«صفقة القرن» تمهّد الطريق لضمّ غور الأردن

حجم الخط

وكالة خبر


التقارير، التي نُشرت أمس، عن نية الرئيس الأميركي ترامب نشر صفقة القرن، الاسبوع القادم، وأن يستدعي الى البيت الأبيض نتنياهو وغانتس، تمكن من حل لغز جزء من أحداث الاسبوع الحالي. يبدو أن رئيس الحكومة أو خصمه في «ازرق ابيض» عرف مسبقا بما يتم طبخه في واشنطن. في حالة نتنياهو هذا يجب أن يكون الافتراض الاصلي ازاء التنسيق القوي بينه وبين الرئيس. ولكن غانتس ايضا كان في الصورة. من هنا، فان تحدي نتنياهو لغانتس مع اعادة طرح مبادرة ضم الغور، ومن هنا ايضا رد «ازرق ابيض»، الذي ظهر في البداية، قسريا ومحرجا، بشأن الاستعداد للضم شريطة أن يتم هذا الأمر بتنسيق دولي.
تحدث براك ربيد، قبل أيام، في القناة الـ 13 عن تحفظ البيت الأبيض على خطوات أحادية الجانب لإسرائيل في الغور. وأول من أمس في تقرير عميت سيغل في القناة الـ 12 تبين لماذا. الادارة الأميركية تريد إملاء قواعد اللعب. وهذا يعني أن نتنياهو لن يقوم بطرح، كما اعتقد عدد من اعضاء الكنيست من «الليكود»، مشروع قانون الضم للقراءة الاولى في الكنيست في الاسبوع القادم. ولكن من اللحظة التي سينشر فيها الرئيس خطته فان الامور يمكن أن تتغير. في الادارة الأميركية أوضحوا في السابق أن إسرائيل يمكنها اتخاذ خطوات خاصة بها، تتوافق مع الخطة، بعد اعلانها عن موافقتها عليها.
بالنسبة للفلسطينيين فان صفقة القرن ولدت ميتة. رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، رفض مبادئها قبل سنتين تقريبا، حتى أنه قطع منذ ذلك الحين تقريبا جميع الاتصالات السياسية الجارية بين السلطة والادارة. ولكن اذا قال نتنياهو نعم للخطة (الخطوة التي يمكن أن تكلفه معارضة من قبل عدد من ناخبي اليمين) فمن شأنه أن يحصل على بطاقة مفتوحة من ترامب لعمليات الضم. هذه يمكن أن تكون ضم الغور أو يمكن أن تكون في سيناريو اكثر تطرفا، جميع المستوطنات، ربما باستثناء الجيوب. والسؤال هو هل سيختار نتنياهو القيام بخطوة كهذه حتى قبل حملة الانتخابات الثالثة للكنيست في بداية آذار؟ الاغراء لليمين الإسرائيلي كبير، لكن يجب علينا التذكر بأنه لم يتم عرض الضفادع التي يجب على نتنياهو ابتلاعها بالكامل.
قبل البدء في الاحتفال يجب عد الأخطار المحتملة. منذ ثلاث سنوات تقريبا تطرح شعبة الاستخبارات في هيئة الاركان العامة تحذيرا استراتيجيا على المستوى السياسي بشأن خطر اندلاع اعمال عنف شديدة في الضفة الغربية. ومنذ خفتت انتفاضة الافراد القصيرة في صيف 2016 والضفة على الاغلب هادئة نسبيا. الهدوء يتم تفسيره بالتعب الى درجة لامبالاة معظم الجمهور الفلسطيني الغارق في محاولة تحسين وضعه الاقتصادي، وربما استيقظ من التفكير بأن خطواته على الارض ستنجح في أن تؤدي الى نتائج سياسية ايجابية.
ولكن صفقة السلام ستفسر كمؤامرة إسرائيلية – أميركية يمكن أن تدفع السلطة الى القيام بخطوات يائسة مثل ظهور موجة احتجاج، أو حتى مثلما حدث بعد فشل مؤتمر كامب ديفيد في صيف 2000 الى تشجيع نشاطات «ارهابية» بشكل واسع. هذا يمكن أن يكون خطوة ستبتلع كل الاوراق. وبقي ايضا سؤال التأثير على الاردن. عندما طرح نتنياهو مسألة ضم الغور قبل الانتخابات الاخيرة في ايلول، تم تحذيره من قبل رؤساء اجهزة الامن من التداعيات الشديدة المتوقعة. هدد الملك عبد الله في السابق بأن ضم الغور سيكلف إسرائيل الغاء اتفاق السلام مع بلاده. وخشية الملك من تداعيات الضم حقيقية: يوجد في الاردن تراكم لقوى مختلفة، قامت ضده ويمكن أن تستخدم خطوة إسرائيل من اجل اخراج المظاهرات ضده.
عندما يسوي طاقم السلام الأميركي صفوفه تقريبا مع خط حملة «الليكود»، فان الاوراق السياسية في الساحة الداخلية يتم سحبها. ألقى ترامب، أول من أمس، الى الساحة حبل نجاة لنتنياهو. الانشغال بطلب الحصانة لرئيس الحكومة سيظهر في الاسبوع القادم بصورة مختلفة. غانتس، الذي تم دفعه الى الزاوية، سيضطر الى اتخاذ قرار اذا ما كان سيواصل محاربة نتنياهو بكل قوته، أو اذا كان سيفحص من جديد موقفه حسب التطورات السياسية الدراماتيكية.
في الوقت الذي تعرض فيه في التلفاز مبادئ الخطة في عناوين احتفالية، من السهل الانجراف بحماس – بالتأكيد في اليمين الذي لم يحصل في أي يوم على دعم كهذا من الادارة الأميركية. ولكن من الأفضل عدم التشوش: اتفاق سلام سريع لن يخرج من ذاك المساء. في المقابل، قد يتضح في المستقبل أنه بداية لعهد جديد وخطير.

عودة البالونات
يوم الاحد ظهراً، بدت حدود القطاع رعوية بصورة مخادعة. الامطار الغزيرة التي هطلت في الشتاء الحالي، ايضا في جنوب البلاد، تركت خلفها حقولا خضراء بشكل خاص. هذا كان بعيدا جدا عن المشهد الغزي المعتاد الذي نقش في وعي الإسرائيليين، بتلال الرمال التي يتذكرونها من المعارك العسكرية مثل «الجرف الصامد»، التي حدثت في ذروة الصيف.
في السفر بين كيبوتس كيسوفيم والعائق الجديد الذي يقيمه جهاز الامن ضد الانفاق بمحاذاة الحدود، رأت العين للحظة تلة جميلة فيها غابة. قائد كتيبة خروب، المقدم غال ريتس، سئل اذا كان المتنزهون الإسرائيليون يصلون الى هنا. وجوابه كان لا. وحتى الآن هذه الزاوية معروفة فقط لسكان بلدات الغلاف والجنود الذين يدافعون عن هذه المنطقة.
بعد يومين، في مساء الثلاثاء، كانت هذه التلة، التي تقع على بعد 400 متر شرق الجدار، ساحة قتل. ثلاثة شباب فلسطينيين من سكان مخيم المغازي المجاور اجتازوا الجدار الحدودي القديم والمتآكل (العائق الجديد الذي يبنى مكانه سيستكمل فقط قبل نهاية السنة)، شخّصهم المراقبون بمحاذاة الجدار ووجهوا مقاتلي كتيبة خروب سوية مع دبابة من اللواء السابع الى التلة التي وجدوا فيها ساترا. عندما اقتربت سيارة عسكرية منهم ألقى الشباب عبوات ناسفة من صنع محلي عليها. ردّ الجنود بإطلاق النار من سلاح خفيف، وانضم اليهم طاقم الدبابة بنيران الرشاشات. قُتل الفلسطينيون الثلاثة، ولم تقع أي اصابات في اوساط جنود الجيش. الحادثة كلها استمرت بضع دقائق.
وبنظرة الى الوراء، هذا كان خلية من الحفاة، لم تكن مسلحة بسلاح ناري، باستثناء العبوات البدائية. في إحداث اخرى حدثت في الفترة الاخيرة، في وضح النهار، اعتقل جنود كتيبة خروب متسللين اجتازوا الجدار بدون سلاح، بعد أن اطلقوا عليهم نارا تحذيرية. الظروف في هذه المرة كانت مختلفة: الاجتياز تم في الليل، على بعد حوالي 2 كم من الكيبوتس. شاهد الجنود محاولة لمهاجمتهم، وردوا بصورة سريعة وناجعة حسب أوامر فتح النار.
الفلسطينيون الثلاثة اختاروا مسارا مشابها للمسار الذي اجتازته خلايا اخرى في شهري ايلول وتشرين الاول في السنة الماضية. وسواء عملوا من تلقاء انفسهم أم تم توجيههم للعمل من قبل نشطاء احد التنظيمات «الارهابية»، يبدو أن النية كانت القيام بعمل قرب الجدار. من يريد فقط البحث عن عمل أو يتسلل من اجل أن يحكم عليه بالسجن في إسرائيل، على الاغلب هو لا يقوم بالقاء عبوات ناسفة (حقيقة أنه ما زالت هناك ظاهرة متسللين من اجل الاعتقال، تدل فقط على يأس السكان في القطاع من وضعهم).
على مدى الاسبوع نقلت إسرائيل تحذيرات لـ «حماس»، بحسبها أنها لن تضبط نفسها ازاء أي اطلاق للصواريخ، وبالتحديد اثناء عقد القمة في القدس. ربما أن هذا هو السبب في أنه في نهاية الامر لم يتم تسجيل أي اطلاق للصواريخ ردا على قتل الشبان الذي عرض في وسائل الاعلام في غزة كإعدام متعمد من جانب الجيش الإسرائيلي. ورغم ذلك، استمر طوال الاسبوع اطلاق البالونات المتفجرة من القطاع. في الفترة الاخيرة وصلت عدة بالونات ربطت فيها عبوات ناسفة صغيرة حتى اسدود وبيت شيمش. ربط بأحد هذه البالونات، التي سقطت في احدى بلدات الغلاف، كرة قدم تم اخفاء عبوة ناسفة داخلها.
المسؤول عن هذه الحيلة القاتلة نشطاء «حماس» وليس «الجهاد الاسلامي، أو تنظيم مارق اصغر. وكما نشر هنا في هذا الاسبوع فان عودة «حماس» الى العنف تعكس احباطا مزدوجا، من مصر الغاضبة على «حماس» والتي تعيق تزويد الغاز للقطاع من قبلها ومن قبل إسرائيل، التي حسب رأي «حماس» لا تطبق التسهيلات المتفق عليها في القطاع بالوتيرة المتوقعة. القيادة العليا في الجيش الإسرائيلي وعلى قاعدة تقدير الاستخبارات العسكرية، متمسكة بتحليلها للوضع: قيادة «حماس» في غزة اختارت بصورة استراتيجية بذل الجهود لتسوية طويلة المدى من خلال الرغبة في اعادة اعمار البنى التحتية الاقتصادية في القطاع. توسيع التسهيلات، خاصة ادخال المزيد من العمال للعمل في إسرائيل، سيتم الرد عليه بتعهد قاطع من قبل «حماس» بالحفاظ على الهدوء لفترة زمنية طويلة.
ولكن بالتحديد سلوك «حماس» والاحداث المتكررة من شأنها أن تدعم ايضا تفسيرات معاكسة: «حماس» غير ناضجة حقا لتقديم تنازلات ووقف طويل لاطلاق النار. لذلك تسمح بحدوث احداث عنيفة من حين الى آخر قرب الجدار. في حين أن إسرائيل تفرض تحليلا متفائلا على الواقع من خلال تجاهل علامات مقلقة تخفي افتراضاتها الأصلية. من حين الى آخر اعتادوا في «أمان» تعيين «طاقم أحمر» لاعادة فحص صورة الوضع الاستخباري، من وجهة نظر اخرى. من شأن الخطوات التي تتخذها إسرائيل في غزة أن يكون لها تأثيرات بعيدة المدى. هذه تبدو فرصة مناسبة لاعادة فحص التقديرات الدارجة.

 عن «هآرتس»