عوائق في طريق خطة كوخافي

حجم الخط

بقلم: عاموس هرئيل


بصورة مفاجئة تقريباً، أعلن الجيش الإسرائيلي، هذا الاسبوع، عودة نافذة الفرص الاستراتيجية. قبل نحو خمس سنوات أدت تطورات إقليمية مهمة – الاتفاق النووي سيئ الصيت مع ايران، والهزة في العالم العربي – الى الافتراض بأنه لا تلوح في الأفق حرب شاملة. ولهذا السبب اقترح الجيش الإسرائيلي في حينه تحويل مبالغ كبيرة من الاستعداد للهجوم المحتمل على ايران الى ضرورة تطوير القدرات العملياتية البرية.
وهذا ما حدث بدعم الحكومة، في اطار الخطة متعددة السنوات «جدعون» تحت قيادة رئيس الاركان السابق، غادي آيزنكوت، والذي يريد، الآن، وريثه، أفيف كوخافي، إطلاق الخطة متعددة السنوات القادمة «زخم»، التي هي أيضا تعتمد على تخصيص مبالغ كبيرة لتطوير قدرات متنوعة اضافية.
وإذا تم تطبيق هذه الخطة فهذا سيكون التغيير الاساسي بالنسبة للوضع في الأشهر الأخيرة، منذ أن تم جرّ هيئة الاركان رغم أنفها لتستخدم كجوقة مرافقة في التخويفات من حرب رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو. في الوقت الذي يقف فيه الايرانيون على الأسوار في سورية ويتم نصب صواريخ بعيدة المدى في اليمن وفي الخلفية يعتمل الخوف من استئناف المشروع النووي العسكري، خلق نتنياهو الانطباع بأن تدهورا سريعا سيؤدي الى حرب اقليمية تعتبر سيناريو معقولاً. هذا السيناريو يلزم بشكل طبيعي انضمام «ازرق ابيض» الى الائتلاف سريعاً بشروطه ورئاسته.
ولكن الرسالة التي تصل الآن من هيئة الأركان العامة هي أكثر تعقيدا وربما أكثر دقة، وهي أن ايران تقع تحت ضغط اقتصادي كبير، وهي لا تزال تسارع نحو الذرة؛ خطر حرب تقليدية مع الجيوش في احدى الدول المجاورة ليس مرتفعا، والجيش السوري بدأ في الانتعاش؛ الاردن ومصر لهما اتفاقات سلام مع إسرائيل، وحتى ثورات ضد الانظمة فيها لن تؤدي على الفور الى مواجهة عسكرية. الخطر الرئيسي يتعلق بتدهور غير متعمد في قطاع غزة أو على الحدود الشمالية، حيث يمكن أن يؤدي الى اندلاع حرب. ولكن هذا التطور يوجد على الاجندة منذ بضع سنوات.
هذه الظروف تمكّن الجيش الإسرائيلي، حسب رأي كوخافي، من تكريس المزيد من الوقت والاموال لعملية بناء طويلة المدى. وهو يميل الى أخذ الأخطار من أجل أن يمنح الجيش زخماً في السباق امام العدو، ووضعه في وضع افضل، ازاء القدرات التي يطورها بالتدريج الاعداء وعلى رأسهم «قوة القدس» و»حزب الله» و»حماس». في الجانب الثاني يقف ما يسميه رئيس الاركان «جيوش الارهاب» - منظمات متناثرة، تمتلك مخازن سلاح وصواريخ بكميات أكبر مما تمتلكه دول المنطقة. هذه التنظيمات تستخدم أنظمة دفاع في المناطق الحضرية التي يصعب التعامل معها وتبلور في المقابل ايضا قدرات لاقتحام هجومي، بالاساس بوساطة قوات كوماندوز. والى جانب تهديد الصواريخ للجبهة الداخلية فإن تفوق إسرائيل التقليدي سيتم تحديه بخطوات مضادة: في الجو (صواريخ مضادة للطائرات)، في السايبر، وبوساطة الحرب الالكترونية.
في مركز الخطة متعددة السنوات يوجد، حسب رأي كوخافي، استعداد لحرب فجائية، الى جانب الحاجة الى التغير استعدادا لحرب مستقبلية. لا يوجد تناقض بينهما. بدأ الجيش الإسرائيلي بخطوات لتحسين القدرة على كشف انظمة العدو (التي في معظمها توجد داخل التجمعات السكانية المكتظة)، وتحليل سريع للمعلومات وضرب فعال وأسرع لعدد كبير من الاهداف. جزء كبير من الخطة يستند الى تحقيق هذه القدرات، التي توجد الآن في الاساس في القيادات في الخلف، وايصالها الى مستوى الشارع، أي الى الوحدة الفرعية الاصغر التي تحارب داخل شارع معين، في مدينة أو مخيم للاجئين. يرتبط هذا برفع الحواجز بصورة تكون فيها جميع الادوات المختلفة وجميع الوحدات مرتبطة في النهاية معا من خلال شبكة اتصالات مشتركة.

الجندي الموجود في الدبابة سينتظر
كوخافي من كبار هواة التفكيك والتركيب. هكذا تعامل مع مناصبه الكبيرة، ومنها رئيس الاستخبارات العسكرية وقائد المنطقة الشمالية. وهكذا هو يفعل، الآن، بصورة اكثر شدة مع الخطة متعددة السنوات. ورئيس الاركان هو رجل تسويق لا ينقطع، ويستثمر جهودا كبيرة في الترويج لخطته. القيادة العليا، كما يبدو، تقف حول الخطة متعددة السنوات. المعروضات بلا شك تبدو ممتازة. ومع ذلك تثير الخطة الشك. في لقاء استمر خمس ساعات مع مراسلين، هذا الاسبوع، لم تذكر وحدات الاحتياط ولو مرة واحدة. وقرار تقليص عدد الدبابات مرة اخرى سيقض مضاجع جنود مدرعات قدامى بالتأكيد.
فوق هذه الخطة تحلق ثلاث علامات استفهام رئيسية. الاولى اقتصادية: تتحدث وزارة المالية عن الحاجة الى تقليص 20 مليار شيكل من ميزانية الدولة لتغطية العجز، هذه السنة، و30 مليار شيكل في السنة القادمة. وهذا لا يتساوق مع وعود رئيس الحكومة بالاهتمام باحتياجات الجيش. فالجيش يمكنه حقا الاعتماد على 3.8 مليار دولار في السنة من اموال المساعدات الأميركية الى جانب اضافة خاصة تبلغ ملياري شيكل تمت المصادقة له عليها، هذه السنة، اضافة الى موارد من اعادة توزيعات داخلية في الميزانية. ولكن كل ذلك غير كاف من اجل احداث ثورة حقيقية، مثلما يخطط رئيس الاركان. هذه الامور مرتبطة بالمزيد من الاموال التي ستتأخر في الوقت الحالي على الاقل الى حين أن يتضح الوضع السياسي.
العلامة الثانية هي العنصر البشري. الخطة متعددة السنوات والمليئة بالتكنولوجيا المتطورة، لذلك هي ترتبط بجنود وضباط يكونون مدربين وأذكياء بما فيه الكفاية من اجل تشغيل الوسائل الجديدة. هنا توجد للجيش مشكلة طويلة المدى، آخذة في التفاقم، وتتعلق سواء بالدافعية للخدمة أو بالرغبة في التوقيع على الخدمة الدائمة. دون وجود عدد كاف من الجنود ذوي المؤهلات المناسبة فإن هذه الامور لن تتحرك بالوتيرة التي يطمح اليها رئيس الاركان.
علامة الاستفهام الثالثة ترافق رئيس الاركان من عقدين. البرامج المختلفة تعد في كل مرة باعادة سلاح البر الى مكانته ووضع الهجوم البري الكبير في مكان متقدم في سلم الاولويات. هذه الامور يمكن أن تحدث من تلقاء نفسها، ازاء اطلاق اكثر من ألف صاروخ على الجبهة الداخلية في كل يوم من ايام الحرب، ولن يكون للحكومة ببساطة أي خيار عدا المصادقة على عملية برية واسعة. ولكن في جميع العمليات الاخيرة (حرب لبنان الثانية في 2006، والحروب الثلاث الاخيرة في غزة)، فإن التهديد البري كان اكثر تواضعا، والحكومات ترددت. وفي نهاية المطاف اختارت الامتناع عن القيام بعمليات كبيرة خوفا من خسائر كثيرة وانتقادات من قبل الجمهور. ربما أن الجيش عمل على شحذ الادوات في حال أن السياسيين ببساطة لم يسمحوا باخراجه من الغمد.
هذه ليست اوقاتاً مريحة لكوخافي. فمن جهة يستمر عدم الوضوح في الميزانية حول الخطة متعددة السنوات. ومن جهة اخرى هناك حاجة الى الضغط على الكوابح ازاء مغامرات عسكرية محتملة سيجر اليها المستوى السياسي (ما زلنا نذكر ليلة الصواريخ على اسدود قبل الانتخابات الاخيرة في ايلول). ومن جهة ثالثة، يلوح الخطر بأن نتنياهو بشكل خاص سيعود وسيحاول تكريس الجيش لاغراض حملته الانتخابية.
في الخلفية يتطور قلق آخر. وجد الجيش نفسه في سلسلة من القضايا التي تهز مصداقيته في نظر الجمهور. هذا حدث حول غرق الطائرات في قاعدة سلاح الجو حتسور (الذي اخفي عن الجمهور ثلاثة ايام)، وقضية تضخيم معطيات تجنيد الاصوليين، وحول موضوع أقل اهمية بكثير ثارت فضيحة بسبب الاحتفالات بتجنيد المغنية نوعا كيرل، التي كشفت وجود «مسار ابداعي» يمنح مجندين مشهورين اعفاءات مرفوضة. ايضا هذه القضية الصغيرة لم ترق لرئيس الاركان.

عن «هآرتس»