صفقة داخل الصفقة: تفاهمات "كاسحة" بين اليمين الإسرائيلي وإدارة ترامب!

حجم الخط

بقلم: يهوديت اوفنهايمر وافيف تترسكي


بعد أسبوعين على نشر «خطة ترامب للسلام» أجرى السفير الأميركي، دافيد فريدمان، توجيها ومؤتمرا صحافيا في معهد أبحاث يميني في القدس. وقبل اختتام أقواله التي شرح فيها الخطة وامتدحها قال ما يلي:
«هناك الصفقة وهناك الصفقة التي توجد داخل الصفقة. الصفقة نفسها هي الوثيقة الطويلة التي قرأتموها... (اقتراح) دولتين قوميتين... وحسب رأيه هذه أساس لمفاوضات... فيما يتعلق بالصفقة داخل الصفقة – هذا هو الاتفاق الذي توصلنا إليه مع إسرائيل: إذا قامت إسرائيل بتجميد البناء في المستوطنات لمدة أربع سنوات في المناطق التي خصصتها الخطة للفلسطينيين وتعاملت مع الخطة (الأميركية) كقاعدة للمفاوضات، عندها ستعترف الولايات المتحدة بفرض القانون الإسرائيلي على المنطقة المخصصة لإسرائيل في يهودا والسامرة مثلما يظهر ذلك في خارطة المخطط. وافقت الولايات المتحدة على الاعتراف بفرض القانون الإسرائيلي. وأنا لا أعرف إذا كانت الكلمة هي تعويض، ولكنها محفز، من أجل أن تبقي إسرائيل المنطقة المتبقية مفتوحة  لـ(المفاوضات) من أجل اتفاق مستقبلي».
من الممكن ومن الواجب معارضة خطة ترامب. ولكن من يستخف بالوثيقة فإنه يفوته لب الموضوع. أجل، كاقتراح للمفاوضات بين طرفين، يدور الحديث عن وثيقة غير جدية، حيث إنه لا يوجد أي احتمال ليوافق الفلسطينيون على خطوط بداية كهذه. الخطة هي أحادية الجانب تماما إلى درجة أن عددا من الدول العربية التي ربما أرادت الوقوف إلى جانب ترامب، اضطرت إلى إدانتها. ولكن إضافة الى كونها اقتراحا لخطة سلام فإن الامر يتعلق بخطة عمل فعلية لضم المستوطنات وإفشال أي احتمالية لإقامة الدولة الفلسطينية. هذه هي «الصفقة التي توجد داخل الصفقة» التي يتحدث عنها فريدمان. وهي لا تثير إلا الضحك.
أسس الصفقة داخل الصفقة كانت مكشوفة لكل من يملك عينين في رأسه، حتى قبل نشر «صفقة القرن». ولكن يبدو أنه لم يكن بالإمكان صياغة خلاصتها بصورة أكثر دقة واستهزاء من صياغة فريدمان. والخطوات أحادية الجانب، التي اتخذتها الإدارة الأميركية بالتنسيق مع الحكومة الإسرائيلية قبل نشر «الصفقة» – نقل السفارة الأميركية الى القدس وتقليص المساعدات للسلطة الفلسطينية وانتهاء بالاعتراف الأميركي بهضبة الجولان – برهنت على أن اليمين في إسرائيل وإدارة ترامب توصلوا الى تفاهمات متقدمة حول خطوات أحادية الجانب كاسحة وغير قابلة للتغيير.
وقد أُضيفت لهذه الخطوات تصريحات السفير فريدمان والمبعوث غرينبلات بخصوص حق إسرائيل في ضم اجزاء من الضفة الغربية وتصريح وزير الخارجية الأميركي بومبيو بشأن شرعية المستوطنات. في مركز هذه التفاهمات يقف جهد أميركي - إسرائيلي مشترك لإعادة تنظيم إطار النقاش السياسي وفصل قضاياه الرئيسية – السيادة والحدود والقدس واللاجئين – عن المبادئ الملزمة لحل الدولتين وعن القانون الدولي، والانتقال من الضم الزاحف الى ضم جارف، رسمي وباعتراف أميركي.
لم تعد «الصفقة» المقترحة تجري بين تجمعين وطنيين توجد لهما حقوق تاريخية وسياسية متبادلة «الشرط الاساسي لأي عملية سياسية»، بل بين دولة سيادية ورعايا يعتمدون على رحمتها ورحمة دول راعية. وحتى لو أن الصفقة كانت تقدم ضريبة كلامية لفكرة الدولة الفلسطينية، فإن الشروط التي تضعها تفرغها من مضمونها. بكلمات اخرى، «الصفقة التي توجد داخل الصفقة» تحيد «الصفقة» تماما.
عند إعلان الرئيس الأميركي ترامب قراره نقل السفارة الأميركية إلى القدس في كانون الأول 2017، أعلن أيضا بأن نقل السفارة هو خطوة لـ»الاعتراف بالواقع»، لن تؤثر على العملية السياسية أو على حدود المدينة. عمليا، يوجد خط واحد يربط بين نقل السفارة واغلاق القنصلية الأميركية في شرقي القدس، وأخيرا اعلان ترامب الاعتراف بسيادة إسرائيل على جميع القدس، والقول إن الجدار هو خط الحدود، الذي يبقي حوالي ثلث سكان القدس الفلسطينيين خارج حدود المدينة.
هكذا هو الوضع في جميع المسائل. «الاعتراف بالواقع» هو إكراه أحادي الجانب وجارف لـ»الواقع» المرغوب فيه من قبل طرف واحد. وهو الاعتراف الذي يحدد الصورة الكبيرة للنزاع بين إسرائيل والفلسطينيين، التي تحكم على الإسرائيليين والفلسطينيين واقعا ثابتا يتمثل بتفاقم وضع السادة والمحكومين. من هنا، يجب القول من الآن إنه لا توجد «صفقة»، بل «الصفقة التي توجد داخل الصفقة»، التي عليها يجب أن يجري النقاش.

عن «هآرتس»