صفقة ترامب... الجديد والتحديات

حجم الخط

بقلم الدكتورة سنية الحسيني

 

لم تكن بنود الصفقة خفية على أحد، بل حتى لمن لم يقرأ تفاصيل عنها، فشكلت الملاحظات العامة عنها صورة واضحة الملامح. لن أتحدث عن تفاصيل الصفقة لسببين أننا جميعاً دون استثناء على علم مسبق بتفاصيلها، ولأنها جاءت استكمالا لما هو موجود على الأرض الفلسطينية المحتلة فعلا. الا أني سأتحدث عن توقيت إعلانها والتبعات المتوقعة أو المرسومة لذلك إسرائيلياً وأمريكيا.

جميعنا يعرف اليوم وفي ظل هذه اللحظات الصعبة، العلاقة الوثيقة بين إسرائيل والولايات المتحدة، فالإدارة الأمريكية الحالية إدارة داعمة ومساندة لرؤية اليمين الاسرائيلي. تلك الرؤية التي تجسدها دولة الاحتلال فوق الأراضي الفلسطينية منذ توقيع إتفاق أوسلو.

أمس أعطت الادارة الامريكية المتأمرة على قضيتنا الفلسطينية الضوء الأخضر لتقنين وتشريع الإجراءات الاحتلالية التعسفية، وهي خطوة تضع نهاية غير سعيدة للفلسطينيين لمواقف أمريكية متتالية أعلنتها تلك الادارة في أوقات سابقة. ففي ظل دعم الولايات المتحدة كقوة عظمى للإجراءات الاحتلالية المستمرة على الأرض، وفي إطار خطة متكاملة عرضتها الإرادة الامريكية في صفقتها المزعومة، بدت ملامح الخطة والإجراءات الإسرائيلية المنوي استكمالها جلياً الان. يأتي ذلك في إطار عدم حسم لمواقف القوى الكبرى في العالم من تلك الإجراءات الاحتلالية، وتلك الصفقة الداعمة لها، وفي إطار دعم عربي كارثي، يتراوح بين الموافقة العلنية على ضياع حق الفلسطينيين في أرضهم، والموافقة الضمنية الخجولة، والرفض العاجز. و تبدو الفرصة باتت مهيئة باتجاه المضي قدماً لاضفاء الشرعية على تحويل الأمر الواقع على الأرض في فلسطين إلى واقع قانوني، تجسده إجراءات الضم التالية لمعظم الأراضي الفلسطينية المحتلة. لنعود معاً إلى المربع الأول، وحكم إداري محلي للسكان الفلسطينيين، في ظل عجز فلسطيني عربي، وصمت ضمني دولي.

إن الإعلان عن صفقة القرن التي تقدم ترجمة لإجراءات الاحتلال، والواقع الذي خلقه على الأرض ما هو الا أول الخطوات، والإجراءات التالية قادمة، في ظل عدم توقع أي تحركات دولية أو إقليمية. وقد تكون إجراءات ضم الاحتلال للقدس ولهضبة الجولان السورية قبلها، بالونات اختبار أثبت لدولة الاحتلال أن أي إجراءات ضم إضافية لتثبيت الواقع على الأراضي المحتلة لن يقابل بمعارضة عنيفة.

تبدو المعطيات الواقعية اليوم واضحة للفلسطينيين، ليرسموا سيناريوهات الحل الممكن. فاول تلك المعطيات المخطط الإسرائيلي الذي بات واضحا للقيادة الفلسطينية، رغم أنه كان واضحًا من قبل لجهات فلسطينية عديدة لم يسمع صوتها، لضم الأراضي الفلسطينية، وترك الأراضي المكتظة بالسكان تحت إدارة فلسطينية تابعة لاوامر الاحتلال. الا أن الأخطر جاء في المعطى الثاني وهو الدعم الأمريكي المفتوح من قبل إدارة الرئيس الأمريكي الحالي، دونالد ترامب، الذي تعدى حدود أي دعم سابق، في محاولته لتشريع خطط وإجراءات الكيان الصهيوني المخالفة للشرائع والقوانين الدولية والتاريخ والجغرافيا وأية معايير للعدالة الإنسانية.

ويبدو كذلك أن المعطى الثالث خطير ومهم، ويشمل تحولاً في مواقف الدول العربية من حل القضية الفلسطينةً. فبالرغم من أن الدول العربية لم تقو يوما على تغيير واقع الأراضي الفلسطينية المحتلة، الا انها لم تدعم إجراءات الاحتلال يوما، الا أننا اليوم نقف أمام حالة من الدعم أو التردد في الدعم أو الصمت أو الاعتراض المتردد، في حالة لم تمر بها الأمة العربية من قبل. وبات واضحا اليوم أن هذه الحالة العربية المؤسفة لا تخرج عن كونها أحد نتائج الثورات العربية.

ولا يقل المعطى الرابع من الأهمية عن المعطيات الثلاثة سابقة الذكر، وتتمثل في موقف القوى الكبرى لخطة إسرائيل والدعم الأمريكي لها. فعلى الرغم من وجود عدد من القوى الدولية، التي وقف مواقف داعمة صراحة لحل الدولتين والمفاوضات على أساس قرارات الشرعية الدولية كالاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة وكندا، وجهات أكثر تردداً ضمن نفس الإطار كروسيا وألمانيا، في مواقف يمكن تقيمها أكثر جرأة ووضوح من دول عربية عديدة، إلا أن فلسطين ليست ليبيا ولا العراق لعمل تحالف دولي لحمايتها.

اليوم نقف كفلسطينيين في وضع صعب ومعقد، بعد أن سقطت أحلام ربع قرن من العملية السلمية والمفاوضات ادراج الرياح. ولم يبق بين أيدينا الكثير من أوراق اللعبة السياسية، بعد أن تم تحييد الدور العربي والغربي. الا أن ورقة واحدة هي التي بقيت، وطالما كانت موجودة، هي تلك التي عول عليها الرئيس محمود عباس في خطابة أمس، إنها كلمة الشعب الفلسطيني. لا بد اليوم أن نقف جميعا أمام التزاماتنا كشعب فلسطيني موحد في الأراضي المحتلة والشتات، ولننس كل خلافاتنا السابقة، فخندقنا اليوم واحد وهدفنا واحد ومصيرنا واحد، ولا مجال للتردد والبحث عن المصالح الشخصية والفئوية والحزبية، لانها ستضيع جميعاً في حال ضياع ما تبقى من قضيتنا.

نحتاج للعمل الفلسطيني المتكامل لتحقيق خطة وطنية مشتركة ومتفق عليها، من قبل جميع الجهات الفلسطينية. نحتاج اليوم لتقود القيادة الحزبية والفصائلية العمل النضالي وتقف في الصف الأول في النضال ومقاومة المؤامرة، فأطفالنا لا يفترض أن يكونوا في الصفوف الأمامية. ونحتاج أيضا لنضال كل فلسطيني في الخارج في كل بقعة من بقاع الأرض، للترويج لنصرة قضيتنا ومواقفنا الثابتة لدى شعوب وحكومات الأرض. كذلك نحتاج لوقفة عنيدة من الفلسطينيين المتواجدين في داخل دولة الاحتلال، لاستخدام كل ثغرة وكل فرصة تساند قضيتنا العادلة. نحتاج اليوم لوقوف كل مدينة وكل قرية فلسطينية في جميع أرجاء الداخل الفلسطيني عام ١٩٤٨ او الأراضي المحتلة منذ

عام ١٩٦٧، وفي كل بقعة فيها فلسطيني على وجه الكرة الأرضية، لان هذه الجريمة ستصيب جميع الفلسطينيين في كل مكان.

أكاديمية وكاتبة فلسطينية