بماذا شعرتم عندما رأيتم الجرافة ترفع جثة إنسان؟

حجم الخط

بقلم: جدعون ليفي



ما الذي شعروا به في اليمين عند مشاهدة جرافة عسكرية وهي تنبش الأرض في غزة، وتقوم برفع جثة إنسان وكأنه روث حيوانات يجب إبعاده بسبب الرائحة الكريهة؟ ما الذي شعرت به عائلة غولدن، المسؤولة بقدر غير قليل عن هذا النشر إزاء إهانة الميت؟ هل شعرت بالرضى؟ هل شعرت بمشاعر الانتقام؟ هل اعتقدت بأن إعادة جثة ابنها اقتربت؟ ما الذي فكر فيه وزير الدفاع، نفتالي بينيت، الذي رسم سياسة اختطاف هذه الجثث؟ هل تفاخر بجنود الجيش الذين أطاعوا أوامره؟ هل سيكون سعيداً من أن تسمى باسمه عقيدة جديدة وهي عقيدة المتاجرة بالجثث، إرثه الوحيد؟
ما الذي يفكر فيه رئيس الأركان وقائد المنطقة وقائد الوحدة حول ذلك؟ هل تحمسوا هم أيضا لهذا المشهد؟ هل هذه هي صورة انتصارهم؟ إرثهم الحربي؟ وماذا عن سائق الجرافة؟ ماذا سيروي لعائلته عند عودته؟ هل قام باختطاف جثة؟ هل هذه هي مهنته؟ وماذا سيروي ذات يوم لأبنائه؟ هل هذا ما فعله أبي في الجيش؟ حفر واختطف جثة شخص؟
هل تذكر أي من هؤلاء بأن الأمر يتعلق بجثة؟ إنه من «الجهاد الإسلامي» ولكنه إنسان، كان إلى ما قبل فترة قصيرة يعيش ويقاتل. أجل يقاتل، ضد الحصار المتوحش على بيته. إنسان لديه أحلام وبرامج وكرامة. ولديه اسم: محمد علي الناعم (27 سنة)، ولديه زوجة، هبة، وابن رضيع. ولديه أم، ميرفت، تبكي الآن على موت ابنها.
الجرافة دمرت كل شيء. وقال الجيش الإسرائيلي إن الناعم زرع عبوة ناسفة قرب الجدار الذي يحبس بلاده، الأمر الذي لا توجد أي صلة بينه وبين «الإرهاب». وبذلك تحول بالطبع إلى شخص يستحق الموت. ولكن هذا لم يكن كافيا. الآن، يوجد أيضا نهم للجثث. وحتى وزير الدفاع تفاخر بذلك، «هكذا يجب وهكذا سنعمل».
من خطاب موشيه ديان لتأبين روعي روتبرغ في ناحل عوز في العام 1956، على مسافة قريبة من موقع الجرافة 2020، «يجب علينا اليوم عدم إلقاء الاتهامات على القتلة. لماذا نلقي باللوم على كراهيتهم الشديدة لنا؟ منذ ثماني سنوات وهم يعيشون في مخيمات اللاجئين في غزة، وأمام ناظريهم نحول الأراضي والقرى التي عاشوا فيها هم وآباؤهم إلى أملاك لنا»، وحتى خطاب قائد الألوية العسكرية بينيت: «لقد سئمنا من انتقاد اليسار المتملق لـ 'عدم الإنسانية' الذي يوجد في استخدام الجرافة من أجل إحضار جثة مخرب لنا» – هذا هو ملخص تاريخ الحيونة والانغلاق والشر والفساد والعفن للاحتلال.
من السهل التخمين حول ما اعتمل في قلوب الفلسطينيين، لا سيما سكان غزة، إزاء الجثة المعلقة للناعم: حاولوا تخيل جثة جندي إسرائيل وهي تتدلى من جرافة أمام أنظار الجميع. اصغوا إلى صراخ الشباب الذين تجمعوا حولها، وضحوا بأرواحهم أمام إطلاق النار للجيش الإسرائيلي ودبابة المركفاه التي تهددهم، وهم يبذلون جهودا كبيرة لإنقاذ جثة صديقهم وكرامة شعبهم.
إن إهانة الميت هي التي أوجدت يومين من النار والرعب في منطقة الجنوب. عشرات آلاف الناس في الملاجئ في الطرف الإسرائيلي، ومئات الآلاف من سكان غزة الذين اهتزت مرة أخرى أرضهم من الانفجارات.
وكل ذلك من أجل إرضاء وزير دفاع قومي متطرف يحاول إرضاء قاعدته المتعطشة للدماء، وإرضاء عائلة غولدن المنتمية لهذه القاعدة.
بعد قرار هنري كيسنجر ذات يوم بأنه لا توجد لإسرائيل سياسة خارجية، بل سياسة داخلية فقط، جاء بينيت الآن وأثبت: حتى السياسة الأمنية هي أحيانا سياسة داخلية. الويل لقاعدة يرضيها اختطاف جثة. والويل أيضا لعائلة ثاكلة تدفع دون أي عائق نحو التنكيل بغزة، فقط من أجل إعادة جثة عزيزها.
سكان بلدات غلاف غزة وسكان غزة قدموا، هذا الأسبوع، ضحية من أجل نزوة لسياسي تافه. الإسرائيليون مستعدون كما يبدو لدفع أي ثمن. في الحقيقة، لا أحد تقريبا احتج. وأيضا الطلب الرئيس والمبرر لم يتم سماعه: أعيدوا على الفور جثة الناعم. لا نريد الانتماء لدولة تقوم باختطاف الجثث والمتاجرة بها، لا نريد ذلك.

عن «هآرتس»