لا ثقة بجامعة الدول العربية

حجم الخط

بقلم راسم عبيدات

 

 من المهم جداً تحديد معسكر الأعداء والأصدقاء،ولذلك كانت الرجعيات العربية جزء من المشروع المعادي لأمتنا ولشعبنا الفلسطيني،وكان جل اهتمامها منصباً على كيفية تطويع المنظمة والقيادة الفلسطينية وتقديم الإغراءات والوعود لها،سواء مالياً أو التطمينات بان هناك حل قريب للقضية الفلسطينية على اساس قرارات الشرعية الدولية،وبان " المتطرفين" من المنظمات الفلسطينية،هم من يجلبون " الدمار" و"الضياع" للحقوق الوطنية الفلسطينية،وطوعوا قيادة المنظمة لكي ترهن حقوق شعبنا الفلسطيني لنتائج الإنتخابات الإسرائيلية والأمريكية،تحت شعارات واهمة وكاذبة وخادعة،بإمكانية قدوم قيادات اسرائيلية وأمريكية تؤمن وتطبق حل سياسي يقوم على قرارات الشرعية الدولية،ولكن بالواقع الملموس ثبت فشل هذه الرؤيا،والتي فقط كانت توفر للإحتلال المزيد من الوقت لقضم الأرض الفلسطينية ومضاعفة الإستيطان وفرض وقائع جديدة عليها....الان حدث تغيير نوعي في مجرى الصراع،وأمريكا عملت على حسم اسلوب الحل ومضمونه،خارج اطار الشرعية الدولية وقرارتها،بمنح اسرائيل الأرض والأمن والإزدهار والسلام ،وبما يحقق اهدافها الأمنية والديمغرافية والإقتصادية والسيادية والإستراتيجية،وبالمقابل منح الفلسطنيون كلام منمق وعسل مجبول بالسم،بالحديث عن الدولة والكرامة الوطنية والإزدهار والقضاء على الفقر والإستثمار والتطور الإقتصادي،ولكن على ارض الواقع ما هو ممنوح للشعب الفلسطيني ليس سوى " ارخبيل" محاط بسيطرة وسيادة اسرائيلية من كل الجهات،وحتى الجسور والأنفاق التي تصل مناطق هذا " الأرخبيل" تحت السيطرة والسيادية الإسرائيلية،وهذا " الأرخبيل" لا يمتلك أي سيادة او سيطرة لا على حدود ولا معابر ولا اجواء ولا ثروات طبيعية ولا أمن ولا تواصل جغرافيا مباشر مع دول الجوار،وهو يعيش تحت الرحمة الإسرائيلية الكاملة.
الموقف الفلسطيني رسمياً وشعبياً حتى اللحظة يبدو متماسكاً وموحداً في الرفض لصفعة العصر الأمريكية،هذا الموقف الذي نتمنى ان يحول هذا الرفض ويترجمه الى خطة عمل وبرنامج ينبثق عنه استراتيجيات متعددة ومتكاملة لكيفية مواجهة هذه الصفقة،التي جاءت كتتويج لما جرى تطبيقه وتمهيد لما سيجري تطبيقه لاحقاً،ولعل الدعوة الفلسطينية لإجتماع طارىء لمجلس وزراء الخارجية العرب،من اجل الحصول على موقف عربي موحد داعم للموقف الفلسطيني برفض التعاطي والتعامل مع صفقة القرن الأمريكية محفوفة بالمخاطر،وذلك لمعرفتنا بطبيعة النظام الرسمي العربي المنهار والمتعفن،فمن المتوقع ان يواجه الرئيس الفلسطيني والوفد المرافق بمواقف متصلبة من العديد من الدول العربية المتبنية والمتساوقة مع الصفقة والمشروع الأمريكي،فهناك ثلاثة سفراء خليجيون البحرين والإمارات وعُمان حضروا اعلان صفقة القرن في واشنطن،وهناك دول عربية في مقدمتها السعودية ومصر أشادات بالدور الأمريكي الذي يعمل على تحقيق "السلام" والمقصود هنا فرض الإستسلام على الشعب الفلسطيني.
نحن ندرك بان موازين القوى في جامعة الدول العربية،التي لم تعد تحمل من العروبة سوى الإسم،تماماً كما حال صفقة القرن الأمريكية
التي تتحدث عن الدولة الفلسطينية كأسم فقط،وفي التفاصيل كانتونات مقسمة الى " بانتوستانات" بحماية اسرائيلية،تميل لصالح الدول العربية التي هي شريك ومتواطىء في ومع صفقة القرن الأمريكية،او من تسمي نفسها بمعسكر الإعتدال العربي " الإعتلال"،والتي لم تجلب لشعبنا الفلسطيني وأمتنا العربية سوى الكوارث والهزائم والمصائب....فالدول العربية في قمتها التي عقدت في بيروت في تموز/ 2002 ،أطلق الملك السعودي الراحل عبد الله بن عبد العزيز مبادرة للسلام،تم تبنيها عربياً،وهي تقوم بالجوهر على حل الدولتين،دولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران/ 1967 وعاصمتها القدس،ولم يكن هناك مصطلح لا شرقية ولا غربية،وضمان حق اللاجئين الفلسطينيين بالعودة الى ديارهم وفق قرارات الشرعية الدولية ...واسرائيل وأمريكا رفضتا التعاطي مع هذه المبادرة،إلا في الشق المتعلق منها بالتطبيع العلني والرسمي للعلاقات بين دول النظام الرسمي العربي ودولة الإحتلال،الشق الذي يجب أن يتحقق بعد انسحاب اسرائيل من الأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة عام /1967...وبقيتا على رفضهما،وبقيت المبادرة العربية للسلام ترحل من قمة الى أخرى ويجري الهبوط بسقفها لكي تقبل بها دولة الإحتلال،ولكن اسرائيل بقيت ثابتة على موقفها والنظام الرسمي العربي المنهار والمتعفن،يتراجع ويكيف تلك المبادرة مع الإشتراطات الإسرائيلية - الأمريكية ...ولتصل الأمور الى ما أرادته اسرائيل وأمريكا شرعنة وعلنية التطبيع بين دول النظام الرسمي العربي مع دولة الإحتلال،وتغيير لأسس وقواعد الصراع من صراع عربي- إسرائيلي جوهره القضية الفلسطينية الى صراع إسلامي مذهبي( سني – شيعي)،عبر خلق عدو افتراضي رسمته واشنطن لدول النظام الرسمي العربي،ألا وهو ايران. طبعاً دول النظام الرسمي العربي المنهار إنتقلت للتطبيع العلني والشرعي ورسم التنسيق والتعاون والتحالف مع دولة الإحتلال،دون اشتراط تحقق الشرط الأول،وهو الإنسحاب الإسرائيلي من الأراضي العربية المحتلة عام 1967،وفي مقدمتها الأراضي الفلسطينية ...التغيرات البنيوية داخل النظام الرسمي العربي،والتي أوصلت هذا النظام الى درجة الخيانة والتفريط بالحقوق والأرض العربية،وجعلت منه محميات امريكية واسرائيلية،بحيث غدا عاجزاً عن إمتلاك القرار والإرادة للتقرير حتى في قضاياه ومصائره الداخلية،تجعلنا ندرك تماماً،بأن هذا النظام ووفق التعليمات الأمريكية - الإسرائيلية،سيطالب وسيضغط على الرئيس الفلسطيني والقيادة الفلسطينية للتعامل مع صفقة القرن الأمريكية كواحدة من المرجعيات "للسلام"،بمعنى ان يقبل الطرف الفلسطيني أولاً بالإنفتاح على هذه الصفقة،كأحد مرجعيات عملية السلام،

ولكي تصبح لاحقاً هي المرجعية الوحيدة التي تصفي القضية الفلسطينية بالكامل،ولذلك الموقف الفلسطيني يجب ان يكون حازماً جداً لا تعاطي ولا قبول بصفقة القرن الأمريكية ...ورفض صدور اي بيان يتضمن مثل هذا الشرط،حتى لو لم يكن هناك بيان،فهذه قضية جوهرية،ويتوقف عليها مصير شعب،ولكي نحمي خيارنا وموقفنا علينا ان نفتح القرار والخيار الفلسطيني على أرحب فضاء عربي واسلامي واممي لمقاومة ضغوط دول النظام الرسمي المنهارة والمتعفنة،وفي حال وافقت اي سلطة او قيادة فلسطينية على مثل هذا المطلب،الذي عرابه المشيخات الخليجية وفي مقدمتها السعودية ومعهن مصر، فهذا يعني بأنها تنتحر سياسياً.