مهزلة القرن!!

حجم الخط

بقلم: البروفيسور ألون بن مئير

 

بعد ثلاث سنوات من توليه منصبه، لا يكاد المرء يفاجأ بما يستطيع ترامب قوله أو القيام به أو التخطيط له. وفي خضم محاكمة عزله، أعلن ترامب أخيرًا عن "صفقة القرن" التي تجاهلت تمامًا العديد من قرارات الأمم المتحدة والاتفاقات التي رعاها المجتمع الأوروبي والولايات المتحدة والاتفاقات الثنائية بين إسرائيل والفلسطينيين. وكان ترامب كلف جاريد كوشنر"خبيره المعترف به دولياً في شؤون الشرق الأوسط " للتوصل إلى اتفاق لحل صراع دام سبعة عقود استعصى على كل إدارة أمريكية منذ عام 1948.

وفي حين لعبت الولايات المتحدة على مر السنين دورًا رئيسيًا في الجهود المبذولة لحل النزاع الإسرائيلي الفلسطيني، لم تقدم أي إدارة أمريكية مثل هذا الاقتراح التفصيلي الذي يمنح إسرائيل بكل تأكيد جميع قائمة رغباتها، حيث كانت كل إدارة سابقة تدرك تمام الإدراك أن المساس بالنتيجة سيحكم على أي صفقة مرتقبة من البداية، وعليه استقر الرأي على تقديم مخطط عام يتفق مع الاتفاقيات السابقة المعترف بها.

أما عندما يتعلق الأمر بترامب، فإن الاتفاقات المؤقتة السابقة وقرارات الأمم المتحدة والمفاوضات المباشرة العديدة بين الجانبين ليست مهمة. وعوضا عن ذلك، اعتمد على "مهاراته التفاوضية" وجرأته الصريحة في تقديم حل لا يستطيع أي شخص يمتلك أي معرفة عميقة بتاريخ النزاع وتعقيداته وأبعاده النفسية والبراغماتية التفكير فيه.

ومن المهم الملاحظة أن إسرائيل والفلسطينيين أنكرا على مر السنين حق كل منهما الآخر في الوجود بدولة مستقلة، وادعى كل طرف بالبراءة وأن الظلم الكامل فيه مغالطة. وساهما في المأزق والذنب لعدم الالتزام بالاتفاقات العديدة التي رعاها المجتمع الدولي والتي كان اشتركوا فيها من البداية. ويقدم التالي ملخصًا لهذه القرارات والاتفاقيات:

في 29 تشرين الثاني 1947، أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار 181 الذي نص على أن "دولتين عربية ويهودية مستقلة ... ستدخل حيز الوجود في فلسطين ... في موعد لا يتجاوز 1 تشرين أول 1948."

وفي 22 تشرين الثاني 1967، أصدر مجلس الأمن القرار 242 الذي ينص على "التأكيد على الاحترام والاعتراف بالسيادة والسلامة الإقليمية والاستقلال السياسي لكل دولة في المنطقة ... للعيش في سلام داخل حدود آمنة ومعترف بها ..."

وفي 22 تشرين أول 1973، دعا قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 338 "الأطراف المعنية للبدء فوراً، بعد وقف إطلاق النار، في تنفيذ قرار مجلس الأمن 242 (1967) بجميع أجزائه ..."

وفي 17 أيلول 1978، أعلنت اتفاقيات كامب ديفيد أن "الأساس المتفق عليه للتوصل إلى تسوية سلمية هو قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 242 بجميع أجزائه".

وفي 13 أيلول 1993، هدفت اتفاقيات أوسلو إلى إرساء مبادئ الحكم الذاتي، حيث نصت أنها "تؤدي إلى تسوية دائمة تستند إلى قراري مجلس الأمن 242 (1967) و338 (1973)."

وفي 28 آذار 2002، دعت "مبادرة السلام العربية"، التي أقرتها جامعة الدول العربية والمجتمع الدولي بالإجماع، بما في ذلك غالبية الإسرائيليين، "إلى ... قبول إسرائيل بدولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية ..."

وفي 30 نيسان 2003، أصرت خارطة الطريق الخاصة باللجنة الرباعية المؤلفة من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة وروسيا، على أن "التسوية ... ستؤدي إلى ظهور ... دولة فلسطينية تعيش جنبًا إلى جنب في سلام وأمن مع إسرائيل وجيرانها الآخرين ".

لكن ترامب بحكمته اختار تجاهل هذه القرارات السابقة تمامًا والتركيز بدلاً من ذلك وبشكل أساسي على ما يعتبره "الأفضل لإسرائيل"، على الرغم من أن الصفقة ستلحق الضرر بإسرائيل أكثر مما يتخيل. وأجرؤ على القول أنه لربما يفهم آثارها الوخيمة على إسرائيل لكنه يهتم بقدر ما يخدم مصالحه.

فهو معروف بانتهاكه الاتفاقيات الدولية، حيث انسحب من اتفاق باريس بشأن التغير المناخي، والإتفاق النووي الإيراني والاتفاقيات التجارية مع الصين وكندا والمكسيك وألغى على الصعيد المحلي العشرات من اللوائح التي سنتها إدارة أوباما. ومن المؤكد أنه يريد أن يضع بصمته على كل شيء سواء اتفق مع الموضوع أو لم يتفق معه.

وهذا يطرح السؤال حول أي منطق يستطيع ترامب أن يتحمل على أساسه، الحق السياسي والديني والأخلاقي في تقسيم الأرض المحتلة بين إسرائيل والفلسطينيين في تحد لجميع الاتفاقات السابقة والاتفاقيات المعترف بها دولياً؟

وبينما تشاور مع الإسرائيليين بكل تأن حول كل بند من بنود الصفقة، إلا أنه تجاهل الفلسطينيين تمامًا. وعلى الرغم من حقيقة قيام الفلسطينيين بقطع المحادثات المباشرة مع الولايات المتحدة جراء اعتراف ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل، كان عليه على الأقل أن يجري إتصالات في قناة خلفية مع القادة الفلسطينيين للنظر في مطالبهم التي يمكن أن تضمن بعض القبول بدلاً من الرفض الصريح.

وفوق كل ذلك، ولكي يكشف ترامب عن صفقته العظيمة، وقف الى جانب نتنياهو حيث بعث برسالة لا لبس فيها حول ماهية الجهة التي يدعمها ويتعاطف معها. ووحده ذلك المشهد كان كافيا لإثارة إشمئزاز حتى الفلسطينيين المعتدلين الذين لولا ذلك لكانوا قدموا خدمات شفوية للصفقة على الأقل، لكن ذلك لم يكن على جدول أعمال ترامب. وعلى العكس من ذلك، قام بذلك عمداً من أجل جمهوره، وقد نجح في ذلك.

ومثل كل شيء آخر، فكل ما يلمسه ترامب يموت. وإذا كان هناك أي أمل في سلام إسرائيلي، فقد تأجل الآن لسنوات إن لم يكن لعقود. ولن يضيع الإسرائيليون وقتهم في التصرف وفقًا لجميع الأحكام المنصوص عليها في الصفقة. فمن جهته، صرح غانتس زعيم حزب "أزرق أبيض" أنه سيقوم بضم كل المستوطنات وغور الأردن في حال قيامه بتشكيل الحكومة الإسرائيلية الجديدة.

وكنتنياهو، فبالنسبة إليه فإن الدعم السياسي الأمريكي هو المهم بغض النظر عن أية اتفاقيات أخرى معترف بها دوليًا والتي منحت الفلسطينيين الحق في إقامة دولة مستقلة خاصة بهم.

ولا شك أن خطة ترامب للسلام يجب أن يعاد تسميتها بـ "مهزلة القرن" التي سيدفع الإسرائيليون والفلسطينيون ثمنها من دمائهم.