نهـايـة عصـر السياسـة: اليمـين الإسرائيلـي فــاز بالضـربـة القاضـيـة

حجم الخط

بقلم: روغل ألفر


أجواء آخر الأيام لقدوم المسيح سائدة في إسرائيل في هذه الاثناء. اليمين في إسرائيل تتملكه الحمى اللاهوتية. فهو يفسر حلم ترامب كخطة إلهية وهو على قناعة بأن الخلاص قريب. حلم الضم القادم يحظى بالدعم من الأغلبية الساحقة في الجمهور الإسرائيلي. هو في الحقيقة متفق عليه مع فروق هامشية في الحزبين الكبيرين، «الليكود» و»ازرق ابيض»، وهو مقبول على حزب «إسرائيل بيتنا» وحزب «يمينا» والاحزاب الدينية. الجمهور كما يبدو غير مبال ومقطوع عن الواقع. وكما يظهر فإنه لا يعنيه أي شيء – سواء وعود الضم أو المحاكمة القريبة لرئيس الحكومة أو هجوم «حماس» المستمر على سكان غلاف غزة أو شرارة الاشتعال العنيفة في الضفة أو لقاء بنيامين نتنياهو مع رئيس السودان أو حتى عودة نعامي يسسخار. ولكن كما يبدو فإن هذا تضليل. الحقيقة هي أن الجمهور اليهودي في إسرائيل، ببساطة، وصل الى نهاية التاريخ أو نهاية السياسة. لقد انتهى الصراع بين اليمين واليسار، وتم حسمه بالضربة القاضية من قبل اليمين.
من ناحية سياسية العرب في إسرائيل لا يحسب حسابهم. فهم غير مؤهلين للمشاركة في الحكم، وهم مدعوون ليكونوا صيادلة والتنافس في برامج الواقع وبيع الحمص، لكن لا أن يكونوا وزراء في الحكومة. الجمهور اليهودي (فيما بعد الجمهور، لأن العرب كما قلنا لا يحسب حسابهم) توصل الى اجماع. النقاش الذي اشتعل هنا في زمن «اوسلو» ووصل الى الذروة عند قتل رابين، خمد، ليس لأنه اصبح مملا؛ بل لأنه حسم.
لم يعد هناك «نصف شعب» يؤيد اعطاء الاراضي مقابل السلام، والنصف الآخر يعارض. مفهوم «السلام» اختفى تماما من الخطاب، وهكذا ايضا مفهوم «الاحتلال». هناك اغلبية يمينية واضحة تؤيد سياسة نتنياهو. وهي تشمل حزب «ازرق ابيض». لن يتم اخلاء أي مستوطن من بيته. لن تتم اقامة دولة فلسطينية. إسرائيل ستفرض السيادة على المستوطنات.
بسبب ذلك، ايضا التقسيم التقليدي في الخريطة السياسية، (يمين ويسار)، هو مضلل. احزاب اليسار الوحيدة التي بقيت في إسرائيل هي القائمة المشتركة واجزاء من الاتحاد بين ميرتس والعمل – غيشر. مفهوم «يسار» هو لعنة سائدة. واذا كانت السياسة هي الاداة التي بواسطتها يحسم مجتمع ديمقراطي النقاش، فإن إسرائيل وصلت الى نهاية السياسة.
السبب الذي من اجله الجمهور غير قلق من ازدياد الحملات الانتخابية ومن احتمالية توقع اجراء حملات اخرى، هو أن هذا مفيد له. اليسار هزم وتقلص واصبح في هامش الهوامش والاجماع يسود البلاد. الحقيقة هي أنه لا توجد حاجة للسياسة. ما الفرق بين وضع فيه حملة انتخابات تعقب حملة اخرى الى ما لا نهاية وبين وضع لا توجد فيه حملات انتخابية أبدا؟ الجواب هو أنه لا يوجد أي فرق. ففي الحالتين البلاد هادئة من تلقاء ذاتها. ربما ستأتي لحظة فيها يتم الاتفاق على أنه لا حاجة الى السياسة أبدا، حتى لو ظاهريا. يمكن ابقاء الوضع على حاله.
النزاع بين السياسيين في مسألة تأييد نتنياهو هو شجار بين اصحاب النفوذ على مصيرهم. المواطنون يوجد لهم رأي، لكنه ليس في دمائهم. ايضا سلطة القانون هزمت واصبحت من التحف. ومكانها، على اعتبار أنها أرضية متفق عليها، حلت سلطة الأغلبية اليهودية. في عهد نهاية السياسة فإن اليساريين غائبون عن خارطة الاعلان والخطاب العام مثلما تبخر الشيوعيون بعد سقوط سور برلين. عندها فجأة وبمرة واحدة أصبح جميع السكان في اوروبا رأسماليين. والآن جميع الجمهور في إسرائيل «مع الدولة». الدولة فوق كل شيء – هذا شعار غانتس، بالمناسبة. نتنياهو سينزل عن الحلبة لاحقا، لكن نهجه انتصر وبشكل ساحق.

عن «هآرتس»