حان الوقت لتوجيه «ضربة قاتلة» للإيرانيين في سورية

حجم الخط

بقلم: رون بن يشاي*


في المؤسسة الأمنية يقدّرون أن اغتيال قاسم سليماني سيؤدي إلى تغييرات نحو الأفضل - من وجهة نظر إسرائيلية - بشأن قدرة إيران على التأثير وإظهار قوة في الشرق الأوسط.
أكثر من هذا، يقول مسؤول أمني إسرائيلي كبير، إن التخلص من سليماني والوضع الذي نشأ في أعقاب ذلك يفتحان أمام إسرائيل نافذة فرص، يجب استغلالها لوضع حد للجهد الإيراني لإقامة وترسيخ جبهة ضد إسرائيل في سورية والعراق.
تستند هذه النظرية إلى تقدير أن النظام الإيراني هو اليوم في نقطة متدنية تاريخية.
العقوبات الاقتصادية التي فرضتها الولايات المتحدة "اقتطعت" أكثر من 9% من الناتج القومي الإيراني في السنة الماضية، وزادت في تدهور الوضع الاقتصادي.
الخطوات التي تلتف على العقوبات لا تكفي، وفي طهران محبطون من أن الأمل الذي علقوه على حقوق النفط والغاز والفوسفات وترميم المرافئ التي كانوا سيحصلون عليها في سورية واتفاقات التجارة مع العراق لم تتحقق.
بالإضافة إلى ذلك، تلقى خامنئي ونظامه ثلاث ضربات قاسية لحقت بصورته المعنوية وعلى صعيد الأداء؛ اغتيال سليماني، إسقاط طائرة الركاب الأوكرانية عن طريق الخطأ، والمحاولة الكاذبة والمرتبكة لإخفاء ذلك. فعلياً، إيران لم تخسر قدرتها على الإيذاء والتأجيج وزعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط، وتهديد سوق الطاقة العالمية، لكن النظام أصبح أقل ثقة بنفسه، وأظهر ارتباكه، وفي الأساس يتخوف من المجهول. ترامب المجنون نجح في إخراج آيات الله عن اتزانهم.
الضربة الأقوى كانت طبعاً اغتيال قائد فيلق القدس في الحرس الثوري، مع زعيم الميليشيات الشيعية العراقية، أبو مهدي المهندس، الذي كان "قائد قيادة العراق" في المنظومة التي أقامها سليماني في شتى أنحاء الشرق الأوسط، من غزة، وصولاً إلى اليمن.
إقصاء بطل وطني عن الساحة، والطريقة التي اغتيل فيها، عاشه ملايين الناس، معنوياً وعاطفياً، كضربة وحشية غير محقة وجّهتها "الغطرسة الأميركية" إلى الشعب الإيراني.
لكن بخلاف التصريحات الصاخبة التي سُمعت من كبار المسؤولين في إيران ومن نبوؤات الغضب في الولايات المتحدة وفي الشرق الأوسط، الرد الانتقامي للنظام كان مدروساً وحذراً للغاية.
إطلاق إيران صواريخ من أراضيها على قواعد أميركية في العراق، هو فعلاً أمر غير مسبوق بالنسبة إلى النظام الذي يحارب أعداءه فقط بوساطة وكلاء منذ 20 عاماً.
لكن الضربة الموجهة إلى الأميركيين كانت في الحد الأدنى، وأثبتت ما يدّعيه إيرانيون في المنفى طوال الوقت، وكذلك الخبراء في الموضوع الإيراني الذين يعرفون جيداً الشعب والنظام: الإيرانيون، وخصوصاً النظام الحالي، يرتدعون بسرعة عندما تُستخدم القوة ضدهم.
يمكن أن نفهم ذلك على خلفية صدمة الحرب العراقية - الإيرانية التي خسرت فيها الأمة الإيرانية جيلاً كاملاً من الشباب، لكن التاريخ يدل أيضاً على أن الشعب وزعماءه يدرسون ويفهمون جيداً متى تكون موازين القوى لغير مصلحتهم، وحينها يرتدعون ويبحثون عن مسار جديد.
طوال بضع ساعات قدّروا في الغرب وفي إسرائيل أن إيران ستكتفي في مرحلة أولى، وعلى الأمد القصير، برد غير فتاك على قواعد أميركية في العراق، وبعدها في المستقبل الأبعد، وبعد جمع المعلومات الاستخباراتية والتحضيرات العملانية، ستحدث موجة أُخرى من الهجمات، هدفها فرض انسحاب أميركي من العراق.
انسحاب القوات الأميركية من العراق هو هدف استراتيجي من المرتبة الأولى في إيران، عمل سليماني بقوة على تحقيقه بوساطة الميليشيات الشيعية العراقية.
بالنسبة إلى الإيرانيين، ما دام الأميركيون حاضرين في العراق على الحدود الإيرانية، فإن هذا تهديد مباشر وفوري للنظام، بالإضافة إلى ذلك، الوجود الأميركي العسكري لا يسمح لطهران بالعمل وإدارة مباشرة "للمحور الشيعي" (إيران، العراق، سورية، لبنان) بصورة تخدم مباشرة، ومن دون عقبات، المصالح الاقتصادية والاستراتيجية والعسكرية والدينية لنظام آيات الله.
إقامة هذا المحور كان مشروع حياة بالنسبة إلى سليماني. حتى الآن، وقبل أن ينجز، هو يمنح إيران نفوذاً وهيمنة وسط العرب في الشرق الأوسط، ومدخلاً مباشراً إلى الحوض الشرقي للبحر الأبيض المتوسط؛ بالإضافة إلى ذلك، هو يسمح لإيران بتطويق إسرائيل بمنظومات صواريخ وقذائف وقوات برية يحركها وكلاء مخلصون تمولهم إيران.
لكن ما دام هناك 5200 عسكري وعنصر استخبارات أميركي في العراق، فإنهم يغرسون شوكة في حلق إيران، ولا يسمحون لها بإنجاز هذا المشروع العظيم الذي تباهى به سليماني وسعى لتحقيقه.
لذلك، بذل سليماني جهوداً هائلة لمضايقة الأميركيين بوساطة ميليشيات شيعية عراقية، مفترضاً أن ترامب الذي يخاف من استخدام القوة، سييأس ويُخرج جنوده من العراق.
هذا الجهد هو الذي دفع ثمنه سليماني وقيادته العراقية من حياتهم. هم حتى النهاية لم يفهموا ما الذي يحرك ترامب، لذلك ذهبوا إلى أبعد مما يتحمله الرئيس الأميركي النزق وغير المتوقع. الهجوم على السفارة الأميركية في بغداد وهجمات أُخرى خطط لها سليماني عرّضت للخطر حياة أميركيين آخرين وفرص انتخاب ترامب لولاية ثانية: وهذا بالنسبة إلى الرئيس الأميركي تهديد لا يمكن أن يقبله شخصياً، وهو الذي دفعه، على ما يبدو، إلى هذا الخيار المتطرف من بين خيارات الرد التي اقترحها البنتاغون والسي آي إي عليه.
على هذه الخلفية، ليس من المفاجئ أن النظام قرر أن يكون الانتقام لاغتيال سليماني عبر طرد الأميركيين من العراق.
لكن حينها جاء إسقاط طائرة الركاب الأوكرانية والسعي لإخفاء الحقيقة المرتبك والمحرج للنظام الذي فكك الوحدة الوطنية التي برزت عقب الحداد على سليماني.
صورة خامنئي وعناصر الحرس الثوري تصدعت. هم يصورن اليوم كحمقى وكاذبين، لذلك، هم يتخوفون اليوم من القيام بخطوات أُخرى تسوِّد أكثر صورة النظام والوضع الاقتصادي في إيران. مع ذلك لم يتخلوا عن الجهد الدائر بوساطة الميليشيات والسياسيين الشيعة التابعين لهم، لطرد الأميركيين من العراق.
لكن حتى الآن الميليشيات الشيعية أيضاً مرتبكة ومترددة، ولا تعرف حتى الآن ماذا ستفعل إذا فعلت.

تغيّر اللعبة
بالحديث مع عناصر رفيعة المستوى يتضح أنهم في المؤسسة الأمنية الإسرائيلية يعتقدون أن اغتيال سليماني خلق فراغاً في المنظومة الإيرانية التي أدارت عملية التمركز في سورية ومشروع الصواريخ الدقيقة في لبنان. كان سليماني يمسك بخيوط هذه المنظومة وحده، لذلك، التخلص منه هو بمثابة Game Changer – عملية تغيير للعبة.
كان سليماني صاحب كاريزما غير عادية، يقول الخبراء، يعرف كيف يحقق أهدافه بوساطة المزج بين السحر الشخصي، وعلاقات شخصية مع زعامات محلية، ومبادرات من دون كلل من إرهاب وحشي.
يعتقد قيّمون على الموضوع أن خليفة سليماني لا يتمتع بكل ذلك. تقول هذه المصادر، إن الجنرال قآني هو شخصية مغمورة ولا يعرف اللاعبين الأساسيين في العراق، وفي اليمن، وفي سورية ولبنان (نصر الله) الذين كان سليماني يتعامل معهم شخصياً. 
وهو عمل في الأساس في جبهات ثانوية كان يعمل فيها فيلق القدس أساساً في أفغانستان، وفي باكستان، في الخدمات اللوجستية.
حتى الآن، ومنذ سنة 2014، بذل الجيش الإسرائيلي جهداً ناجحاً، بوساطة عملياته ضمن إطار المعركة بين الحروب لإحباط وتدمير شحنات صواريخ وقذائف دقيقة وسلاح نوعي في أثناء مرورها إلى سورية، ومن هناك إلى لبنان.
ومنعت المعركة بين الحروب (بمساعدة روسية غير ضئيلة) تمركز ميليشيات شيعية إيرانية ومنظومات تابعة لحزب الله اللبناني بالقرب من الحدود في الجولان، وعرقلت بصورة كبيرة إقامة أكبر معسكر لوجستي وعملاني في البوكمال، على الحدود بين العراق وسورية، والذي كان سيخدم "الممر البري" الإيراني الذي يصل إلى سواحل البحر المتوسط.
كل ذلك لا يكفي بينت، يقول مقربون من وزير الدفاع. هو يريد الآن الطرد الكامل للحرس الثوري والعناصر التابعة له من أراضي سورية من أجل إضعاف كل المنظومة الشمالية لإيران، الموجهة ضد إسرائيل.
في تقدير مسؤول أمني كبير أنه من الممكن تحقيق هذا الهدف خلال سنة، إذ يقوم الجيش بشن معركة هجومية مكثفة ومتواصلة وفتاكة ضد قواعد الإيرانيين ووكلائهم في أراضي سورية.
بحسب كلام المصدر نفسه، رئيس الأركان كوخافي وكثيرون من كبار المسؤولين في هيئة الأركان العامة ينظرون مبدئياً بطريقة مشابهة إلى الفرص التي ينطوي عليها الوضع الحالي في إيران.
مع ذلك، هم يعرفون جيداً التصعيد الذي يمكن أن يحدث إذا هاجمنا بقوة وعنف المنظومة الإيرانية في سورية.
ومن الواضح أن الانتقال إلى هذه العملية يتطلب موافقة من المجلس الوزاري المصغر، وليس واضحاً إذا كان الموضوع، مع كل انعكاساته، قد جرى درسه.
قبل نحو الشهر ونصف الشهر تحدث بينت عن نيته القيام بعملية لإخراج القوات الإيرانية من سورية، ويبدو اليوم أن الظروف قد نضجت للارتفاع درجة: ليس المقصود بتشديد المعركة بين الحروب وتركيزها على عمليات الإحباط والمنع، بل عملية هجومية منهجية مكثفة وفتاكة توقع خسائر وأضراراً كبيرة في صفوف الإيرانيين (وليس فقط وكلائهم)، تستنفد الإيرانيين، وفي نهاية الأمر - خلال سنة - بحسب التوقعات، تدفع النظام الإيراني إلى التراجع والتخلي تماماً عن مشروع سليماني إقامة جبهة في سورية ضد إسرائيل.
يعتقد بينت أنه من المفيد التركيز على هذه المهمة، لذا يحتاج الجيش وسكان إسرائيل إلى تهدئة في الجنوب.
هو ليس معيناً بتهدئة مع "حماس"، التي يشكك في صمودها، ويعتقد أنها ستسمح فقط لـ"حماس" بتعاظم قوتها من دون إزعاج.
لكن في مقابل ذلك، بينت مستعد، في مقابل تهدئة طويلة الأجل، لإعطاء الغزيين والسلطة الفلسطينية تسهيلات اقتصادية بوتيرة وبكميات لم يروها من قبل.
وهذا سيسمح للجيش وللمؤسسة الأمنية والسياسيين - على الرغم من السنة الانتخابية التي تعرقل الرأي السديد والقدرة على العمل - بالتركيز على طرد الإيرانيين من سورية، ومتابعة دقيقة للنشاطات في المشروع النووي التي تستأنف ببطء.
التقدير اليوم أن إيران ستصل في نهاية الأمر إلى طاولة المفاوضات مع الولايات المتحدة، والدول العظمى ستوافق على البحث في اتفاق نووي جديد.
وأغلب الظن أن هذا سيحدث فقط بعد الانتخابات في إيران، وبعد بضعة أسابيع من الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة.
لكن في هذه الأثناء يدّعي المصدر الكبير في المؤسسة الأمنية، أنه يجب ألّا نسمح للإيرانيين بأن ينجحوا في أن يقيموا لنا في الباحة الخلفية في سورية والعراق، وحشاً من الصواريخ والميليشيات مثل ذلك الذي أقاموه في لبنان بعد حرب لبنان الثانية، وما زلنا نجلس من دون أن نفعل شيئاً نشاهده يكبر ويتعاظم أمام أعيننا.

عن موقع "واي نت"
*محلل عسكري.