حسب التقدير الاستخباري السنوي لشعبة الاستخبارات العسكرية "أمان"، الذي نشر في وسائل الإعلام في 14 كانون الثاني 2020، يوجد "احتمال متدن لحرب مبادر إليها من جانب أعدائنا في 2020"، ولكن يوجد "احتمال متوسط حتى عال للإبقاء على معادلات الرد في الساحة الشمالية، في ظل جاهزية الخطر لدرجة الحرب". مثلا، بتقدير "أمان" فإن نصرالله مستعد ليرد على أعمال إسرائيلية لدرجة السماح بالدخول إلى حرب، والدليل هو الصواريخ المضادة للدروع التي أطلقتها المنظمة على سيارة الإسعاف العسكرية في أيلول 2019 على الحدود الشمالية، بهدف قتل جنود (ولما كانت الصواريخ أخطأت هدفها، امتنعت إسرائيل عن الرد والتصعيد).
بكلمات أخرى، حسب تقدير شعبة الاستخبارات، فان احتمال نشوب حرب، هذه السنة، نتيجة للتدهور والتصعيد، ليس متدنياً، وهو متعلق بقدر كبير بأعمال إسرائيل. كما يمكن الاستنتاج من التقدير بأن قدرة الردع الإسرائيلية موجودة، ولكنها محدودة؛ فالأعدء لن يتجلدوا على هجمات فوق حافة معينة من الإصابة. ولما كانت إسرائيل ستواصل سياستها من العام 2019، فان عليها أن تكون مستعدة للحرب، وبالتأكيد إذا ما أخذت بتوصية شعبة الاستخبارات لتصعيد الهجمات ضد الإيرانيين في سورية في 2020.
توصية شعبة الاستخبارات
في 14 كانون الثاني 2020 نشرت أيضا توصية شعبة الاستخبارات – تصعيد الهجمات ضد الإيرانيين في سورية أثناء 2020، لصدهم ولاستغلال اغتيال سليماني (3 كانون الثاني 2020) لإخراجهم من سورية. قبل ذلك في 25 كانون الأول 2019، في محاضرة في المركز متعدد المجالات في هرتسيليا، قال رئيس الاركان، أفيف كوخافي، إنه في بؤرة المعركة ما بين الحروب التي يديرها الجيش الإسرائيلي مع إيران وحلفائها، يوجد منع تموضع قوات القدس في سورية ومنع تهديد الصواريخ الدقيقة في كل ارجاء الشرق الاوسط.
بمعنى انه حسب توصية شعبة الاستخبارات لا يدور الحديث عن هدف جديد تماما، بل عن توصية بالصعود درجة في الإنجاز اللازم – من "منع التموضع" العسكري الإيراني في سورية إلى تصفية تواجدها العسكري. التوصية بتصعيد الهجمات تبين أن الفرق بين هذه الإنجازات اللازمة ليس بالمعنى الدال فقط.
تستند توصية شعبة الاستخبارات إلى تقديرها الذي يقضي بان تصفية سليماني حدث تأسيسي قد يحسم مسألة التدخل الإيراني في خارج حدود إيران، مع التشديد على سورية. وذلك أساسا في ضوء الوزن الكبير الذي كان لسليماني في تصميم السياسة الإقليمية الإيرانية وإقامة منظومة القوات خارج إيران من خلال قوة القدس التي كان يقودها سليماني. إضافة إلى ذلك، حسب تقدير شعبة الاستخبارات، في المحور الشيعي المتطرف الذي تقوده إيران، يبدو اليوم أنه ضعف. من هنا فإن التواجد العسكري الإيراني خارج حدود إيران قد يتلقى أفضلية متدنية اكثر عقب تركيز النظام في المجالات المتعلقة ببقائه، والتي هي في أفضلية عليا (الاستقرار الاقتصادي السياسي، الدفاع عن إيران نفسها، والبرنامج النووي).
منظمة "حزب الله" أيضا، الحليف الأساس لإيران، منشغلة في الساحة اللبنانية الداخلية، وتبدو واضحة بوادر عزل "حزب الله" عن إيران، كما هو تقدير شعبة الاستخبارات.
وكان رئيس شعبة الاستخبارات، اللواء تمير هايمن، شرح في نهاية كانون الثاني المنطق الاستراتيجي الذي يوجه توصية شعبة الاستخبارات. وعلى حد قوله، توجد سورية في مركز المحور الشيعي المعادي لإسرائيل، وعلى ارضها يجري اليوم صراع بين اللاعبين الإقليميين الذين يحاولون تصميم سورية. يوفر هذا الوضع لإسرائيل فرصة للتأثير على تصميم دور سورية في المعركة المستقبلية، وكسر المحور الشيعي المتطرف ضد إسرائيل. وأضاف هايمن إن غياب الفعل من شأنه أن يؤدي لتكون إسرائيل ضحية الظروف، حين يكون السيناريو الخطير هو أن يوجد في سورية نموذج، مصغر أو محسن، لـ "حزب الله" في لبنان. وبالنسبة للمخاطر، قال هايمن، فإن الحديث يدور عن أخذ مخاطرة محسوبة وعلى كل عملية تنفيذية يوجد تقدير وضع مدروس.
للبحث في توصية شعبة الاستخبارات أهمية كبيرة لأنّ تحققها من شأنه أن يؤدي إلى صعود كبير في مخاطر الحرب، بينما عدم تحققها من شأنه (على الأقل برأي المؤيدين لها) أن يؤدي إلى تفويت الفرصة لإبعاد إيران عن سورية.
ومع ذلك، مبدئيا، يجب التمييز بين التقدير الاستراتيجي لشعبة الاستخبارات وبين توصياتها بالعمل.
في مجال التوصيات للعمل، ليس لشعبة الاستخبارات المكانة المهنية الخاصة التي تمنح لها في مجال التقدير الاستخباري. وذلك لأن تقديرات الاستخبارات محدودة بتحليل المحيط الخارجي فقط، بينما توصيات العمل يفترض أن تكون ثمرة تقديرات الوضع.
وهي تدمج بين التقديرات الاستخبارية وتقدير قدرات إسرائيل ووضعها في جملة من المجالات، بما فيها العلاقات السياسية لإسرائيل وأساسا جاهزيتها للحرب واستعدادها للصمود أمام تداعياتها.
وعلى حد قول رئيس الأركان، أفيف كوخافي، في محاضرته في 25 كانون الأول 2019: "في الحرب القادمة - أتحدث عن حرب في الشمال أو حرب مع حماس - فإن شدة النار على الجبهة الداخلية ستكون كبيرة. انظر في عيون كل الناس وأقول شدة النار ستكون كبيرة، يجب الاعتراف بهذا".
كمعطيات خلفية أخرى للبحث في التوصية، ينبغي الإشارة إلى أن التواجد العسكري الإيراني في سورية يقدر بحجم 800 شخص؛ وإضافة إلى ذلك – تحت أجنحة إيران – توجد في سورية ميليشيات شيعية، جلبتها إلى الدولة، وكذا مقاتلون من "حزب الله" في لبنان.
كل هؤلاء معا هم بحجم يصل 15 ألف شخص. التواجد الإيراني في سورية يخدم أيضا مصالح إيرانية أخرى، ليست متجهة ضد إسرائيل، مثل حفظ حكم الأسد وتصدير الثورة.
تُمارس على إيران ضغوط أخرى لتقليص تواجدها في سورية، لا تتعلق بالضغط العسكري الإسرائيلي، بينها معارضة داخل إيران لإنفاق الأموال على أعمال عسكرية في دول الشرق الأوسط في الوقت الذي تعيش فيه في ضائقة اقتصادية، وكذا تعقيدات تتسبب بها قوة القدس، وعلى رأس ذلك إسقاط الطائرة الأوكرانية بالخطأ.
وهاكم فحصاً لمدى الجدوى مقابل مدى الضرر لاقتراح شعبة الاستخبارات، مع النظر إلى تقدير الشعبة بأنه يوجد "احتمال متوسط – عالٍ للإبقاء على معادلات الرد"، دون التقليل من خطورة التهديد الإيراني وفقا للتقدير.
مدى المنفعة – يدور الحديث عن حجم الإنجاز المحتمل واحتمالات تحقيقه. حجم الإنجاز المحتمل يتعلق بمسألة ما هي المصالح الاستراتيجية الواضحة لإسرائيل في سورية، وإذا كان الارتفاع في الدرجة في استخدام القوة سيجدي في تحقيقها. فليس كل تواجد عسكري إيراني في سورية يجب أن يعتبر هدفا استراتيجيا صرفا، بحيث إنه توجد حاجة إلى الانتقائية.
من ناحية القدرة، يجب أن نسأل ما هو الاحتمال في أن تنجح إسرائيل في إنهاء التواجد الإيراني في سورية بوسائل عسكرية بل الإبقاء على هذا الإنجاز على مدى الزمن.
يمكن التقدير بأن احتمال ذلك ليس عاليا. وحتى لو كان صحيحاً، من شأن الثمن أن يكون عالياً وخروج إيران من سورية لن يقلل مبدئيا قدراتها على العمل ضد إسرائيل من جبهات أخرى. فهي يمكنها أن تعمل من سورية نفسها، من خلال منظومة سرية، ومن خلال طلعات إلى سورية من أراضي العراق ولبنان، ومبعوثين من إيران (بما فيها قوات من الميليشيات الشيعية وحزب الله) ومن خلال مساعدة إيرانية لبناء الجيش السوري وتفعيله. وفي الوقت ذاته، إذا خرجت إيران من سورية، ستفقد إسرائيل سورية كمجال للردع والرد تجاه إيران.
مدى الضرر – يدور الحديث عن الاحتمال لمواجهة عسكرية وعن حجم الضرر المحتمل. فزيادة الهجمات ضد التواجد الإيراني في سورية متعلقة بالارتفاع في المخاطر للردود المضادة بل وارتفاع في خطر الحرب (حسب تقدير شعبة الاستخبارات).
في أعمال الجيش الإسرائيلي في الشمال مطلوب دقة كبيرة من أجل ألا يؤدي مجرد الإحباط إلى تصعيد، ولكن لا يمكن ضمان هذا تماما، وكلما ازدادت كثافة الهجمات، هكذا ازداد الاحتمال للنتيجة الشاذة.
ناهيك عن أن العدو يستخلص الدروس ويسعى إلى الإنجازات. والتدهور إلى الحرب من شأنه أن يقع أيضا عقب عملية بمبادرة من العدو، الذي أخطأ وقدر بأن إسرائيل ستحتويها (انظر حرب لبنان الثانية)، ثمن الأخطاء سيدفعه الطرفان. الحرب في سورية من شأنها أن تصبح متعددة الجبهات.
أضرار محتملة لإسرائيل مفصلة في سيناريو الجبهة المدنية في الحرب. وحتى لو لم تنشب حرب، من شأن إسرائيل أن تدفع الأثمان في إطار الردود المضادة، حالات خلل وتورط مع قوات أجنبية في سورية.
مثل هذا التورط من شأنه أن يقيد قدرة إسرائيل على تنفيذ هجمات لأغراض استراتيجية بحتة، مثل إحباط إنتاج ونقل سلاح استراتيجي (صواريخ دقيقة وما شابه) ومنع تموضع عسكري إيراني في سورية من النوع الذي من شأنه أن يهدد إسرائيل. حتى لو كان العدو يتجلد اليوم لاعتباراته الاستراتيجية، ينبغي الافتراض بأن الهجمات الفتاكة تزيد الحساب المفتوح.
في كل الأحوال، فإن هذه السياسة ستفترض من إسرائيل أيضا كلفات إضافية وجاهزية أعلى للحرب، التي ليس أي من الطرفين معنياً بها.
الخلاصة
أحد عناصر استراتيجية الأمن الإسرائيلية هو تمديد المدى الزمني الذي بين الأحداث الحربية، وفي هذه الأثناء إدارة المعركة التي بين الحروب لإحباط قدرة العدو، ما يمنح إسرائيل التفوق إذا ما وعندما تنشب الحرب.
توصية شعبة الاستخبارات تسعى ظاهرا إلى تحقيق هذا المنطق، غير أن المنفعة من الصراع حتى القضاء على التواجد العسكري الإيراني في سورية من شأنها أن تكون متدنية بالنسبة للمخاطر الكامنة فيها.
كما أنه يجب إدارة مخاطر الحرب في نظرة عمومية تأخذ بالحسبان أيضا التفجر العالي في الساحة الفلسطينية، وكذا إمكانية أن تكون إسرائيل مشاركة رغم أنفها في اشتعال بين إيران والولايات المتحدة. وبالتالي، حذار أن تزيد إسرائيل هجماتها على الإيرانيين في سورية، بما يتجاوز ما هو مطلوب للاحتياجات الإسرائيلية الصرفة.
في ضوء ذلك، يبدو أن الهدف لإخراج كامل القوات الإيرانية وحلفائها من سورية يجب تركيزه اليوم في الصراع في ساحة السياسة والوعي.
مثلاً على إسرائيل أن تكون مشاركة بوساطة روسيا والولايات المتحدة في تصميم الوضع في سورية، والعمل مع الولايات المتحدة بحيث يشترط رفع العقوبات المفروضة على إيران بوقف التآمر والتدخل العسكري لإيران خارج حدودها.
عن "مباط" عال"
الفصائل العراقية توقف هجماتها ضد إسرائيل.. ما السبب؟
23 ديسمبر 2024