ثمة احتمالـيـة عالـيـة لتدهـور الأوضـاع فـي "الجـبـهـة الشمـالـيـة" نحـو الحـرب

حجم الخط

بقلم: يوآف ليمور



سيكون العام 2020 هو الآخر في ظل إيران، كما يفيد التقدير الاستخباري السنوي لشعبة الاستخبارات في الجيش الإسرائيلي «أمان».
فمثلما في العام الماضي، فإن احتمال اندلاع حرب مبادر إليها ضد إسرائيل يبقى متدنيا، ولكن احتمال أن تتدهور الأحداث في الشمال لتصل إلى حرب يرتفع جدا، وهو يُعرّف الآن بأنه متوسط الى عال.
تم تعديل التقدير في أعقاب تصفية قاسم سليماني، بداية الشهر الجاري. ففي «أمان» يرون في شطب سليماني من المعادلة عاملاً لاجماً، لم تتضح آثاره بكاملها. وبديله، إسماعيل قاني، سيصعب جدا عليه ملء الفراغ الهائل الذي خلفه، ويشهد على ذلك موقعه في الهرمية الإيرانية. ليس فوق القيادة العسكرية، وقريب من أذن الزعيم الروحي، خامنئي، بل قائد فيلق «آخر» يتبع قيادة الحرس الثوري.
سيؤثر غياب سليماني بشكل مباشر على إسرائيل. فقد كان الرجل الذي قاد مشروع دقة الصواريخ لـ»حزب الله» ومشروع تثبيت وجود ميليشيات شيعية في سورية، وستضطر، الآن، دول المحور الشيعي لاتخاذ قرارات في مستقبل هذه المشاريع. وتقدر «أمان» بأن مشروع تثبيت الوجود سيستمر، ولكن مشروع الدقة قد يشطب إذا ما توصل حسن نصر الله إلى الاستنتاج بأن ضرره الكامن يفوق المنفعة منه. وتقول شعبة الاستخبارات «أمان» إنه توجد لدى «حزب الله» اليوم، قدرة محدودة جدا من الصواريخ الدقيقة، والمشروع بكامله لم يصبح تنفيذيا بعد.
ويتضح من التقدير أنه وان كان نصر الله غير معني بالحرب لكنه مستعد لأن يصل إليها كي يحافظ على «معادلة الردع» في الشمال. والتقدير هو أن استمرار الأعمال الإسرائيلية في المعركة ما بين الحروب قد يؤدي إلى ردود من الطرف الآخر، إمكانية التصعيد فيها ستكون أعلى مما كانت في الماضي. ومع ذلك، تعتقد «أمان» بأنه على خلفية تصفية سليماني بالذات يتعين على إسرائيل أن تزيد، الآن، نشاطها العسكري ضد مساعي التموضع الإيرانية في سورية وفي المنطقة، في محاولة للتضييق على خطواتها.
مثل نصر الله، الذي سيبقى منشغلا في السنة القادمة أساسا بالمشاكل السياسية والاقتصادية اللبنانية الداخلية، فإن إيران نفسها هي الأخرى ستواصل الانشغال بمشاكلها الداخلية.
أدت العقوبات الأميركية إلى انخفاض دراماتيكي في مبيعات النفط الإيرانية (من 2.8 مليون برميل في اليوم قبل نحو سنتين الى نحو 300 الف برميل في اليوم في الشهر الماضي). ومست شديد المساس باقتصادها الذي يعتمد في معظمه على المداخيل من النفط.

طهران تعيش على الاحتياطات
والنتيجة هي أن إيران «تأكل» الآن احتياطاتها من العملة الصعبة، وتجد صعوبة في إعطاء أمل لسكانها؛ الأمر الذي يجد تعبيره في الاستطلاعات الأخيرة حول المزاج في الدولة. ومع ذلك، فإن التقدير هو أن النظام في إيران مستقر، وان القوى التي تخضع لإمرته تتصدى بنجاح لموجات الاحتجاج في الدولة.
في العام القادم، ستكون إيران مطالبة باتخاذ قرارات قاسية على خلفية الأزمة الاقتصادية والاضطرابات الداخلية المتزايدة. وكجزء من ذلك يتعين على إيران ان تحسم ايضا كيف ستتقدم في مشروعها النووي. صحيح أن إيران رفعت عنها التزاماتها التي اتخذتها على عاتقها كجزء من الاتفاق النووي - وفي اطار ذلك خصبت حتى الآن الى مستوى منخفض بثلاثة اضعاف تقريبا من اليورانيوم الكمية التي سمح لها بها في اطار الاتفاق، وبدأت بتفعيل أجهزة طرد مركزي متطورة – ولكن في «أمان» يعتقدون انها تعمل ليس كي تحطم الأواني بل كي تجمع أوراق مساومة قبيل مفاوضات مستقبلية لتوقيع اتفاق جديد.
تحذر «أمان» من أنه إذا قررت إيران التقدم في المسار النووي، فإنها ستتمكن من أن تجمع حتى نهاية السنة الحالية ما يكفي من اليورانيوم بمستوى تخصيب عال يسمح لها بإنتاج قنبلة نووية واحدة. ومع ذلك ستحتاج إلى نحو سنة أخرى (وبالإجمال نحو سنتين من اليوم) الى ان تصل الى قدرة نووية عسكرية. وتوضح أوساط «أمان» انه تشددت الملاحقة الاستخبارية لبرنامج إيران النووي للتأكد من أنها لا تتخذ مسارا سريا ليس معروفا للغرب.
ستواصل سورية إشغال بال إسرائيل في 2020 ولا سيما في السياق الإيراني. ويقلق الرئيس الأسد حاليا في المساعي لاستكمال سيطرته على جيبي المعارضة الأخيرين اللذين لم يحتلا بعد في شمال الدولة، وبعد ذلك سيتفرغ لإعادة بناء سورية. وقد بدأ الجيش السوري منذ الآن في سياقات الإعمار التي تتضمن أيضا تسلحا متسارعا بوسائل قتالية، وإلى جانب ذلك استؤنف العمل بالسلاح الكيميائي (وبقدر أقل بسلاح بيولوجي أيضاً) وإن كان ليس بعد في مستوى تهديد يستوجب اتخاذ قرارات تتعلق بالجبهة الإسرائيلية الداخلية.

تغيير في سورية
على خلفية رغبة سورية في الإعمار والمصاعب التي تشهدها إيران، تشخص «أمان» فرصة لتغيير استراتيجي في سورية، لدرجة إمكانية إخراجها من المحور الشيعي. وهذا سيستوجب تدخلات وتسويات بين الولايات المتحدة وروسيا التي تسعى الى تعميق تواجدها في المنطقة. في إسرائيل لا يشخصون تغييرا في الرغبة الأميركية في تخفيض حجم تواجدها في الشرق الاوسط، ولكن يبدو الآن بالذات واضحا التأثير المتزايد للولايات المتحدة على المنطقة، ضمن أمور أخرى في أعقاب الردع الذي نشأ جراء تصفية سليماني. والتحدي الأساس للولايات المتحدة سيبقى في السنة القادمة أيضا في العراق، حيث سيستمر الصراع على تواجدهم العسكري في الدولة.
في السياق الفلسطيني، تشير الاستخبارات الى ميول متعاكسة: امكانية استقرار متعاظمة في غزة، مقابل امكانية هز الاستقرار في الضفة. تقدر «امان» ان «حماس» ستواصل التمسك في السنة القادمة ايضا بالتسوية مع إسرائيل على أمل أن تؤدي الى تحسين الوضع الاقتصادي لسكان القطاع. ومع ذلك، فإنها لن توافق على ربط الاتصالات بالتسوية (التي ستصل في الأيام القريبة القادمة إلى «الكابينت») مع مسألة الاسرى والمفقودين، ولن توافق ايضا على تقييد تزودها بالوسائل القتالية. 
أما في الضفة، فتحذر الاستخبارات مرة اخرى من امكانية انعطافة استراتيجية من شأنها ان تكون ذات «خطر كامن» على إسرائيل. هذا قد يحصل نتيجة لرحيل ابو مازن وصراعات الخلافة على قيادة السلطة، او لاحقا للانتخابات التي ستجرى في «المناطق» وانتصار محتمل لـ»حماس». كما أن تهديدات «الارهاب» من الضفة بقيت، والى جانب الانخفاض في حجمها فإنها أصبحت أكثر مهنية وخطرا.

مشاريع جديدة
في تقديرها السنوي، تشير «أمان» ايضا الى التحدي المتعاظم في عالم السايبر والشبكات الاجتماعية، سواء في أعمال إسرائيل تجاه أعدائها أم في أعمالهم تجاهها. وتعتزم «أمان» أن تزيد جدا في السنة القادمة نشاطها في جملة مشاريع ومواضيع ترتبط بعوالم المعلومات واستخدامها للأغراض الاستخبارية، ولكنها تعترف بأنه في المستقبل ايضا ستواصل استصعاب توقع السياقات الاقتصادية والديناميات الجماهيرية في المنطقة.

عن «إسرائيل اليوم»