هل يتصدى الفلسطينيون للجبهات الدبلوماسية .. الخارجية والداخلية ؟

حجم الخط

بقلم: د. دلال عريقات

 

تمر فلسطين بمشهد من الجبهات الدبلوماسية المتتالية، وهذا يتطلب متابعة حثيثة مدروسة وعميقة من قبل القيادة. سنتحدث اليوم عن ثلاث جبهات:

الجبهة الأولى: صفقة القرن والمستوطنات

خرج فريق ترامب برؤية "السلام من أجل الازدهار" تحت ما سُمي بصفقة القرن وهي خطة لضم ومصادرة ما تبقى، وانشغلت القيادة برفض هذه الصفقة وعقدت لقاءات على مستوى وزراء الخارجية العرب ومجلس الأمن في الأمم المتحدة، ما زالت القيادة الفلسطينية وعلى مستويات مختلفة تحاول الرد لاقناع العالم بأسباب رفض هذه الصفقة وتذكير المجتمع الدولي بالشرعية الدولية وحقوق الفلسطينيين المحفوظة في القرارات والقوانين الدولية. وخرجت عن مجلس حقوق الانسان التابع للأمم المتحدة وبعد ٤ سنوات مضنية من المتابعة قائمة الشركات الـ ١١٢ العاملة في المستوطنات والمخالفة للقوانين. خروج القائمة مهم ولكن يلزمنا الاستمرار في فضح هذه الشركات والترويج لعدم قانونيتها حتى توقف أعمالها في المستوطنات، فالهدف ليس محاربة هذه الشركات ولكن مواجهتها حتى تخرج من المستوطنات الاسرائيلية المقامة على الأراضي الفلسطينية.

الجبهة الثانية: المحكمة الجنائية الدولية

بعد إعلان المحكمة نيتها فتح تحقيقات ضد جرائم الحرب الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة في ديسمبر ٢٠١٩، فتحت المحكمة المجال للدول والأفراد بإبداء الرأي، ومحاولات تسييس المحكمة الجنائية الدولية خطيرة قد تؤذي الحق الفلسطيني مرة أخرى وتعيق عمل المحكمة وخاصة أن دول كبرى مثل ألمانيا وأستراليا والنمسا وجمهورية التشيك وهنغاريا والبرازيل قدمت تقارير للمحكمة تدعم الموقف الاسرائيلي، بحجة ان فلسطين ليست دولة كاملة وبالتالي على المحكمة ألا تباشر في التحقيقات بل توجه النقاش نحو المفاوضات وحل الدولتين وأموراً وتفاصيل سياسية تصب في خدمة اسرائيل على حساب الحقوق الفلسطينية.

من الجدير بالذكر ان انضمام فلسطين لمحكمة الجنايات الدولية لم يكن أمراً بسيطاً، فهو عبارة عن مسيرة دبلوماسية احتاجت للكثير من الصبر والتروي والعمل الجماعي الاستراتيجي. الانضمام بدأ بالتوجه للأمم المتحدة لرفع مكانة فلسطين في العام 2012 الى دولة غير عضو مما سمح بالانضمام لمجموعة من الاتفاقيات والمواثيق الدولية وأهمها ميثاق روما الخاص بالمحكمة. لقد قبلت بن سودا الولاية للتحقيق في إحالة المجرمين الاسرائيليين تحت بند جرائم حرب وهذا إنجاز دبلوماسي تاريخي.

الجبهة الثالثة: الجبهة الداخلية

فلسطينياً، متوقع من القيادة متابعة كافة هذه الجبهات والقيام بالخطوات المناسبة للحفاظ على الموقف الفلسطيني الوطني. بالنسبة للمحكمة الدولية، من المهم جداً تركيز الخطاب وتوحيده بالمطالبة بالبدء بإجراءات التقاضي. بالنسبة لرؤية ترامب التي تخدم نتنياهو، المطلوب والمتوقع من القيادة ان ترد في الساحات الدولية، ولكن البديهي والفوري للقيادة أن تتحرك داخلياً، هناك ملفات عديدة بحاجة للتعامل السريع من الانقسام إلى المؤسسات لإصلاح القوانين والحريات والانتخابات وهنا وجب التنويه لعدة أمور من شأنها أن تخلق جبهة داخلية ضد المصلحة الوطنية الفلسطينية وبالتالي على القيادة تجنب ما يلي:

١- المماطلة

٢- التركيز فقط على الساحات الدولية

٣- تشتيت الجهود وظهور عدة مؤسسات رسمية ترد بطرق مختلفة دون توحيد الرواية.

المحكمة الجنائية الدولية هي أحد أهم الوسائل السلمية والقانونية إلى جانب العديد من الوسائل الأخرى التي يتوجب علينا متابعتها، فهناك أدوات كثيرة يعمل الفلسطينيون من خلالها ويتطلب الوضع الراهن التركيز على أن القرار هو قرار قانوني متعلق بالاحتلال وجرائمه وعلينا التركيز والتروي وتوحيد الرواية والخطاب الإعلامي والقانوني والعمل على تحضير الكوادر والمختصين القانونيين والاستثمار في هذا الملف الهام.

التخوف الآن ذو طابع سياسي؛ وها هي المحكمة تواجه ضغوطاً سياسية من دول معارضة بشكل محدد لانضمام فلسطين للمحكمة، ولكن الفلسطينيين أصلاً يواجهون العديد من الضغوط والتهديدات وقطع المساعدات المالية، وعدم الاعتراف بفلسطين كدولة كاملة العضوية وغيرها. إلا أن ما نخشاه الآن هو ان تحيد المحكمة عن رسالتها والتزاماتها القضائية تحت ظل التهديد والضغوط الدولية.

الجبهة الاولى والجبهة الثانية تتطلبان تخطيط وفعل فوري من القيادة، وإلا ستنفجر الجبهة الثالثة.

- د. دلال عريقات، أستاذة التخطيط الاستراتيجي وحل الصراع، كلية الدراسات العليا/ الجامعة العربية الأمريكية.

الادارة