إسرائيل: الانتخابات الرابعة تنتظر خلف الزاوية !

حجم الخط

بقلم: ناحوم برنياع


جيء إلى جناح جانبي، بجوار جدار كفار همكابيا، الأربعاء الماضي، بالزينة التي ترافق بيني غانتس من حدث الى آخر: منصة خطابة في مقدمتها مصباح، الى جانب رمز الدولة، وهي نسخة عن المنصة التي تتنقل من حدث الى آخر مع نتنياهو، حاجز قماشي مهمته ان يشكل خلفية، وثلاث شاشات بلازما يقرأ منها النص. لا يوجد جمهور في القاعة: مجرد بطارية من المصورين ممن يقومون بعملهم اليومي، أربعة مساعدين من قيادة الانتخابات، رضيع واحد جاءت به أمه التي تعمل في القيادة، وثلاثة مراسلين. في القيادة وعدوا بالدراما: توجه شخصي، في اللحظة الأخيرة، من غانتس الى نتنياهو. ولكن الجمهور تعب من الدراما، سواء أكانت حقيقية أم ملفقة: كورونا، غزة، انتخابات، كم يمكن الاحتمال؟! وبالنسبة للصحافيين، فإنهم يطلعون على الوضع في الميدان من شاشة الخلوي لديهم، في الاستديو. دع أصابعك تسر بدلاً منك.
يأتي غانتس، متأخراً، متجهم الوجه، مركزاً على مهمته. لا سلاما ولا مساء الخير. «يا نتنياهو، انظر في عينيّ»، هكذا بدأ حديثه. في النص على الشاشات خط أسفل الجمل التي تتطلب التأكيد. وتكاد تكون كل الجمل مع خط في أسفلها. الكلمات قاسية، استفزازية، وتستهدف الاهانة. يقرأها غانتس بطلاقة، دون توقف، فهو ليس بالضبط ديموستانس اليوناني، عظيم الخطباء في التاريخ، ولكنه ايضا ليس المتلعثم المنتظم في الاشرطة الملفقة التي ينشرها «الليكود».
«انظر في عينيّ»، كانت هي الجملة الساحقة التي وجهها ايتسيك مردخاي لأذني نتنياهو في المواجهة التلفزيونية بينهما، العام 1999. وليس صدفة أن يعود غانتس في حديثه الى تلك اللحظة، وهي احدى اللحظات المهينة في حياة نتنياهو المهنية. «باسم هوسك للافلات من المحاكمة»، يواصل، «فانك تكذب، توسخ، تشق الصفوف، تحرض، انك تسمم إسرائيل. هذه ليست حملة كراهية – هذه جريمة كراهية».
ان تشبيه نتنياهو بيشاي شليسل، القاتل من مسيرة الفخار في القدس، أو بمجرمي تدفيع الثمن في تلال «السامرة»، صعب هضمه بعض الشيء. «ومن أجل ماذا؟» يسأل غانتس ويجيب: «كي يكسب ابن عمك الملايين في صفقة الغواصات، وتكسب أنت الملايين في الاسهم... بيبي لا يتوقف عند الأحمر. أدعو لجنة الانتخابات لتستعد، فهو سيشوش يوم الانتخابات».
في هذه المرحلة من حملة الانتخابات يكاد لا يكون معنى للكلمات. فالسياسيون يطلقونها مثل الحجارة في الماء. مع بعض الحظ ستنجح كلمة ما في القفز مرة – مرتين، فتخلق موجهة، وتتسلل الى الخطاب في الشبكات الاجتماعية. لم يكن خطاب غانتس يستهدف اذني نتنياهو، ولا اذان مصوتي «الليكود» أيضا. فهو يستهدف المترددين بين «أزرق أبيض» وبين العمل – غيشر – ميرتس، اولئك الذين يحرضهم إحساس النفور تجاه نتنياهو، وهو يقصد قاعدة «أزرق أبيض»، التي اجتازت في الأسبوعين الأخيرين أزمة معنوية. نعم، لـ «ازرق أبيض» ايضا توجد قاعدة.
فكرت في المسافة التي اجتازها بيني غانتس منذ استأجر مكتبا في فندق كفار همكابيا، المبنى المجاور، وتردد فيما اذا كان سيتوجه الى السياسة. فكرت في نتنياهو، الذي في احد الايام الغريبة له، عشية الجولة السابقة، جمع صحافيين على سطح الفندق، وبشر العالم بأنه فور الانتخابات سيضم غور الأردن. كانت قيادة «الليكود» تجلس أمامه وتصفق. وكانت الخريطة مغلوطة، وأبدى نتنياهو جهلاً محرجاً في التفاصيل، وعندما انتهى الحدث، ضحك الوزراء على الموقف السخيف في موقف السيارات في الاسفل. كان الحديث منضبطا، طبيعيا، مقارنة باحداث الجولة الحالية. خطاب الاربعاء من المشكوك فيه أن يكون غانتس هو الذي كتبه. فليس هذا اسلوبه. فهل غضبه حقيقي؟ لا شك عندي ان قصص الكذب القذرة التي تنشر عنه وعن غابي اشكنازي بعيدة عن إسعاده. ولكن الحملة هي نوع من الحرب، غانتس يظهر في الاجتماعات وفي المقابلات ست مرات في اليوم في المتوسط، يجري مداولات في مقر القيادة، يعلق في أزمات السير. وهو جندي في ذروة مهمة. ليس لديه الوقت للكراهية، وليس لديه الوقت للشعور بالإهانة.
بعد نصف ساعة من انتهاء الحدث في كفار همكابيا، كان في قاعة سنفونيا في مركز راس العين، في اجتماع لمؤيديه. ضحك لمؤيديه، قبّل طفلة كانت تجلس على ركبة أبيها في الصف الأول، والقى خطابا عفويا هاجم فيه ضمن أمور اخرى أجواء الكراهية في حملة الانتخابات. خطابك هنا معاكس للخطاب في كفار همكابيا، قلت له. فقال «لا، هو أرق فقط».

كسر التعادل
ان إجمال جولة الانتخابات الثالثة يشبه التهنئة لعريس وعروس بمناسبة عرسهم الثالث. لا شيء واعد في المحاولة الثالثة لاناس فشلوا مرتين؛ فالفرح مخلوط بالخوف من أن يكون خلف الزاوية تنتظر المرة الرابعة: العروس تمثل زيفا بانها سعيدة؛ والعريس يخفي الشكوك. شركة لمنفعة الجمهور تسمى «العهد الإسرائيلي» استثمرت 800 الف شيقل في حملة تستهدف تشجيع الناخبين – ولا سيما الناخبين الشبان – للتصويت في الانتخابات. وكان شعار الحملة «مرة ثالثة وكفى».
«نخشى من هبوط معدلات التصويت»، يقول مدير عام الشركة شاي كوهن. «في الجولة السابقة، في أيلول، ارتفعت نسبة التصويت العامة، ولكنها لم ترفع إلا بسبب الارتفاع في التصويت في الوسط العربي. في الوسط اليهودي سجل انخفاض صغير، اقل من 1 في المئة. وحسب توقعاتنا، في الانتخابات يوم الاثنين سيتواصل الهبوط، من 66.7 الى 66 في المئة».
عملت الحملة أساساً في الشبكات. وقد ركزت على النساء ممن لهن اهتمام في السياسة، ويتابعن مواقع الاخبار وحسابات السياسيين في الشبكة. ويدعي المدير العام بأن الهدف كان اعطاءهن الادوات لاقناع ابناء العائلة والاصدقاء للتوجه الى صندوق الاقتراع، دون صلة بالآراء أو بالصلة الحزبية. وعلى الرغم من ذلك، سارع «الليكود» الى اطلاق شكوى لرئيس لجنة الانتخابات، مدعياً ان الهدف الحقيقي للحملة هو تغيير الحكم. وان المبادرة يشارك فيها يساريون. ولكن الشكوى رفضت.
يخيل لي أن شعار «مرة ثالثة وكفى» يوجد حوله شبه اجماع. إذا لم يحطم احصاء الاصوات التعادل، فسيتعين على رؤساء الاحزاب أن يفعلوا ذلك، حتى بثمن خيانة التعهدات التي اطلقوها، هذا الاسبوع. درعي أو ليبرمان، نتنياهو أو غانتس – احد ما سيتعين عليه القيام بعمل ما. درعي يمكنه أن يغادر كتلة اليمين، ليبرمان يمكنه أن يرتبط بكتلة اليمين، نتنياهو يمكنه أن يعقد صفقة قضائية، وغانتس يمكنه أن يتراجع عن استبعاد نتنياهو. اي من هذه الخيارات ليس سهلا، ولكن كل واحد منها جيد افضل من استمرار الإدمان على التمسك بالقاعدة.
كان يمكن ان نتوقع من الأحزاب ان تلطف حدة مواقفها من جولة الى اخرى. ولكن العكس هو ما حصل، تطرفت اكثر. كل حزب تعمق في التمترس في جبهة رفضه. نجح نتنياهو في بناء سور حول تكتل الأحزاب الوطنية – الأصولية. لا احد يجرؤ على اخراج أنفه منه. نجاحه مثير للانطباع لأنه جاء من الأسفل، من الصفوف. لقد غير وجه اليمين الإسرائيلي. لا توجد هنا فقط صفقة أعطني مالا للمدارس الدينية وأنا أعطيك ان تقرر في كل ما تبقى. يوجد قاسم مشترك واسع، ايديولوجي: إسرائيل اليهودية ضد إسرائيل الديمقراطية. يعيش فيه معاً حاخامون مناهضون للصهيونية ومحبون لعقيدة جابوتنسكي، «فتيان تلال»، ومثليون.
النجاح الثاني لنتنياهو يكمن في قدرته على الاستيقاظ عشية الانتخابات، فيتراكض مثل ارنب نشط من اجتماع الى آخر، من دولة الى اخرى، والتحكم بجدول الاعمال وإثارة مؤيديه. مناحم بيغن هو الآخر أظهر قدرات كهذه، ولكن نتنياهو يتفوق عليه بكثير.

ثمن النجاحات
لهذه النجاحات يوجد ثمن. الثمن الأول هو الانغلاق. لا أحد يخرج من الاسوار التي بناها نتنياهو مع الأصوليين، ولكن لا احد يأتي. واضاع في الطريق ليبرمان وجمهوره واضاع معظم مصوتي كحلون (محاولة ارتجالية من جانبه لاقامة حزب وهمي شرقي يتشبه بحزب كحلون، فشلت).
الثمن الثاني هو التحريض. فمن اجل ايقاظ القاعدة، هناك حاجة لإقناعها بان العدو على الأبواب – العرب، اليسار، إسرائيل القديمة. القاعدة تستيقظ، ولكن المعتدى عليهم ايضا يستيقظون. مع كل التقدير لإنجاز القمرة الانتخابي، فان من أقام «أزرق أبيض» كان نتنياهو. بدونه من المشكوك فيه أن يكون أشكنازي سينضم، ومن المشكوك فيه أن يكون لبيد سيتحد. ومن المشكوك فيه أن يكون الحزب سيقوم.
وأهم من هذا هو ما ساهم به نتنياهو للعرب. القائمة المشتركة مدينة له بنجاحها. عشية جولة الانتخابات الاولى تنبأت لها الاستطلاعات بالفشل. وأعادت حملة الكاميرات، التي اثارها نتنياهو، ناخبي القائمة الى الصناديق، وأعطتها 13 مقعدا.
عاد سانتاكلوز مع هداياه في حملة الجولة الثالثة. خطة السلام لترامب - من يتذكر – كانت عنصرا مركزيا في حملة انتخابات نتنياهو. فقرة ثانوية في الخطة تحدثت عن الانتقال الطوعي للمثلث وسكانه العرب من إسرائيل الى فلسطين. المدن والبلدات العربية في المثلث ذكرت بأسمائها، من كفر قاسم وحتى ام الفحم. نتنياهو بادر أو أقر. يحتمل أنه فكر بان تجلب له هذه الفقرة ليبرمان؛ يحتمل أن يكون فكر بان تفيده لدى الناخبين اليهود ممن تتحداهم الديمغرافيا.
مهما يكن من أمر فانها أيقظت العرب من جديد؛ العرب وحدهم فقط. استطلاع هاتفي لمركز اكورد للتغيير الاجتماعي يدعي بأن معدل التصويت في أوساط العرب هذه المرة سيكون 65 - 67 في المئة – بمعنى، معدل مشابه أو قريب من معدل التصويت في اوساط اليهود. 17 في المئة من هؤلاء ممن يعتزمون التصويت، هذه المرة، لم يصوتوا في الجولة السابقة. ويدعي المستطلعون بان الارتفاع يبرز على نحو خاص في اوساط الشبان، النساء، وسكان المثلث.
بتعابير المقاعد، هذا يعني 15 او حتى 16 مقعدا، بدلا من 13 اليوم.
«في المجتمع العربي يتبين استعداد متزايد للمشاركة في الانتخابات»، تقول د. رنا عباس، التي تقود البحث. «يبدأ العرب في رؤية أنفسهم كعامل يمكنه أن يؤثر على السياسة الإسرائيلية».
ستحظى الاحزاب اليهودية فقط بالبواقي من هذا المخزون: اقل من مقعد سيحصل عليه «أزرق أبيض»، وشيء ما سيحصل عليه ايضا العمل - غيشر - ميرتس. اما «الليكود»، الذي كان يمكنه أن يحصل على حتى مقعدين من الوسط العربي، لن يحصل الا على تلك الاصوات التي سيشتريها بالامتيازات وبالمال. هذا صحيح ايضا بالنسبة لـ «شاس». نتنياهو، الذي فهم متأخرا هذا الخطأ، حاول ان يبدي في الايام الاخيرة حضورا في الوسط العربي. انتهى هذا بحدث مشفق في طمرة. عشرات وصلوا؛ 60 تظاهروا ضده في الخارج. انصرف نتنياهو بعد عشر دقائق.
يمكن لـ «الليكود» أن يواسي نفسه بقاعدته. لـ «ازرق ابيض» ينسبون التفويت في السياسة الداخلية: كل محاولة لاجتذاب الناخبين العرب عرقلها بوغي يعلون. وروى لي نيتسان هوروفيتس، رجل «ميرتس»، هذا الاسبوع، بانه كانت ناك محاولة لادخال مرشح عربي جذاب في القائمة، ولكنه فشل بسبب ضغط الوقت. كل حزب اختار مرشحيه، وكادت القوائم تغلق. وأول من أمس أعلنت القائمة بان البروفيسور عليان القرناوي، رئيس كلية أحفا سابقا هو مرشحها ليكون وزيرا في الحكومة. متأخر جدا.
في اجتماع لـ «ازرق ابيض» في راس العين ليلة الاربعاء، طلب غانتس من الجمهور توجيه الأسئلة له. احد الأسئلة، التي نالت التصفيق، كان يتعلق بتفويت الوسط العربي. راس العين هي جارة كفر قاسم. مدينتان تعيشان معا: في أيام الأسبوع العرب يأتون الى اليهود؛ في السبت اليهود هم الذين يأتون الى العرب. وغانتس وجد صعوبة في الإجابة.

عن «يديعوت»