إعلانُ وزير الحرب الإسرائيلي نفتالي بينت مؤخراً عزم حكومته ضمّ المنطقة "ج"، التي تشكّل 60 بالمائة من مساحة الضفة الغربية، وما حظي به من تأييدٍ من قِبل السفير الأمريكي ديفد فريدمان ورئيس الحكومة بنيامين نتانياهو على حد سواء، يؤكد حقيقةً نراها كلّ يوم بأمّ العين وبتنا ندركها جيداً ألا وهي أنّ إسرائيل بدأت عملياً ورسمياً ضم أراضي الضفة الغربية.
ويبقى السؤال أمام كلّ فلسطيني: "إذا كانت خطة إسرائيل ضم أرضِنا المحتلة وتصفية قضيتنا، فما هي خطتنا نحن لمواجهتها؟"
كان واضحاً منذ اتفاق أوسلو عام 1993 أن إسرائيل تسير في اتجاه الاستيطان وصولاً إلى الضم، فهي لم ترفض تجميد الاستيطان في الاتفاق وحسب، بل عملت على تعبيد الطريق نحو الضمّ الفعلي من خلال تقسيم أراضي الضفة الغربية إلى ثلاث مناطق خصّصت الجزء الأكبر منها أي المنطقة "ج" للتوسّع الاستيطاني وصولاً إلى ما نحن عليه اليوم، وهو ضم هذه المنطقة أو الجزء الأكبر منها، بما فيها من مستوطناتٍ وأراضٍ في الأغوار وشمال البحر الميت، وحصر الوجود الفلسطيني في المدن والتجمّعات السكانية التي حوّلتها إلى معازل متناثرة في المشهد الاستيطاني.
يمكن لأي فلسطيني أن يشخّص هذه الحالة ويقدّم فيها المحاضرات أمام العالم، لكن السؤال المطروح هو: ماذا علينا أن نفعل لمواجهتها؟
أعتقد أنّه باستطاعتنا عمل الكثير ، وأولى الخطوات تبدأ من البيت الداخلي؛ فلا يمكننا مواجهة هذا الخطر المصيري ونحن في حالة انقسامٍ داخلي وصراعٍ على سلطة شكلية أراد لها الاحتلال أن تلعب دوراً محدداً وهو إعفاءه من إعطاء الفلسطينيين حقوقهم المشروعة كافة.
بات كلّ فلسطيني يعلم أنّ الانقسام تحوّل إلى انفصال بين الضفة الغربية وقطاع غزة ويدرك تماماً الصراعَ المحتدم على السلطة بين مراكز القوى المختلفة التي تتصرف وكأنها في كوكب آخر ويعرف مليّاً أن عملية الضم الممنهجة ما هي إلا تصفية مسارعة لقضيتنا.
أصبح جليّاً لنا أنّ الانقسام يمهّد الطريق للاحتلال الإسرائيلي لممارسة الضمّ والتصفية، فالانقسام يعزل قطاع غزة، ومعه مليونا فلسطيني، وراء الجدار ويتيح للاحتلال خوض معركة الضفة الغربية بسهولةٍ أكبر.
لذلك، فإنّ جديتنا في مواجهة خطط الاحتلال في الضم والتصفية تقاس بمدى جديتنا في إنهاء الانقسام أولاً ، ومن ثمَّ الذهاب إلى انتخابات عامة تنهي كلّ أشكال الصراع الجاري على السلطة، وتعيد أمر السلطة إلى صاحب الأمر وهو الشعب الفلسطيني العظيم الذي يملك وحده حقّ تقرير المصير واختيار القادة والمسئولين ومحاسبتهم على تقصيرهم إن حصل ومكافأتهم إن أظهروا إخلاصهم لشعبهم وقضيتهم.
كلّ الفلسطينيين يشاهدون يومياً مختلف مظاهر الفساد المستشري وسوء الإدارة والواسطة والمحسوبية في مختلف أشكال الخدمة الحكومية من التوظيف وحتى أبسط المعاملات، و لن تتوقف تلك الممارسات إلا من خلال الانتخابات وإعادة إحياء البرلمان ليتاح لممثلي الشعب ممارسة الرقابة على السلطة التنفيذية والمساءلة والمحاسبة وجميعها أسسٌ تعزّز صمود الشعب على أرضه وتقوّيه لمواجهة الاحتلال ومخططاته.
لا يمكننا كفلسطينيين إحياء النضال الوطني وإقناع الشعب بالمقاومة الشعبية إذا لم نوفّر له نظاماً قائماً على المساواة والعدالة وخالياً من الفساد والمحسوبية، فمن يراقب شيوع هذه المظاهر لن يقبل الإقدام على التضحية فيما يشاهد غيره يتلاعب بمقدّرات الشعب ويعيش في بذخٍ وترف على حساب تضحياته.
الديمقراطية الانتخابية هي الطريق إلى الإصلاح في التعليم والاقتصاد والأنظمة الحكومية، فمن خلال الانتخابات وتداول السلطة والمساءلة والرقابة يصعد أصحاب الكفاءات والمخلصون الذين يختارهم الشعب لتبوُّؤ مواقع المسؤولية، ويخضعون للمساءلة حول ما ينفّذون وما لا ينفّذون من برامج وحول ما يحققون وما لا يحققون من إنجازات.
إنّ أهم ما يميز الشعب الفلسطيني هو الاستعداد العالي للتضحية وتعدد الكفاءات وتنوّعها، لكن الوضع القائم يحول دون إطلاق المبادرات لمواجهة مخططات الاحتلال من استيطانٍ وضمٍّ وتصفيةٍ سياسية ويحول دون وصول الكفاءات إلى مواقع المسؤولية التي باتت حكراً على البعض.
نواجه لحظةً تاريخية والتاريخ هو من سيحكم علينا إذا كنَّا على قدر المسؤولية التاريخية أم أنَّنا أضعنا البوصلة من أجل مصالح حزبية وذاتية بائسة. نحن بحاجة إلى خريطة طريق وطنية لمواجهة التصفية النهائية الجارية لقضيتنا الوطنية تقوم على إنهاء الانقسام والمصالحة الوطنية وإجراء الانتخابات وإعادة إحياء البرلمان وتفعيل دور مؤسسات منظمة التحرير بين أبناء الشعب الفلسطيني في الوطن والشتات، إضافة إلى بناء القطاعات الاقتصادية الحيوية كافة كالتعليم والصحة والطاقة وغيرها .