إســرائــيـــل تخـــفــي عـــن شعـبـهــا حـقـيـقـة مــا يجــري فــي غــزة

حجم الخط

بقلم: عاموس هرئيل


قدّم عضو الكنيست، أفيغدور ليبرمان (إسرائيل بيتنا)، في هذه المرة خدمة عامة حقيقية. النبأ الذي كانت مراسلة «واللاه»، تال شليف، على وشك نشره أوقفت الرقابة العسكرية نشره مدة أسبوعين تقريبا؛ وهو أن رئيس «الموساد»، يوسي كوهين، وقائد المنطقة الجنوبية، هيرتسي هليفي، قاما بزيارة قطر سرّاً من أجل إقناع رؤساء الإمارة بمواصلة تمويل عملية التسوية في غزة. لا يقلق وزير الدفاع السابق من صغائر مثل تحفظ الرقابة، الذي يمكن مناقشة هل يوجد له مبرر أم لا. يوم السبت الماضي، كشف ليبرمان السر في مقابلة مع «حداشوت 12».
يضاف هذا الكشف إلى ما نشر هنا، الأسبوع الماضي، حيث يبدو أنه صحيح. رغم إطلاق الصواريخ على بلدات غلاف غزة، مساء الأحد، إلا أن الحكومة الإسرائيلية مستعدة لفعل الكثير من أجل ألا تشتعل جبهة القطاع قبل الحملة الانتخابية الثالثة للكنيست بعد أيام. هذا موقف مشروع تماما، بالتأكيد إذا أخذنا في الحسبان البديل الذي يمكن أن يتطور إلى عملية عسكرية كثيرة الإصابات وذات احتمالات مشكوك في نجاحها.
والأقل فهماً هو الفجوة بين الخطاب العلني المتشدد الذي يتبعه رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع، نفتالي بينيت، تجاه «حماس» وبين أفعالهما الحقيقية. قام نتنياهو بإرسال كوهين وهليفي إلى قطر بهدف ضمان تواصل تدفق الأموال من الخليج من اجل «تزييت» دواليب النظام في غزة، وتأجيل المواجهة العسكرية. وهذا بعيد جدا عن تبجح نتنياهو بمفاجأة تعدها إسرائيل لـ»حماس»، والتصريحات المتواترة لبينيت حول تغيير قواعد اللعب في القطاع.
حفاظ إسرائيل على تأمين المساعدات المالية لـ»حماس» يندمج مع خطوات أخرى تم اتخاذها، على رأسها قرار السماح بدخول 2000 عامل من القطاع للعمل في إسرائيل، إضافة إلى الخمسة آلاف حصلوا في السابق على تصاريح في السنة الماضية. هنا أيضا توجد فجوة واضحة بين ما قيل للجمهور وبين الواقع. بشكل رسمي تتحدث إسرائيل (أي جهاز الأمن، لأن المستوى السياسي يخشى تماما من التطرق إلى هذا الأمر بشكل علني) عن إعطاء التصاريح لرجال أعمال فقط.
هذا إغماض للعيون يعتمد على عرض عبثي بحسبه توجد في غزة سوق اقتصادية مزدهرة. ومن المشكوك فيه إذا كان يوجد في القطاع 7 آلاف رجل أعمال، في معظمهم عمال، عدد منهم جاؤوا، كما يبدو، للعمل في مستوطنات النقب لأنهم يعودون إلى القطاع كل يوم. زيادة عدد التصاريح رافقتها معارضة مهنية من قبل «الشاباك»، الذي يخشى من استغلال العمال من أجل جمع المعلومات ومحاولات تنفيذ العمليات. خلافا للوضع العادي، يبدو أن موقف «الشاباك» تم رفضه. وهذا يبرهن على القدر الكبير الذي تستثمر فيه القيادة الإسرائيلية في التسوية.
يؤمن الجيش الإسرائيلي بالتسوية في غزة، وهو يدفع المستوى السياسي لتنفيذها، لا سيما منذ عملية «الحزام الأسود» في تشرين الثاني الماضي، التي قامت فيها إسرائيل باغتيال قائد «الجهاد الإسلامي» الكبير، بهاء أبو العطا. تشابه المصالح بين المستوى السياسي والمستوى العسكري يقود إلى ليّ ابداعي للحقائق يستند على افتراض خاطئ وكأن الجمهور في إسرائيل يخاف من رجال الأعمال الفلسطينيين أقل مما يخاف من العمال. هذا يرتبط بمدى المناورة الكبير الذي منحه الجيش لنفسه في تقاريره عن الإخفاقات الأخيرة، من الاستخدام الخاطئ للرقابة من اجل إخفاء قضية الطائرات التي غرقت في قاعدة حتسور (مدة ثلاثة أيام) وحتى طمس الفشل في إحصاء عدد المتجندين الأصوليين (تأخير نصف سنة في الإبلاغ عنه، إلى حين نشره في «كان»).
«الجهاد الإسلامي» يستمر كعادته. في هذه الأثناء وفي الوقت الذي تقوم فيه إسرائيل بتوسيع التسهيلات المقدمة لغزة، تستمر محاولات تنفيذ عمليات على حدود القطاع. يوم الخميس، أبلغ الجيش الإسرائيلي عن إصابة خلية للقناصة من «الجهاد الإسلامي»، قامت بإطلاق النار قرب الجدار. وصباح الأحد، تم تشخيص فلسطينيين، من «الجهاد الإسلامي»، عند اقترابهما من الجدار ومحاولة وضع عبوة ناسفة. قُتل أحد أعضاء الخلية وأصيب صديقه. جرافة دخلت عسكرية إلى المنطقة الفلسطينية، وأخلت الجثة ونقلتها إلى الطرف الإسرائيلي.
نُشرت أفلام قصيرة عن الحادثة في القطاع، وقد أثارت عاصفة في الشبكات الاجتماعية وتهديدات بالانتقام من قبل التنظيمات الفلسطينية. الصور غير سهلة على المشاهد، كفة الجرافة تقوم برفع جثة القتيل في الوقت الذي يركض فيه الفلسطينيون وراءها ويحاولون تخليصها. هذا هو المعنى الفعلي لتصريحات إسرائيل حول تغيير السياسة وجمع جثث «المخربين» بهدف مراكمة المزيد من «الذخائر» من اجل المساومة على جثث المفقودين الإسرائيليين لدى «حماس». هنا تتضح مسألة أخرى وهي هل الجنود الذين كانوا يقودون الجرافة لم يتعرضوا لخطر مبالغ فيه مثل كمين لصواريخ مضادة للدبابات من اجل أخذ جثة، ليس واضحا أي فائدة ستنتج عن الاحتفاظ بها، هذا إذا كانت هناك فائدة أصلا.
مساء أول من أمس، أطلق «الجهاد الإسلامي» صلية تقدر بعشرين صاروخا، تم اعتراض نصفها تقريبا بوساطة «القبة الحديدية». ولم يتم الإبلاغ عن أي إصابات نتيجة هذا الإطلاق. ولكن إسرائيل يتوقع أن ترد عليه على كل الأحوال. حتى إذا انتهت الجولة الحالية، هناك أسئلة أكثر قسوة. لقد أحسن صياغتها رئيس الساحة الفلسطينية السابق في الاستخبارات العسكرية، العقيد احتياط ميخائيل ملشتاين. مقابل التسهيلات الإسرائيلية الكبيرة فإن «حماس» بالأساس تعهدت بوقف إطلاق البالونات المتفجرة التي قامت بإطلاقها بنفسها في كانون الثاني. وفي المقابل، قال ملشتاين للصحيفة، لا تفرض «حماس» سلطتها على الفصائل الفلسطينية الأخرى، وعلى رأسها «الجهاد»، الذي يواصل نشاطاته كالمعتاد.
في الوقت الذي لا يصادق فيه قادة «حماس» في القطاع على وجود تسوية، فإن صالح العاروري، من قادة «حماس» في الخارج، يعلن عن نشاط عنيف في الضفة الغربية. والأكثر من ذلك: تستعد «حماس» للاحتفال بالذكرى السنوية للمظاهرات على الجدار – التي أوقفتها في نهاية السنة الماضية – بتجمع كبير في 30 آذار.
التوصل إلى وقف إطلاق نار طويل المدى في القطاع هو بالتأكيد هدف مرغوب فيه. خلافا لعدد من الخطوات الأخرى لحكومة نتنياهو، هنا تم اتخاذ مخاطرة مبررة بهدف التوصل إلى البديل الأقل سوءاً من بين الخيارات المختلفة. ولكن في الطريق الى هناك، لا تبلغ القيادة في إسرائيل الجمهور كل الحقيقة، حيث تتجاهل عوامل تحذير يمكن أن تدل على أن الأمر يتعلق بارتجال قصير المدى نهايته الانهيار.

عن «هآرتس»