سلام إسرائيل امتداد للحرب

حجم الخط

بقلم: أنطوان شلحت

 

أذيع، في أواسط كانون الأول الفائت، على استحياء خبر إغلاق مركز أبحاث السلام في جامعة تل أبيب الذي تخصّص أكثر ما تخصص بنشر ما عرف باسم "مؤشر السلام"، منبئًا، من ضمن أمور أخرى، بدلالة تآكل مصطلح السلام في الخطاب الإسرائيلي العام، في الأقل على مدار الأعوام التي انقضت منذ تأسيسه عام 1992، فيما بدا آنذاك أنه ارتباطٌ بانطلاق محادثات السلام في مؤتمر مدريد في طريقٍ لم تكن مشقوقة من قبل.

وهي الدلالة عينها التي حملها نطاق إشهار الخبر بهذا النحو، والذي كاد أن يقتصر، وفقًا لـ"جوجلةٍ" خاطفة، على وسيلة إعلام إسرائيلية وحيدة، هي صحيفة "هآرتس"، ذات الأجندة السياسية الواضحة في هذا الصدد. وأبرزت الصحيفة، من خلال إيراد الخبر، استنتاجاتٍ فكريةً ذات مغزى، بما في ذلك لبعض أساتذة الجامعة، بينها استنتاج أحد محاضري الفلسفة الذي رأى أن موضوع السلام أقصي في المؤسسة الأكاديمية، كما هي صيرورته في أوساط الجمهور الواسع، مستفظعًا أن تنأى هذه المؤسسة بنفسها عن الحديث في هذا الموضوع، تماشيًا مع الجو العام السائد في دولة الاحتلال، ومعتبرًا هذه الخطوة بمثابة خطأ خطر للغاية.

ويُشنّ في الأعوام الأخيرة هجوم أيديولوجي على الجامعات الإسرائيلية، وبرسمه جرى تناول دور المؤسسة الأكاديمية في دولة الاحتلال، لا من خلال ما يريد أصحاب هذا الهجوم الإيحاء به، وهو أنها خاضعة لـ"تأثير اليسار"، وإنما من طريق كشف قرائن متراكمة عن انخراطها الطوعي في تدعيم سياسات الدولة في شتى المجالات، والكشف عن كونها أداة تستعين بها المؤسستان، السياسية والعسكرية، على الدوام. في هذا السياق، جادل بعضهم بأن من الأجدر تناول دور الأكاديميين الإسرائيليين، وليس دور المؤسسة الأكاديمية، كون مصطلح "أكاديميا" اسم علم مُجرّدا، وتعميما جارفا، ولا يمكن اعتبار صاحبه وكيلًا أخلاقيًّا، ناهيك عن أن المؤسسة الأكاديمية تحوي تناقضاتٍ بنيوية بين جهاتٍ ذات مصالح متعارضة. وبالتالي لا يمكن التحدث عن دورها أو وظيفتها بصورة عامة. كذلك يكمن في الميل نحو تطبيق الخطاب الأخلاقي على أسماء مُجرّدة إلصاق تهمة جماعية بأفراد أبرياء، وإعفاء أفراد، يتحمّلون مسؤولية بالفعل، من وطأة المحاسبة الأخلاقية الشخصية.

ويمكن أن يحيل نبأ إغلاق مركز الأبحاث المذكور إلى تداعياتٍ كثيرةٍ جلّها مرتبط بالسلام في الخطاب الإسرائيلي العام الآن.

أول هذه التداعيات أن هناك إغلاقًا لدائرة من الفشل في إرساء النقاش السياسي الإسرائيلي الداخلي على قاعدة صراعٍ بين أنصار السلام ومؤيديه، كما كانت الحال، بكيفيةٍ ما، إبّان فترة اتفاقيات أوسلو، فما عاد ثمّة اليوم موطئ قدم لمثل هذه المصطلحات.

وثاني هذه التداعيات، وربما الأهم، أنه حتى عندما ظهر أن مصطلح السلام تقدّم إلى صدارة المشهد السياسي الإسرائيلي، تحديدًا في نطاق العلاقة مع الفلسطينيين، لم يتخلص من ربقة المداليل التي تحيل إلى الحرب أولًا وقبل أي شيء. وتأتى عن استلهام جملة المنظر العسكري، كارل فون كلاوزفيتز، أن "الحرب امتداد للسياسة ولكن بطريقة أخرى"، سكّ جملة أن "السلام الإسرائيلي امتداد للحرب ولكن بطريقة أخرى".

عليّ أن أشير هنا إلى دراسة إسرائيلية لافتة، نُشرت أخيرًا، وقفت في صلبها قراءة الغايات المنشودة مما سمته تلازم مصطلحي السلام والحرب في الخطاب الإسرائيلي على مرّ الأعوام، تؤكد أن الهدف من هذا التلازم داخل الحقل الدلالي، المتعلق بالخطاب المهيمن، هو طمس التناقض الأساسي بينهما، كما تشفّ عباراتٌ مثل "حرب سلام الجليل" و"جنود السلام" و"ضحايا السلام"، بل وحتى وصف مؤيدي السلام بعبارة "معسكر السلام" المأخوذة من القاموس العسكري.

وأبلغ ما صدر عن الدراسة أن أول جدل دار بين حربي 1967 و1973 وما حفلت به من "مبادرات سلام" شفّ عن أمر أساسي، هو كثرة الكلام عن السلام، بموازاة التجاهل العمد لما ينبغي أن يشتمل عليه من مضامين، وكانت النتيجة تآكله بشكل عام، سواء كمصطلح ومحتوى، أو كروح ثقافية وغاية سياسية مُشتهاة.

عن "عرب ٤٨"