بقلم مادلين الحلبي

الاتفاق النووي الإيراني وعودة التصعيد

مادلين الحلبي
حجم الخط

غزة - وكالة خبر

الاتفاق النووي الإيراني وعودة التصعيد

تأتي هذه الورقة ضمن إنتاج أعضاء "منتدى الشباب الفلسطيني للسياسات والتفكير الإستراتيجي" الذي يشرف عليه مركز مسارات.

مقدمة

أعلنت الجمهورية الإسلامية الإيرانية، بتاريخ 5/1/2020، أنها لم تعد تلتزم بأي قيود يفرضها الاتفاق النووي على أجهزة الطرد المركزي التي تستخدمها لتخصيب اليورانيوم، وهو ما يعني قدرتها على التخصيب أو القيام بأنشطتها في مجالي الأبحاث والتطوير[1]، وتأتي هذه الخطوة الإيرانية بعد يومين على حادثة اغتيال قاسم سليماني، قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، وأبو مهدي المهندس، ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي، قرب مطار بغداد.[2]

عاد التوتر بين إيران والولايات المتحدة للظهور بعد إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب، بتاريخ 8/5/2018، الانسحاب من الاتفاق النووي، وفرض عقوبات على إيران[3]، فيما سعت طهران لاستعراض ما لديها من عناصر تهديد لمصالح الغرب والدول الحليفة لواشنطن؛ مما يثير التساؤل حول المساعي الإيرانية لرفع نسبة التخصيب، خاصة في ظل تهديدات الاتحاد الأوروبي بالانسحاب من الاتفاق باعتباره لجنة فض المنازعات وراعيًا للاتفاق.

تسعى الإدارة الأميركية عبر قوّتها الاقتصادية لفرض مزيد من العقوبات للضغط على إيران؛ مما قد ينعكس داخليًا، ويزيد من الضغوط الشعبية عليها، فيما تنتهج إيران سياسة ضغط قصوى على الإدارة الأميركية والاتحاد الأوروبي، ويساعدها على ذلك امتلاكها العديد من الأوراق الضاغطة التي قد تمكّنها من صياغة اتفاق جديد، لا يخرج في إطاره العام عن الاتفاق القديم، مع ضمانات تلبي تطلعاتها في المنطقة.

الولايات المتحدة وإيران .. من لوزان إلى فيينا

وقّعت الولايات المتحدة وإيران اتفاقًا برعاية ألمانيا وفرنسا وروسيا والصين وبريطانيا والاتحاد الأوروبي، في تموز/يوليو 2015 بمدينة فيينا بالنمسا، بالإضافة إلى ورقة حقائق توضح كل ما يتعلق بالأمور الفنية والتقنية حول البرنامج النووي الإيراني[4]، الذي يحمل في مجمله سلمية البرنامج مقابل رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران من المجتمع الدولي.

تعهدت إيران في الاتفاق بعدم تجاوز نسبة تخصيب اليورانيوم 3.67%، وعدم الاحتفاظ بأكثر من 300 كغم من اليورانيوم، وعدم تشغيل أكثر من 5060 جهازَ طرد مركزي، أو الاحتفاظ بأكثر من 130 طن من الماء الثقيل، ونقل الفائض من الإنتاج النووي إلى دول محايدة، على أن يتم العمل في محطة "نطنز" فقط، وتحويل محطة "آراك" للأبحاث العلمية، وإغلاق محطة "فوردو".[5]

وبذلك، نجحت إيران في انتزاع اعتراف دولي بحقها في امتلاك برنامج نووي، إلى جانب رفع الحصار والعقوبات، فيما نجحت واشنطن في فرض قيود صارمة على البرنامج النووي، بآلية رقابة دولية لضمان عدم تخصيب كميات من اليورانيوم تتيح لإيران إنتاج قنبلة نووية، وحصر استخدامه في المجالات السلمية.

الانسحاب الأميركي وفرض العقوبات

أعلن ترامب الانسحاب من الاتفاق، في أيار/مايو 2018، وفرض عقوبات اقتصادية على إيران على مراحل:

المرحلة الأولى: بدأت بتاريخ 7/8/2018، وتشمل حظرَ التبادل المالي والعملات الأجنبية مع الحكومة والمؤسسات الإيرانية، وعقوباتٍ على قطاعي الصناعة والسجاد والسيارات، وحظرًا على قائمة من المعادن، منها الألمونيوم والحديد الصلب، وكذلك منع تصدير واستيراد التكنولوجيا الصناعية ذات الاستخدام المزدوج (عسكري/مدني).[6]

المرحلة الثانية: بدأت بتاريخ 4/11/2018، وتضمنت فرض عقوبات على شركات الموانئ والسفن والشحن البحري الإيرانية والبنك المركزي الإيراني والتعاملات المالية، وعقوبات شاملة على قطاعي الطاقة والنفط.[7]

المرحلة الثالثة: شملت وقف تمديد الإعفاءات لبعض الدول من استيراد النفط الإيراني، وتصنيف الحرس الثوري الإيراني كمنظمة إرهابية في نيسان/أبريل 2019، وفرض عقوبات لوقف تمويل الميليشيات، التي أعلن عنها ترامب بأنها الأقسى تاريخيًا على النظام المصرفي الإيراني، فضلًا عن فرض عقوبات على المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي وجواد ظريف وزير الخارجية[8]، إلى جانب فرض وزارة الخزانة الأميركية، بتاريخ 10/1/2020، عقوبات جديدة على شخصيات إيرانية عسكرية وأكبر شركات التصنيع الإيرانية في التعدين.

تصاعد الأحداث في منطقة الخليج

بدأت إيران، في أيار/مايو 2019، بالرد على الخطوة الأميركية ضمن إستراتيجية تصعيد، بإعلان الرئيس الإيراني، حسن روحاني، عن بدء بلاده تخفيض التزاماتها بالاتفاق النووي، إذ رفعت طهران نسبة التخصيب لأكثر من 300 كيلو جرام من اليورانيوم المخصّب، ونسبة التخصيب إلى 4.5% لتتجاوز بذلك النسبة المسموح بها، وهي 3.67%[9]، إضافة إلى إعادة تشغيل أجهزة الطرد المركزي لزيادة نسبة تخصيب اليورانيوم إلى 4.5% شهريًا، وإعادة تشغيل محطة فوردو النووية في تشرين الثاني/نوفمير 2019.[10]

وفي ذات السياق، ضغطت إيران على الدول الأوروبية للحصول على تعويض عن العقوبات الأميركية؛ وهذا ما أتت نتيجته في المبادرة الفرنسية.[11] وكذلك اقترحت كل من ألمانيا وبريطانيا وفرنسا آلية للتبادل النقدي (INSTEX)، في محاولة الالتفاف على العقوبات الأميركية[12]، وبالتزامن مع ذلك أرى ظريف جولات ديبلوماسية نجحت خلالها طهران في إقناع أكثر من عشر دول أوروبية أخرى الانضمام للآلية، عبر استغلال علاقاتها الديبلوماسية الجيدة مع موسكو وبكين.[13]

اتهمت واشنطن طهران باستهداف أربع ناقلات نفط قبالة ساحل الفجيرة الإماراتي في أيار/مايو 2019،[14] ليعلن بعد ذلك ترامب عن إعادة نشر جنود أميركيين في القواعد الأميركية في الخليج، بعد موافقة مجلس التعاون لدول الخليج العربية على الطلب.[15]

وفي نهاية تموز/ يوليو 2019، توجه وفد أمني إماراتي إلى إيران لإجراء مباحثات مشتركة حول أمور أمنية تتعلق بالحدود والتنقل[16]، وذلك بعد اتهام إيران للإمارات بالمسؤولية عن إطلاق الطائرة الأميركية المسيّرة التي أسقطتها طهران.

وتعرّضت البنية التحتية لشركة أرامكو السعودية إلى قصف في أيلول/سبتمبر 2019، تبنته جماعة الحوثي المدعومة من إيران، الأمر الذي تسبب في خسارة السعودية أكثر من 50% من إنتاجيتها.[17] وتبعها ترامب بإعلان عقوبات تستهدف النظام المصرفي الإيراني.[18]

من جانب آخر، اقتحم متظاهرون عراقيون مبنى السفارة الأميركية في بغداد، بعد تشييع جثامين مقاتلي "الحشد الشعبي"، الذين سقطوا في غارة أميركية، بتاريخ 29/12/2019، وتبعها تعزيزات أميركية للمكان.[19] في المقابل، ندد خامنئي بالهجوم على مقاتلي "الحشد"، وأضاف أن "إيران ملتزمة بمصالحها ومصالح شعبها، ومتمسكون بعظمة وتطور إيران وسنواجه وسنضرب كل من يهدد هذه المصالح من دون مجاملة".[20]

وتصاعدت الأحداث باغتيال قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس، وبرد إيران على ذلك بقصف قواعد تتمركز فيها قوات أميركية في العراق، بتاريخ 8/1/2020، حيث اعترفت واشنطن بإصابة 11 جنديًا أميركيًا.

التصعيد (الأميركي – الإيراني) في النطاق الدولي

لقي الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي تأييدًا إسرائيليًا، عبر عنه رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو بأنه قرار "شجاع".[21] وينبثق الموقف من رؤية إسرائيل إلى أن البرنامج النووي يشكل تحديًا غير مقبول للأمن الإقليمي وإسرائيل. وكذلك يأتي موقف دول خليجية، منها السعودية، والإمارات، والبحرين، والحكومة اليمنية المدعومة سعوديًا، ضمن الصراع الأيديولوجي مع إيران، ومناهضًا لسياستها التوسعية في الخليج والمنطقة.[22]

وفي معارضة القرار، انتقده الحزب الديمقراطي الأميركي والنخب السياسية الأميركية، وكذلك الاتحاد الأوروبي، والدول الموقعة من فرنسا، وبريطانيا، وألمانيا، وروسيا، والصين[23]، فيما أعرب أنطونيو غوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة، عن قلقه تجاه خطوة ترامب[24]، في حين أكدت الوكالة الدولية للطاقة الذرية التزام إيران ببنود الاتفاق بعد تصريحات ترامب التي أعقبت انتخابه في العام 2017.[25]

 أما فيما يتعلق بردة الفعل الإيرانية، فقد لاقت رفضًا واسعًا؛ ويمكن تعليل ذلك بأن فرضيات هذه الدول قامت على الشكوك حول سلمية البرنامج، التي تعززت بامتلاك إيران لصواريخ بالستية، ما شكل تهديدًا قوميًّا وإستراتيجيًا لها، ومنها الدول التي أيدت الخطوة الأميركية، بالإضافة إلى الدول الأوروبية التي تعاملت معه على أنه أصبح أمرًا واقعيًا، مع تمسكهم بديبلوماسية الحل، فيما انحازت كل من الصين وروسيا لإيران بشكل واضح.

أوروبا .. المواقف مقابل المصالح

قامت المصالح الأوروبية الإيرانية بعد توقيع الاتفاق النووي على طابع اقتصادي بالدرجة الأولى، ودعم الاقتصاد الإيراني في مجالات البنية التحتية والطاقة والطيران المدني، مما دفع الشركات الكبرى للاستثمار، مثل "رينو" و"توتال" الفرنسية، و"إيرباص" للطائرات، وغيرها من الشركات الكبرى.[26]

انخفضت التجارة الثنائية مع إيران في العام 2019، بسبب العقوبات الأميركية بعد لانسحاب من الاتفاق. وتطالب إيران الاتحاد الأوروبي بالإسراع في تفعيل الآلية المالية INSTEX، لتساعدها على بيع النفط لأوروبا، إلا أنّ أوروبا تصرّ على أن هذه الآلية للأغراض الإنسانية، وليس لديها أي نية لتجاوز العقوبات الأميركية.[28]

بعد إعلان إيران عن خفض التزاماتها النووية في المرحلة الخامسة، عقب اغتيال سليماني، أعلنت كل من بريطانيا وفرنسا وألمانيا تفعيل آلية حل النزاع في الاتفاق النووي، وذلك في بيان مشترك جاء فيه: "لم يعد أمامنا خيار، بالنظر إلى الإجراءات الإيرانية، إلا تسجيل مخاوفنا اليوم من أن إيران لا تفي بالتزاماتها بموجب الاتفاق، وأن نحيل الأمر إلى اللجنة المشتركة التابعة لآلية فض النزاعات". وردت إيران على لسان جواد ظريف، بأنه "قرار لا أساس له قانونيًا، ويعد خطأً إستراتيجيًا على الصعيد السياسي". كما هددت بالانسحاب من معاهدة الانتشار النووي، إذا أحيل الملف النووي إلى مجلس الأمن الدولي خلال 30 يومًا، أو فُرِضت عليها عقوبات أممية، مع تأكيدها أنها ما زالت مستعدة للتفاوض.[29]

خاتمة

يمكن القول إن إيران نجحت في إثبات نفسها كقوة إقليمية لديها قدرات عسكرية متقدمة، وحلفاء يعتمد عليهم لإثبات تفوقها في الخليج والعراق وسوريا، ومواجهة ضغوطات المجتمع الدولي والعقوبات الأميركية، ما دفعها إلى مزيد من التصعيد والمخاطرة في مواجهة العقوبات الأميركية وضغوط المجتمع الدولي، بهدف تحسين شروط التفاوض على أي اتفاق جديد حول برنامجها النووي، بحيث لا يخرج عن الإطار العام للاتفاق القديم، الذي ضَمِنَ لها أحقيتها في امتلاك برنامجها النووي، برغم القيود والرقابة الدولية التي فرضت عليه، إلى جانب استمرار سياستها التوسعية في المنطقة.

شَكَّلَ حادث اغتيال قاسم سليماني خروجًا عن القواعد المتبعة لإدارة الصراع بين الولايات المتحدة وإيران، ولكنه، في نفس الوقت، لم يؤدّ إلى تغيير قواعد الصراع، بدليل أن الرد العسكري الإيراني جاء ضمن حدود مدروسة ولا تدفع باتجاه تطوير الصراع إلى حرب مفتوحة مع الولايات المتحدة، إلى جانب "استيعاب" الإدارة الأميركية لاستهداف إيران قواعدها العسكرية في العراق، وعدم الرد عسكريًا، وتأكيدها أن أولويتها تتمثل في التوصل إلى حل سلمي مع إيران.

لذلك، من المرجح أن يسعى النظام الإيراني إلى توظيف حادثة الاغتيال، وإعلان انسحابه من المفاوضات، لتحسين موقفه في أي مفاوضات قادمة بِشأن الاتفاق النووي، وتحسين مكانته بين الإيرانيين وحشدهم خلفه في المواجهة مع واشنطن.