تحظى "إسرائيل" هذا العام في ذكرى ما يُسمى "الهولوكست"، بحشد دولي غير مسبوق تجاوز حضور الـ"40" زعيمًا دوليًا، لذلك تعتبره إنجازًا غير مسبوق، وفقًا لتصريحات مسؤولين إسرائيليين الذين اعتبروا حضور عشرة زعماء إنجاز، ما يطرح تساؤلات عن دلالات هذا العدد الكبير الذي لبى الدعوة؟، وما هي احتمالات استغلال رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو وأركان حكومته هذا الزخم من أجل الدفع باتجاه إصدار مواقف رسمية من شأنها التأثير على قرارات الجنائية الدولية؟، وهل سيعكس الحضور الدولي الواسع فشلاً للدبلوماسية الفلسطينية؟.
إنكار للمذابح وليس مبايعة لإسرائيل
وبالحديث عن دلالات الزخم الدولي لحضور ذكرى "الهولوكست"، أكّد عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية واصل أبو يوسف، على أنّ الإيحاء بأنّ هناك زخمًا متعلق بدعم الاحتلال من خلال إحياء ذكرى "الهولوكست"، لا يعنى في نفس الوقت أنّ هذه الدول تخلت عن دعم القضية الفلسطينية.
وأوضح أبو يوسف في حديث خاص بوكالة "خبر"، أنّ المجتمع الدولي يُدرك أهمية الضغط على الاحتلال؛ خاصة بشأن قرارات مجلس الأمن الدولي والجمعية العامة ورفض السياسة الأمريكية المعادية في إطار ما يسمى بـ"صفقة القرن" التي بدأت في شهر كانون ثاني/ 2017 منذ إعلان الرئيس الأمريكي "دونالد ترمب" أنّ القدس عاصمة للاحتلال.
وبيّن أنّ تصريحات وزير الخارجية الأمريكية مايك بومبيو حول شرعنة المستوطنات الغير قانونية وضم أراضي الضفة الغربية، فتحت شهية الاحتلال للحديث عن ضم الأغوار، الأمر الذي يُهدد إقامة دولة فلسطينية كاملة السيادة ومتواصلة الأطراف، مُشدّداً في ذات الوقت على أنّ أمن واستقرار المنطقة لابد أنّ يستند إلى حقوق الشعب الفلسطيني المتمثلة بحق عودة اللاجئين وحق تقرير المصير وإقامة الدولة المستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس.
بدوره، اعتبر الكاتب السياسي والقيادي بحركة فتح د. نبيل عمرو، أنّ زعماء العالم حضروا إلى "إسرائيل" لإنكار المذابح، وليس مبايعة إسرائيل في سياساتها، مُؤكّداً على أنّ "إسرائيل" تستغل المجازر التي جرت في الحرب العالمية الثانية، والتي استنكرناها كفلسطينيين.
وأضاف عمرو في حديث خاص بوكالة "خبر": "يبدو أنّ إسرائيل تُحاول في ظل حمى الانتخابات الداخلية، أنّ تحشر العالم كله في الانتخابات؛ بدليل إعلان القوتين الرئيستين في الانتخابات "الليكود" وحزب "أزرق – أبيض" نيتهما ضم الأغوار وشمال البحر الميت بالتزامن مع هذه المناسبة.
من جانبه، لفت الكاتب والمحلل السياسي طلال عوكل، إلى أنّ وصول أكثر من أربعين زعيم أو أقل لإسرائيل؛ يعني أنّها دولة قوية وهناك مصالح وعلاقات دبلوماسية تحكمها مع هذه الدول؛ خاصة الولايات المتحدة الأمريكية التي تُقدم الدعم لها، تزامناً مع حالة الضعف العربية والفلسطينية.
وذكرت مصادر مُطّلعة على جدول أعمال نتنياهو ولقاءاته، في حديث لصحيفة "هآرتس"، أنّه بينما يُركّز نتنياهو بشكلٍ علني على أنه سيثير مع ضيوفه التهديد الإقليمي الذي تمثّله إيران، فهو ينوي كذلك إثارة ما صدر عن المدعي العام في "الجنائية الدولية" من أن هناك أساساً معقولاً لمواصلة التحقيقات ضدّ إسرائيليين فيما يتعلق بجرائم حرب محتملة ارتكبوها في الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية بحق فلسطينيين.
"الهولوكست" ليست محفل تبشير لنتنياهو
وحول نجاح إسرائيل في استغلال الزخم الدولي بذكرى "الهولوكست" لاستصدار مواقف رسمية تُؤثر على قرار المدعية العامة في الجنائية الدولية "بنسودا"، رأى عمرو أنّ الأمر سينعكس على إسرائيل سلبًا حال اتخذ قادة الاحتلال قرارًا بضم الأغوار فعليًا؛ لأنّه سيؤجج الخلاف داخل محكمة الجنايات الدولية؛ وبالتالي لن يجدوا في كل الذين جاؤوا للتضامن ضد المذابح من يؤيد الإجراء.
ونوّه عمرو، إلى أنّ عقلاء "إسرائيل" يقولون إنّهم سيدخلون في نفق لا مخرج منه؛ مُضيفاً: "في السابق لم يتحدثوا عن ضم الأغوار؛ خوفًا من الجنائية الدولية، لكنّ حُمى الانتخابات أثارت الموضوع؛ فأصبح المهم الحصول على الأصوات؛ حتى لو اقتضى الأمر ليس فقط تجاوز القانون الدولي؛ بل إلغائه".
وتابع: "لا يزال عدداً كبيراً من الزعماء يُؤكّد الحق الفلسطيني في القدس الشرقية كعاصمة للدولة الفلسطينية العتيدة، مثل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والرئيس الفرنسي، بالإضافة لولي العهد البريطاني، والذي سيأتي بزيارة هامشية للتكفير عن وعد بلفور الذي تتحمل مسؤوليته الدولة البريطانية".
وقال عمرو: "المطلوب هو الرد على الادعاءات الإسرائيلية، بالاعتراف القوي والمباشر بحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة على الأراضي المحتلة عام 1967 بما فيها القدس، مع معالجة قضايا الوضع الدائم كما وردت في أدبيات التفاهمات الفلسطينية - الإسرائيلية، بأنّ تكون القدس على جدول أعمال الحل النهائي".
كما أكّد عوكل على أنّ حضور زعماء العالم يوم السبت لإحياء ذكرى "الهولوكست" لا يعني القبول بالسياسية الإسرائيلية؛ لأنّ العديد من الدول تُؤيد الحل السياسي القائم على إقامة دولة فلسطينية على حدود 67.
وأضاف: "المحاولات الإسرائيلية ليست جديدة وغير مرتبطة بالمنتدى أيضًا؛ لأنّ الضغط متواصل طوال الوقت قبل قرار المدعية العامة للجنائية الدولية وبعده"، مُبيّناً أنّ إسرائيل جندت كل إمكانياتها لمنع قرار الجنائية، لذلك من غير المستبعد أنّ تقوم "إسرائيل" بأي عمل مجنون لمنع الجنائية من متابعة تحقيقاتها.
وأشار عوكل إلى أنّ الموضوع ليس تبشير؛ لأنّ هناك زعماء دول غير موافقين على تهرب إسرائيل من العقاب؛ لكنّ "إسرائيل" ستحاول استغلال المنصة لإقناع كثير من دول العالم بالتدخل وليس اتخاذ موقف؛ مع التأكيد على أنّ ذلك لن يُغير من واقع الأمر شيء، لأنّ هناك دولاً ترى أنّ إسرائيل دولة احتلال وتقطع الطريق على كل القرارات والحقوق الفلسطينية.
ومن المتوقع أن يطلب نتنياهو من القادة الذين سيلتقي بهم، بينهم نائب الرئيس الأميركي مايك بنس والرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، إطلاق مواقف رسمية تدعم الادعاءات الإسرائيلية بأنّ الأراضي الفلسطينية ليست من اختصاص "الجنائية الدولية"، على اعتبار أنّ السلطة الفلسطينية ليست دولة ذات سيادة.
وكانت إسرائيل قد سعت في أعقاب صدور قرار المدعي العام للمحكمة، إلى استقطاب الدعم السياسي الدولي لموقفها الرافض للقرار، لكنّ عدداً قليلاً جداً من الدول تجاوب معها.
وعلى رأس تلك الدول جاءت الولايات المتحدة الأميركية، التي أعلنت معارضتها لأيّ "تحقيق غير مبرّر" ضدّ إسرائيل، مُعتبرةً إجراءً كهذا "متحيّزاً وغير عادل"، فيما عبّرت أستراليا في بيان صدر عن خارجيتها، عن "قلقها" من القرار، وأيضاً أصدرت الحكومة المجرية موقفاً مشابهاً، إذ استجابت بودابست لطلبات نتنياهو، وقالت إنّ موقف إسرائيل من عدم اختصاص "الجنائية الدولية" له ما يبرّره.
ورُغم توازن الموقف الألماني من طلب المساندة الإسرائيلية والذي طلب من المحكمة حلّ القضايا ذات الصلة "من دون تسييس"، إلا أنّه عُدّ كافياً من وجهة نظر تل أبيب، ومؤيّداً لطلبات الأخيرة ولو بتحفّظ. في المقابل، وجاء موقف كندا لافتاً حيث كان محلّ ترحيب إسرائيلي، بعدما كرّرت أوتوا "موقفها الثابت" في الاعتراف بوجود دولة فلسطينية، وتبعاً له لا تعترف بانضمام السلطة الفلسطينية إلى المعاهدات الدولية، الأمر الذي يتساوق بالنتيجة مع الموقف الإسرائيلي القائل إنّه لا اختصاص للمحكمة في الأراضي الفلسطينية.
وباستثناء الدول المذكورة آنفاً، لم تستجب أيّ دولة وازنة لطلبات المساندة التي صدرت عن نتنياهو وغيره من المسؤولين الإسرائيليين، لكنّ هؤلاء سيحاولون استثمار زخم ذكرى "الهولوكوست" واللقاءات المباشرة التي ستتخلّلها من أجل إعادة إثارة المسألة، والدفع في اتجاه صدور مواقف رسمية من شأنها التأثير على قرارات "الجنائية الدولية" ومنع إجراءاتها، التي تُعدّ أكثر من عامل إزعاج دولي للمسؤولين الإسرائيليين الحاليين والسابقين، في ظلّ احتمال صدور طلبات لمباشرة التحقيقات الجنائية معهم.
فشل الدبلوماسية الفلسطينية
وبالحديث عن فشل الدبلوماسية الفلسطينية في حشد زعماء العالم للقضية الفلسطينية، أكّد عمرو على وجود تقصير في الحالة الفلسطينية بشكلٍ عام وليس السفراء فقط، الذين هم انعكاس للوضع الفلسطيني العام الذي يتطلب من كل المنابر الفلسطينية السفارات والمعاهد والحلفاء والأصدقاء أنّ ينهضوا لمواجهة "إهدار الحقوق الفلسطينية".
واتفق عوكل مع سابقه بأنّ الأمر يتعلق بالسياسة العامة الفلسطينية ومفرزات الانقسام الفلسطيني، بالإضافة إلى الوضع العربي المتردي وهو الأساس؛ وهذا لا ينفي أنّ المحاولات الفلسطينية مستمرة لتوسيع دائرة التضامن، مُعتبراً أنّ أي ربح إسرائيلي خسارة للفلسطينيين، لكنّه غير مرتبط بتقصير فلسطيني.
فيما بيّن أبو يوسف أنّه لا يُمكن البناء على الأمر أو الربط بين الحضور الدولي لإحياء ذكرى "الهولوكست"؛ لأنّ غالبية دول العالم تدعم إقامة دولة فلسطينية على أساس الشرعية الدولية وليس على أساس شرعية الغاب.
يُذكر أنّ "إسرائيل" تُحيي سنوياً ذكرى ما تُمسى "الهولوكوست"، والتي تزعم إبادة جماعية لجاليات يهودية في أوربا، وقعت خلال الحرب العالمية الثانية على يد النظام الألماني بزعامة أدولف هتلر.