته، في الأساس قادة الحرس الثوري، يمكن أن يردوا بهجمات في الخارج ضد أهداف أميركية، وربما أيضاً إسرائيلية. هم فعلوا ذلك في الماضي، رداً على هجمات كانت في نظرهم أقل بكثير. لذلك يتعين على الولايات المتحدة وعلى إسرائيل أيضاً رفع مستوى حماية السفارات والمنشآت عدة درجات، ويجب على السياح أن يكونوا حذرين. الجيش الإسرائيلي اتخذ إجراءات تأهب. وطلب رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو من كبار المسؤولين عدم التعليق بقدر الممكن على هذا الموضوع.
لإسرائيل حساب طويل مع سليماني، الذي يُعتبر من المتورطين أيضاً في الهجوم على مبنى الجمعية اليهودية في بوينس أيريس في سنة 1994، وفي الهجوم على باص السياح الإسرائيليين في بورغاس في بلغاريا في سنة 2012، وفي ثلاثة حوادث إطلاق نار على الأقل على الأراضي الإسرائيلية، وفي هجوم المسيّرات الذي لم ينجح.
لكن جوهر خطره كان في جهوده لإقامة جبهة شيعية إضافية ضد إسرائيل في سورية، بدءاً من سنة 2017.
لقد حاول إقامة منظومة مشابهة لمنظومة الصواريخ والقوات البرية لدى «حزب الله» في لبنان - مع ميليشيات شيعية من سورية والعراق، ومن أفغانستان وباكستان.
الخطة الأصلية، بحسب رئيس الأركان السابق غادي أيزنكوت، هي الإتيان بـ100 ألف من عناصر الميليشيات إلى مكان قريب من الحدود مع إسرائيل. بالإضافة إلى آلاف الصواريخ والقذائف الدقيقة إلى سورية، وكذلك بطاريات مضادة للطائرات حديثة للمساس بقدرة سلاح الجو الإسرائيلي.
كان سليماني أيضاً على رأس مشروع تحسين دقة عشرات آلاف الصواريخ والقذائف التي يحوزها «حزب الله».
بفضل المعركة بين الحروب التي خاضتها إسرائيل في الأساس ضده، لم ينجح سليماني في تحقيق كل خططه.
يوجد اليوم في سورية نحو 45 ألف عنصر من الميليشيات، يتمركزون في الأساس في منطقة إدلب في الشمال، وفي منطقتي البوكمال والقائم على الحدود مع العراق.  تحمي هذه القوات الممر البري الذي حاول من خلاله أنصار سليماني تهريب صواريخ إلى سورية.
على الرغم من الفشل في الجبهة السورية، أقام سليماني هناك أيضاً بنية تحتية، ومن المعقول جداً الافتراض أن وريثه، أو الذين سيرثونه، سيحاولون استخدامها لشن هجمات انتقامية ضد إسرائيل، بما في ذلك صواريخ بحرية وطائرات من دون طيار.
الجيش الإسرائيلي سيزيد تأهبه بصورة كبيرة، والذي سيستمر فترة طويلة، في الأساس في مجال الدفاع الجوي، وإغلاق الحدود في وجه الهجمات.
الحاج قاسم سليماني مات في الـ62 من عمره، وهو أب لثلاث فتيات. وهو من الشخصيات المقربة جداً من المرشد الأعلى علي خامنئي الذي تعامل معه كابنه، وكان يقبل نصائحه، حتى عندما تعرّض سليماني لانتقادات أشخاص آخرين في النظام مثل الرئيس حسن روحاني.
منح خامنئي سليماني لقب «الشهيد الحي للثورة»، وربما هذه نبوءة تحققت اليوم. في شبابه كان عامل بناء، وبعدها عمل تقنياً في مجال المياه في مسقط رأسه كرمان في وسط إيران.
بعد الثورة في سنة 1979، انضم إلى الحرس الثوري وتفوّق في الحرب العراقية - الإيرانية في الفترة 1980 - 1988.
بعد مرور عشر سنوات، تحوّل إلى قائد لـ «فيلق القدس» في إطار الحرس الثوري، وتولى المهمة الدينية لتصدير الثورة الإسلامية الشيعية إلى الشرق الأوسط، في الأساس إلى الدول التي توجد فيها أقليات شيعية كبيرة مسيطرة على هذه الدول، مثل العراق ولبنان وسورية واليمن.
خلال سنوات، بحسب تقارير متعددة، كان في مقدور الأميركيين اغتيال سليماني الذي حاربهم في العراق في تسعينيات القرن الماضي، لكنهم امتنعوا من ذلك في الأساس لأنه ساعدهم كثيراً في الحرب ضد تنظيم داعش.
لكن الحرب العلنية التي شنها سليماني ضد الأميركيين في الفترة الأخيرة في العراق، بموافقة المرشد الأعلى، أدت إلى تغيير سياسة واشنطن: أصبح سليماني هدفاً مشروعاً للاغتيال، لأنه يشكل خطراً حقيقياً ومباشراً على جنود ومدنيين أميركيين، في العراق وفي كل الشرق الأوسط. بعبارة أُخرى، تحول سليماني مؤخراً إلى قنبلة موقوتة، ليس فقط بالنسبة إلى إسرائيل، بل أيضاً بالنسبة إلى إدارة ترامب، لذلك اتخذ قرار اغتياله.
وقعت على الأقل محاولتان لاغتيال سليماني في الماضي لم تنجحا. تحدث سليماني عن إحداهما علناً في مقابلة تلفزيونية. حدث هذا في لبنان في سنة 2006 خلال حرب لبنان الثانية، إذ ادّعى أن سلاح الجو الإسرائيلي حاول اغتياله عندما كان مع عماد مغنية، رئيس أركان «حزب الله»، الذي اغتيل بعد عام ونصف العام من ذلك.
الاغتيال الذي نجح حالياً لن يؤدي إلى نهاية محاولات إيران تصدير الثورة بوساطة عمليات فيلق القدس، لكنه سيعرقلها بصورة كبيرة - لأن سليماني كان شديد المركزية، وكان يمسك شخصياً بكل الخيوط، وسيطر على الوكلاء الذين استخدمتهم إيران.
السيطرة على هذه المنظومة تتطلب وقتاً، وكذلك للحصول على ثقة كل الأطراف التي كان يتعامل معها سليماني، لأنه كان يتمتع بثقة كبيرة وله مكانة دينية تقريباً.
على ما يبدو، لن تدخل إيران في حرب مع الولايات المتحدة، لكنها ستبذل كل ما في وسعها لترميم كرامتها، وفي الأساس معنويات أنصارها وأنصار المرشد الأعلى التي تضررت بصورة قاسية.
لم يكن سليماني من بين الأشخاص المهمين في نظام آيات الله، بل كان مشمولاً برعاية خامنئي الذي لا يتورع عن استخدام أي وسيلة: مؤخراً، أعطى أوامر بقتل مئات - ربما أكثر من ألف - من المتظاهرين في بلده.
رجل كهذا لن يتردد في البحث عن انتقام. مع ذلك، من الواضح أن تحضير مثل هذا الانتقام سيأخذ وقتاً. الإيرانيون ليسوا مستعجلين.

عن «واي نت»
*محلل عسكري.