بقلم: العقيد احتياط ميخائيل ميلشتاين*
تفيد جولة التصعيد الأخيرة، أكثر من أي شيء آخر، بوجود فجوات فكرية عميقة بين إسرائيل و»حماس» حول مفهوم التسوية. من ناحية إسرائيل، المقصود هو «صفر أحداث»، وهو هدف من أجله دفع إلى الأمام بتسهيلات مدنية دراماتيكية، مؤخرا. ليس هكذا في نظر «حماس». صحيح أن الحركة تعهدت بعدم تشجيع أعمال العنف بنفسها (ولا سيما تقييد «إرهاب البالونات»، وهي «طريقة قتالية» اخترعتها قبل نحو شهر ونصف الشهر)، ولكنها امتنعت عن الإعلان الرسمي عن وجود تسوية، وأساسا عن إلزام باقي الفصائل بوقف الأعمال «الإرهابية» ضد إسرائيل. وهكذا تنجح منظمة «حماس» في الإمساك بالعصا من طرفيها: تحظى بالإنجازات المدنية المهمة وفي الوقت ذاته تحافظ على صورتها كـ»طليعة المقاومة»، وتعفي نفسها من الاحتكاك مع الفصائل الأخرى.
تجسد الجولة الأخيرة الثمن الذي تدفعه إسرائيل على التهور الذي تبلورت فيه التسوية الحالية، وبالأساس الاستعداد للإبقاء على مسائل مفتوحة في الطريق إلى هذا الهدف. وفي هذا السياق، تبرز ثلاثة مواضيع لم تحسم كما ينبغي، ولم تدرج في التسوية: استمرار توجيه «الارهاب» من القطاع الى الضفة؛ حل مسألة الأسرى والمفقودين الإسرائيليين؛ وفرض إمرة «حماس» على باقي الفصائل، المسألة التي أدت في نهاية المطاف إلى تقويض التسوية.
خطأ آخر من الجانب الإسرائيلي هو الانجرار الى مناوشة مباشرة اخرى مع «الجهاد الإسلامي»، في ظل إبقاء «حماس» – صاحبة السيادة في القطاع فعليا – في الموقع المريح للمشاهد المحايد، وإعفائها من الضربات التي أوقعها الجيش الإسرائيلي على غزة. يترافق الأمر أحيانا والإعراب عن تفاهم إسرائيلي لمصاعب «حماس» في فرض إمرتها في هذا الوقت على باقي مراكز القوى. من الضروري الاستيعاب بأن لـ»حماس» سيطرة مطلقة في القطاع. وفرض إمرتها ليس مريحا لها، ولكن هذا موضوع يتعلق بالإرادة وليس بالقدرة، وإسرائيل ملزمة بأن تطالبها بهذا الأمر.
الحكومة التالية في إسرائيل ستكون مطالبة بخطوتين جوهريتين وسريعتين في سياق القطاع. الأولى، هي أن تفتح من جديد «ملف التسوية» المتهالك، والتأكد من أنه يتضمن المواضيع الثلاثة التي ذكرت آنفا، وعلى رأسها مسألة الأسرى والمفقودين التي لا ينبغي عزلها عن الحوار العام مع «حماس» مثلما جرى اليوم. ثانيا، نوصي بالبدء بوضع استراتيجية وطنية في موضوع القطاع. في هذا الاطار من الحيوي البحث بعمق – وأخيرا الحسم ايضا – في أي مسار يجب التمسك بين قطبي تسوية استراتيجية كاملة (تتضمن تغييرا جوهريا في السلوك المدني تجاه غزة) وبين إسقاط حكم «حماس» والسيطرة، لزمن طويل او قصير، على المنطقة في محاولة لإقامة نظام جديد فيها. أما استمرار الوضع الحالي فلا يبدو أنه يمكن الإبقاء عليه لزمن طويل، وفي النهاية هو الذي سيوجه إسرائيل الى معركة واسعة حتى بلا رغبة وتخطيط مسبق.
عن «معاريف»
*رئيس منتدى الدراسات الفلسطينية في مركز دايان ومستشار منسق الأعمال سابقاً.